عن ملتقى تبوك

المستقبلُ آتٍ…

نعيش اليومَ حالةً من قلق التقادم سببها التطورُ المحمومُ الذي لم يتوقف منذ اختراع الصور المتحركة والتقنيات المرتبطة بها قبل قرنٍ ونصف القرن. فنحن الآن نعجز في الغالب عن الوصول إلى نسخ الأفلام التي صُوّرت قبل ظهور تقنية 4K، أي تلك التي صُوّرت بكاميرات 35 ملم و16 ملم و8 ملم، كما يندر أن نجد مَن يقدر على فهم برمجة مسجل أشرطة الفيديو على سبيل المثال. هكذا إذن ينتهي المطاف بتلك المنتجات السينمائية مكدسةً في المخازن ومتاجر الخردوات وحاويات النفايات. لم يتخيّل مستخدمو الهواتف النقالة العادية أبدًا إمكانيةَ تصويرِ أفلامٍ باستخدام الهواتف الذكية، بل إنّ بعضهم ما زال غير قادرٍ على تصوّر الأمر إلى اليوم.

بفضل التقدم التقني المتسارع تعتري كثيرٌ منّا مخاوفُ من أن يجدوا أنفسهم متأخرين ومتخلّفين عن الركب، فيأنسون في أنفسهم أمّيّةً رقميةً وعجزًا عن مواكبة العصر وفهم أدواته المتجددة واستعمالها. ومع بروز أشكالٍ جديدةٍ من الأفلامِ ووسائل الإعلامِ ونشوء مبانٍ ومدنٍ ذكيةٍ (كمشروع مدينة «نيوم» التي تُبنى غيرَ بعيدٍ من هنا)، يعترينا خليطٌ من الدهشةِ والخوفِ في الوقت نفسه من الاختراعات الجديدة، وأبرزها الذكاء الاصطناعيّ الذي بات قادرا على التفكير والإبداع بدلًا منا، يُصدر أحكاما ويتخذ قراراتٍ من دون تدخّلنا. يحقّ لنا أن نتساءل: هل سنفقد القدرةَ عمّا قريبٍ على تحقيق مقاصدنا في وقتٍ لا يُستغرب فيه أن يكتب الذكاءُ الاصطناعيّ سيناريوهاتِ أفلامٍ وتُكمل المصّححات اللغوية عباراتنا في لحظة كتابتها؟ ما الذي سيحدث حين لا يعود يفهم دواخلنا وطوايا مجتمعِنا سوى التكنولوجيا، ونستسيغ فكرةَ أن يقع أحدهم في حبّ «أليكسا» أو «سيري» كما حدث في الفيلم الهوليوودي Her «هي»؟ هل سنستطيع يومًا مواكبة كلّ هذه التطوّرات المتلاحقة؟

في هذه الدورة من ملتقى النقد السينمائي نحتفي بالأفلام وصُنّاعها الذين ما ينفكّون يكشفون لنا بمعرفتهم ومهارتهم وحدسهم عن منعطفاتِ المستقبل، من خلال التوقعات السينمائية والفتوح التقنية التي مهدّت الطريق لما جاء بعدها. وفيها نركّز على اللحظات المفصلية لابتكارات السينما التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، بدءًا بعدسة 35 ملم ووصولًا إلى الواقع الافتراضي، وجعلتنا متطلّعين بفضلها إلى مستقبلٍ متغيّرٍ على الدوام.


ملخص البرنامج


ورشة عمل

مقدمة لعالم المؤثرات البصرية (VFX) 13:00-11:00

مع الأستاذ شادي أبو شادي أبو، المدير التنفيذي لاستوديو هيكات

تعتبر المؤثرات البصرية فناً يُنشأ بالحاسوب من أجل إظهار جماليات قصّة الفيلم وإبراز تفاصيلها الجوهرية، مما يساعد على إيصال أفكار المُخرج ومقاصده ومشاعره، والأمر نفسه ينطبق على المؤثرات الصوتية. ولكن استخدام المؤثرات السمعية والبصرية في السينما لا يضمن نجاحا تلقائيا للفيلم، بل قد يتسبب أحيانا في إضعاف العمل السينمائي أو إفساد جمالياته، بحيث تبدو بعض المناظر غير واقعية أو تتعارض المؤثرات مع تفاصيل الحدث المعروض على الشاشة. ناقشت الورشة أسباب ظهور بعض النتائج السلبية غير المقصودة، التي كان المسبب لها عدم الإلمام بوظائف المؤثرات البصرية، وضعف الفهم اللازم لاستخدامها، وعدم التأكد من وجود ميزانية تغطي تكاليفها.

