من أصول النقد: الزمن في السرد الروائي

فريق المختبر السعودي للنقد

يكاد يتفق نقّاد القصة على أنَّ حجمها يُعدُّ المرجع الأساسي لتحديد نوع الشكل القصصي سواء كان رواية أو قصة قصيرة أو قصة.

أما الرواية فهي تجربة أدبية نثرية تحكي حياة متخيَّلة لمجموعة من الشخصيات، تعيش في عالم خيالي من اختراع الكاتب، لكنه قريب من واقعه في نفس الوقت. أي أنَّ أحداث هذه القصة ممكنة الحدوث والتحقق في واقع الكاتب. والرواية لها زمنها الممتد الافتراضي، وهذا الامتداد الزماني له صلة مباشرة بتصورات الكاتب، وطبيعة الأحداث، وطول الرواية وقصرها. وأحيانا يتجه بعض الكتاب لعرض الحدث الواحد من أكثر من زاوية، راصدين تأثيراته وتداعياته النفسية والفكرية والاجتماعية على الشخصيات، مما يسمح بتمديد الرواية زمنيا لكن بالعَرض، بدلا من التمديد الطولي الذي يعمل على إطالة المدة الزمنية نفسِها التي تغطيها الأحداث. وتُعتبر رواية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم نموذجا للرواية التي اتسعت فيها الفترة الزمنية المصوَّرة مما كان سببا في طول الرواية الواقعة في جزئين.

ومن أجلى نماذج الروايات الممتدة والطويلة زمنيا، ما يُعرف برواية (الأجيال)، مثل ثلاثية نجيب محفوظ التي صورت حياة أسرة أحمد عبد الجواد من خلال ثلاثة أجيال: جيل الأباء في "بين القصرين"، وجيل الأبناء في "قصر الشوق"، وجيل الأحفاد في "السكرية". تروي الثلاثية الشهيرة تلك المراحل الفكرية/الاجتماعية التي مرَّ بها المجتمع المصري من أكثر من منظور.

والنوع الثاني من الرواية الذي يكون سبب طوله راجعا لتعميق عرض القضية المصوَّرة نجده في رواية "إني راحلة" ليوسف السباعي. ونرى في هذا العمل صورة دامية للحب. ومن الأمثلة على هذا النوع أيضا رواية "الرجل الذي فقد ظله" لفتحي غانم، وهي رباعية تقدم حدثا واحدا من خلال مجموعة شخصيات، لكل شخصية من هذه الشخصيات منظوره الخاص الذي يرى من خلاله الحدث، وهذه الرواية أيضا مثال لرواية الأصوات المتعددة. ومن الأمثلة العالمية لهذا اللون الروائي رائعة الكاتب الأمريكي إرنست همنجواي (العجوز والبحر)، وفيها نشهد امتداد الزمن وتوسعه من خلال لحظة واحدة في حياة صياد عجوز قاسي.

أما القصة القصيرة فنصادف في تعريفها بعضا من المشكلات منها ما يتعلق بحدود القِصَر المطلوب وطبيعته، حيث ربطه بعضهم -كالناقد الأرجنتيني المعاصر أندرسون أمبرت- بإمكانية قراءتها في جلسة واحدة، في حين أنَّ زمن القراءة ليس معيارا أو أنه ليس المعيار الوحيد. لكنَّ الأكيد أن القصة القصيرة شكل أدبي يمتاز عن غيره، حدّدَ معالمه بعض كبار الكتاب العالميين (نيقولاي جول-أنطون تشيخوف) والعرب (يوسف إدرييس).

والمقصود أنَّ القصة القصيرة تجربة أدبية نثرية تعبر عن لحظة في حياةِ إنسانٍ ما. ومن هنا تحضر فكرة التركيز والتكثيف في وصف هذه اللحظة الواحدة. وقد تمتد هذه اللحظة لساعات أو أيام أو أسبوع، وربما أكثر من ذلك. والقاصُّ هنا لا يهتم بالتفاصيل، ويتجه لتعميق هذه اللحظة، وتُعرض القصة القصيرة مراعيةً عنصر التركيز مستصحبةً حرارة التعبير لتجاوز إشكالية القصر. ومن هنا أشار بعضهم لصعوبة القصة القصيرة مشبِّها إياها بقصيدة النثر، ففيها من الشعر بعضُ إيقاعهِ، ودقة لغته، لأن تركيبها قد يضطرب بزيادة جملة أو كلمة.

وللقصة القصيرة مكانتها اليوم في الأدب الحديث والمعاصر، لاعتبارات منها ملاءمتها لسرعة العصر، بالإضافة لقدرة هذا اللون النثري/السردي على التعبير بصورة صالحة وصادقة عن لحظات فائتة خاطفة بأسلوب مكثف وفريد. ومن المعروف أنَّ القصة القصيرة جاءت من رحم الواقعية؛ لقربها من الحياة اليومية، وقد تُسمى القصة القصيرة بالأقصوصة.

أما القصة فتقع في منزلةٍ وسطى بين الرواية والقصة والقصيرة. وتحكي عن حدث متوسط الطول، ويُقال إنَّ هذا النوع من القصص قد ظهر في معظم الآداب الأوروبية في القرن التاسع عشر. وقد فضّلَ كثير من الكتّاب المعاصرين أن يكتبوا القصة محدودة الحجم كما فعل فرانز كافكا، وكذلك نجيب محفوظ في بعض أعماله مثل "الكرنك". وثمّة اتجاهٌ عند بعض النقاد يرى أن الرواية والقصة القصيرة هما النوعان الأساسيان، أما الأعمال الأخرى متوسطة الحجم؛ فتُوضع تحت أيٍّ من المصطلحين السابقين حسب طبيعة بنائها الفني.