محمد الأحمدي
لمّا انتهيت من قراءة (الحَالة الحَرِجَة لِلمَدعوُ "ك") كانت ردة فعلي الأولى الامتعاض من بطلها، والغضب من طريقة تعامله مع عائلته، والأطباء، وزملائه في العمل، وتقريبًا كل شخصية تقاطعت معه في الرواية. جعلني امتعاضي هذا لا أتعاطف معه رغم إصابته باللوكيميا (سرطان الدم)، بل استمر فتور مشاعري تجاهه بعد إصابته بسرطان في الكبد كاد يقضي عليه.
أعزو مشاعري الغامرة إلى شخصية البطل العدائية، ولا مبالاته، وطبيعته التي تفترض أسوأ الاحتمالات، ونواياه الغريبة تجاه أي نظرة عابرة أو إيماءة أو فعل، ثم تضخيمها وتفسير معناها بالسوء دون دليل، وبغض النظر عن هوية الفاعل.
استهلكني امتعاضي هذا؛ فهل من المعقول ألا أجد في نفسي ذرة تعاطف مع شخصٍ مصاب بسرطانين؟
لذا قررت إعادة القراءة، وغايتي إعادة التأمل في هذه الشخصية، فإما تعاطف -أو تفهم على الأقل- وإما فتور قاطع.
بطل مفضوح
تُروى أحداث الحالة الحرجة من عيون بطلها، ويستخدم كاتبها أسلوب الراوي المتكلم، ومن أهم مزايا سرد الروايات بهذه الطريقة تقريب القارئ من الراوي، فيجد نفسه -لا شعوريًا- متأثرًا بمشاعرها. ولزيادة الشفافية في الحالة الحرجة؛ فنحن نقرأ «مذكرات» البطل، والمكتوب أفكاره كما دونها لنفسه.
في القراءة الثانية استوعبت تشابه بطل الحالة الحرجة مع شخصيةٍ أخرى كثيرة التشكّي سيئة الظن؛ (هولدن كولفيلد) بطل (الحارس في حقل الشوفان)، الذي رأى معظم شخصيات الرواية بنفس النظرة المشككة، ولكنَّ ظرافة نظرة المراهق -الذي لم يتجاوز السادسة عشرة عامًا- مفقودة عند بطل الحالة الحرجة الذي تجاوز الخامسة والعشرين.
ليس عندي تحفظٌ على الشخصيات الشريرة أو «الكريهة» عمومًا، بل إنني مثل كثيرٍ من القراء أجد نفسي في الشخصيات المليئة بالعيوب أكثر من تلك الفاضلة، لذلك انزعاجي من بطل الحالة الحرجة لم يصدر عن معارضة أخلاقية.
سرطان
قد تجعلك كثرة شكاوي بطل الحالة الحرجة تعتقد أنه مستهدف من الجميع، ولكننا نقرأ مشاهد في مذكراته تثبت أنه هو من نصب العداء للكون كله.
بدءًا بجفاء أخيه الذي حاول مساعدته أكثر من مرة، وإغاظته المتعمدة لكل من يزوره، خاصة رفاقه في العمل، حيث قال بعد أن أفسد زيارتهم له: "وإن كنت لا أملك العذر للامتناع عن استقبال أحدهم، فقد كنت أملك المبررات لاستقبالهم باكفهرار". وخاتمة الضحايا شركته؛ فقبل استقالته منها، حمّل فايروسًا إلى نظامها؛ لأنه أراد أن يعرف إلى أي حدٍ يمكن أن يُعذر مريضٌ بالسرطان.
أكتب هذا مدركًا غرابة تعليقي على مصابٍ بالسرطان، لكن المزيج العجيب والمستفِز لشخصية مصابة بسرطانٍ في خلاياها، وسرطانٍ في شخصيتها وضعني في هذا المكان.