إضافة إلى ذلك تناولت الورشة افتقار السينما العربية لاستخدام المؤثرات في أعمالها، على الرغم من وجود تراث غني بالثقافة والتاريخ والإرث القصصيّ الكبير الذي يمكن تسخير المؤثرات السمعية والبصرية لتقديمه. وأخيرا استبعد مقدّم الورشة أن يحلّ الذكاء الاصطناعي، على رغم تطوره الملاحظ، محلّ كاتب السيناريو أو الممثل أو المعلق الصوتي أو غيرها من المهن المتعلقة بالسينما، وذلك نظرا لافتقار الذكاء الاصطناعيّ إلى مهارة ابتكار شيءٍ جديدٍ من تلقاء نفسه، إضافةً إلى أنه لا يتمتع بالذكاء العاطفي والحساسية النّقدية المطلوبة في السينما.


العروض التقديمية وجلسة حوارية

الرياح والماء والرمل والنار: المناخ في الرسوم المنشأة بالحاسوب (CGI) من الفيلم حتى الواقع الافتراضي 15:00-13:30

المتحدث الدكتورة نهال الهادي
نهال الهادي، محررة قسم العلوم والتقنية بمجلة The Conversation Canada ومشرفة تحرير مجلة Studio

مثّل العرضُ التقدم التقنيّ في إنشاء الصور الرقمية للرياح والماء والرمل والنار بمجموعة من الأفلام التي صورت الأثر الكبير الذي تتركه الكوارث الطبيعية في واقع الإنسان المعاصر، وهذا ما حاول فيلم (The Perfect Storm) تجسيده باستخدام تقنية تصوير المياه التي جرى العمل عليها عن طريق الحاسوب، وتحويل منظر تلك المياه إلى مشهد يتسم بالواقعية الشديدة. بينما استوحى فيلم (Backdraft)أحداثه من كارثة طبيعية حدثت في كندا بعد اشتعال النيران الكثيفة في المنطقة، إذ استعان المخرج بفريقٍ من التقنيين المختصين لتصميم ألسنة اللهب وتضمينها في أحداث الفيلم. أما فيما يتعلق بالصحراء، التي هي بطبيعة الحال فارغة من الحياة والمشاهد الطبيعية إلى حدّ كبير، فقد جسد فيلم (Dune) الذي تدور أحداثه في فضاء صحراوي الرمال بواقعية مقنعة، حيث اعتمد على استخدام الشاشات الرملية بدلًا من الشاشات الزرقاء، بالإضافة إلى استخدامه آلات تفجير الرمال والبرامج الثلاثية الأبعاد ليوضّح الدور الأساسي للمؤثرات الرقمية والبصرية لنقل شدّة الأزمات المناخية، فحينما نشاهد العديد من الأزمات البيئية مثل قوة الحرائق على تدمير معالم وأراضي شاسعة بعدة ثواني فقط، يرفع ذلك من وعينا وفهمنا لعالمنا المتغيّر ويعزز مسؤوليتنا تجاه بيئتنا.

الأشكال التوقعية: البصريات المستقبلية وحياة الصور15:00-13:30

المتحدث الدكتورة رانيا جعفر
الدكتورة رانيا جعفر، باحثة ومحاضِرة في جامعة الفنون بريمن

