بلقيس الأنصاري
«هكذا نَمضي، على متنِ مركبٍ يجدِّف عكس التيار الذي يعود ويجرفنا في كل مرَّة إلى غياهب الماضي[1]».
- ف. سكوت فيتزجيرالد

لطالما غذَّى الأدب فن السينما بآثارٍ لا تُنسى، واحدة منها تلك التي نُشِرت عام 1925، بمباركةٍ من المحرِّر والناشر والناقد ماكسويل بيركنز. الرجل الذي قرأ أوَّلاً مسودة ف. سكوت فيتزجيرالد، وقال: «أجل، العالم بحاجة للشعراء. يا إلهي، لينشر أحدكم كتب هذا الوغد؛ لأن العالم بحاجة للشعراء».
في تاريخها المُمتد لاقتباس السينما من الأدب، حاولت هوليوود مقاربة ملحمة القرن العشرين؛ بتحويل الشخصية الأدبية المُبهمة التي لا تنجح غالبًا في السينما - بشكلٍ يليق بها - إلى شخصية سينمائية. بدايةً بالفيلم الأول الصامت الذي صدر عام 1926 للمخرج هربرت برنون، والذي يُعتقد بأنه فُقد شأن بعض أفلام تلك الحقبة. ثمّ فيلم 1949 للمخرج إليوت نغنت. وصولا لفيلم 1974 للمخرج جاك كلايتون وسيناريو المخرج فرانسيس فورد كوبولا، بعد استبعاد الأديب الأميركي ترومان كابوت. والفيلم التلفزيوني 2000. وصولاً إلى فيلم 2013 للمخرج باز لورمان، بميزانية ضخمة قُدِّرت بـ150 مليون دولار.
حيث أقامت شركة الإنتاج الأميركية العريقة «Warner Bros» في ليلةٍ ماطرة، على أنغام موسيقى «جاي زي»، سهرة باذخة - مسبوقة بحملة ترويجية كبرى -، بحضور أميركي بارز، شمل عددا من النجوم والأسماء في عالم الاقتصاد والثقافة، من المخرج ستيفن سبيلبرغ - رئيس لجنة التحكيم - إلى نجمة العصر الذهبي لهوليوود كيم نوفاك، التي عادت إلى مهرجان كان منذ عام 1955؛ احتفاءً بالعرض الأول لفيلم افتتاح الدورة الـ66 لمهرجان كان السينمائي الدولي: «غاتسبي العظيم».

رواية ذات قيمة فكريَّة عالية عُدَّت جوهرة لامعة في سماءِ الأدب الأميركي الكلاسيكي؛ أرَّخت لعصر الجاز - بحسب تعبير فيتزجيرالد نفسه -، وللجيل الأميركي الضائع - بحسب تعبير رفيق دربه إرنست هيمنغواي -، تناولت في نثرٍ شِعريّ التحولات الكبرى في التاريخ الأميركي إبَّان بدايات الكساد الكبير[2]، وصدمة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وانطلاق العصر الذهبي لموسيقى الجاز، وتعامل الأسواق المالية في بورصة «وول ستريت»، وظاهرة طبقة الأثرياء الجُدد الـ«نوفو ريتش»، ومدينة نيويورك بكل ما فيها من إبهامٍ وجمَال؛ بتنوعها العِرقي وطابعها المغامر والإشباع الذي يمنحه بريق الرجال والنساء والآلات للعينِ القلقة. ولا شك أنّ الحفلات التي كانت تُقام على شاطئ «لونغ آيلاند» الشمالي، التي يُدعى إليها فيتزجيرالد، في قصر «بيكون تاورز» هي مَن ألهمته لكتابة الرواية. بجانب تغيّر ظروف الحياة المُرفَّهة التي كان يعيشها وبدئه العمل ككاتب سيناريوهات في هوليوود، وأثر كل ذلك على زوجته الكاتبة «زيلدا» التي كانت في طريقها إلى المصحَّات العقلية.
- [1] النصّ الذي ختم رواية «غاتسبي العظيم» للكاتب ف.سكوت فيتزجيرالد.
- [2] الفترة الكبرى للتدهور الاقتصادي الأميركي؛ بسبب انهيار أسهم «وول ستريت»، والتي امتدت إلى عام 1939.