ناقش العرض أن الرغبة في توثيق حياتنا اليومية كانت سببًا من أسباب اختراع أجهزة العرض السينمائي، وذلك لأنّ تحويل الصور الثابتة إلى متحركة يخلق تأثيرًا يشابه ما يحدث في حياتنا الواقعية. وهكذا يمكن للصور أن تعرض لنا معاناتنا ومعاناة الآخرين، وأن تسافر بنا عبر الزمان والمكان لاسترجاع الذكريات، وأن تنقلنا إلى عالم المستقبل بواسطة الخيال العلمي المستوحى من الواقع، مثلما فعلت صورة مشروع «ذا لاين» الضخم على سبيل المثال. أكّد العرض على أن التقنيات الجديدة أحدثت تحولًا هائلا في صناعة الأفلام، فالذكاء الاصطناعي مثلا مكّننا من تحليل الصورة بزاوية ٣٦٠ درجة، الأمر الذي يتعذر حصوله فيما مضى. وأخيرا خَلُص العرض إلى أن للصور أهمية مثل أهمية اللغة في تعبيراتها عن الزمان، وأنها ليست مجرد عامل مساعد مع النصوص، نظرا إلى دورها الكبير ليس في تصوير الماضي فحسب، وإنما في تصوّر المستقبل أيضا.

جلسة حوارية 15:00-13:30

مع الدكتورة نهال الهادي، والدكتورة رانيا جعفر
يديرها الدكتورة ليڤيا أليكساندر

الدكتورة نهال الهادي والدكتورة رانيا جعفر ومدير الحوار: الدكتورة ليڤيا أليكساندر

تمحورت أسئلة الجلسة الحوارية حول الصورة وأهميتها وتأثيرها وطرق استخدامها، واتفق المشاركون في الحوار على قدرة الصورة على تصوير المشاعر وخلق شخصياتٍ تحمل سماتٍ واقعيةٍ مُقنِعة. في تعليقها قالت الدكتورة رانيا جعفر أن قابلية الصورة في إقناعها يأتي من قدرتها على نقل المشاعر من شخصيات سينمائية مختلَقة إلى أناس حقيقيين في الواقع. وذكرت الدكتورة نهال الهادي أن حياة الصورة تبدأ من الشاشة فعلا، وأن هذا الجانب لا يحدّ من تأثيرها، بل إنه على العكس من ذلك يعزّز وجود الجانب الافتراضي في حياتنا ويضاعف دوره. وفي جواب لها عن مدى تأثير الأفلام خصوصا والعالم الافتراضي عموما على شعور إنسان اليوم، أشارت إلى أن مَن يقضي ساعات طويلة وهو يلعب لعبة فيديو سيشعر رويدًا رويدًا وكأنه يتحرك داخلها، وبذلك تضعف علاقته بالعالم الواقعي. وفي معرض الحديث حول سؤال متعلق بتأثير الواقع الافتراضي على الإدراك العقلي للبشر وليس مشاعرهم فحسب، أجابت الدكتورة نهال أن هذا التأثير يفوق تصوراتنا وإداركنا، ومثّلت على ذلك بما قاله كثيرٌ من الأشخاص الذين عاشوا أحداث ١١ سبتمبر، حيث ذكروا أن ما شاهدوه وخبروه ذلك اليوم أشبه بما يحدث في الأفلام. لقد قام أولئك الأشخاص بتشبيه الحدث بفيلم نظرا إلى أنه حدثٌ كبير ومروّع لم يسبق له مثيلٌ في الواقع، وكأنّ الواقع الافتراضي قد أصبح مَرجِعًا لأحداث حقيقية.


نقاش الفنانين

جلسة حوارية 16:30-15:30

المتحدثون الفنانة عهد العمودي ، الدكتورة عفّت عبدالله فدعق الدكتورة عفت عبدالله فدعق، الأستاذة المشاركة في الفنون الجميلة بجامعة جدة

تزايد استخدام التقنية واستثمار الابتكارات التقنيّة المختلفة في عالم الصورة، إذْ سرعان ما قدّم صانعو الأفلام والفنانون إبداعاتهم باستخدام التقنيات بطرق متطورة ومبتكرة يومًا بعد يوم، الأمر الذي أعاد صياغة القيم الجمالية والإبداعية للأفلام والأعمال الفنية وأثّر على كيفية سرد القصص من خلالها. في هذا السياق قدّمت الفنانة عهد العمودي صورًا مختلفة لاستخدامها التقنية في ممارستها الفنية، وعند سؤالها عن أهمية اللغة البصرية بوصفها وسيطا يقدّم الفنان من خلاله العمل الفني، أكّدت بأن اللغة البصرية تعتبر عاملًا مهمًا لإيصال المعلومة بشكل واضح ودقيق، وعن مدى استيعاب المتلقي للرسالة من الصور المعروضة أضافت العمودي: 'أن قوة الصور تكمن في مرحلة تكوينها، وأنه عند تحقيق تلك القوة في أكمل صورة يمكن للمشاهد استيعاب الرسالة المقصودة من العمل الفني دون عوائق'.


عرض سينمائي يليه حوار المدوّنين

عرض سينمائي: (1982) Blade Runner 19:15-16:45

إخراج ريدلي سكوت إخراج ريدلي سكوت، الولايات المتحدة الأمريكية، 117 دقيقة. حوار المدونين عن فيلم Blade Runner «المتعقب المأجور» (باللغة العربية مع ترجمة فورية إلى الإنجليزية)

لا زال روّاد السينما يتناقشون حول ماهية فيلم (Blade Runner) بل إن المخرجين أنفسهم أعادوا إخراج الفيلم مرات عديدة في محاولة لاستكشاف دلالاته المختلفة. يتحدّث فيلم الخيال العلمي عن المستقبل ويستجوب الكيفية التي طوّر الإنسان بها التقنية حتى شرع في صناعة روبوتات مشابهة للبشر، وتقع أحداث قصّته في عام 2019 أي في المستقبل بالنسبة لعام صناعة الفيلم، وتتراوح بين مكانين هما مدينة لوس أنجلوس الأمريكية والمستعمرات الفضائية، بينما تُصوَّر لوس أنجلوس على أنها مدينة تقنية صناعية يعيش فيها الفقراء والبائسون.
يتكون «العالم الخارجي» من مجموعة مستعمرات موجودة في كوكب آخر ويعمرها الأثرياء وكائنات اصطناعية شبيهة بالإنسان، هذه الكائنات صُنعت باستخدام التعديل الوراثي وأوكلت لها مهمّة استعمار الفضاء، لكنها تدرك محدودية بقائها على قيد الحياة فتنزل إلى الأرض حيث يصعب التعرّف عليها حين تختلط بالبشر، وهكذا تدور الأحداث حول البطل الرئيسي ريك ديكارد الذي يتعاون مع الشرطة في مهمةِ تعقّب تلك الكائنات والقضاء عليها عقابا لتمرّدها على الشركة المصنّعة، يصوّر لنا سياق الفيلم صعوبة التمييز بين البشر والكائنات الاصطناعية مما يمثّل تحديًا غامضًا.

حوار المدونين: Blade Runner (1982) 19:15-16:45

المتحدثون الدكتور عبدالله العقيبي والأستاذ عزيز محمد الدكتور عبدالله العقيبي والأستاذ عزيز محمد

في حوار المدوّنين سُلّط الضوء على الأثر العميق الذي تركه فيلم (Blade Runner) على السينما في ثمانينات القرن العشرين، كونه تخيّل الإنسان على شكل آلة! وفي هذا السياق استبعد الدكتور عبدالله العقيبي فكرة أن يكون الهدف من الفيلم تصوّر المستقبل أو التفكير فيه، ورأى أن اهتمام العمل بالبُعد الفكري والخطاب الفلسفي قُصد منه تذكير الإنسان بجوهره وحاضره. ومن جانبه ذكر الأستاذ عزيز محمد: 'أن هذا الفيلم فتح لنا نوافذ على المدن المستقبلية، إذ استمدّ إلهامه من الكتابات اليابانية والصينية، ودمجها بالموسيقى العربية والهندية، ما يدلّ على أن مستقبل المدن كما تصوّره الفيلم على الأقل لن يحمل هويّة واحدة بعينها.' وقال عزيز محمد' 'إنه على رغم اعتماد المخرج المحدود على حبكة رواية فيليب ديك الأساسية Do) Androids Dream of Electric Sheep) فإن الفيلم جاء مليئا بالمعاني الفلسفية والمسائل الوجودية مثل الخلود وغريزة السلطة.'


معرض الصور

اشترك في نشرتنا
الإخبارية لتصلك آخر الأخبار


تواصل معنا

Get In Touch

شركاؤنا