تمثلات الخطاب الإشهاري لغلاف رواية (سيدات القمر) في النسخ العربية والمترجمة

د. حصة المفرح

يشكل الخطاب الإشهاري خطابًا تواصليًا لم يعد مرتبطًا بالاقتصاد، والتسويق فحسب، وإنما يمتد أثره إلى الكتب؛ إذ يشير (بوتور ) إلى أن "قصة الكتاب المطبوع قد تطورت إلى شكل من الاقتصاد الاستهلاكي"[1] ويمثل غلاف الكتاب بنية إشهارية كتابية وبصرية، كما تتأثر ترجمته بعوامل كثيرة؛ تجعله هدفًا ملائمًا لدراسة خطاب الإشهار قبل الترجمة وبعدها.

وتنطلق المقالة من هذه الإشكالية؛ لتختبرها في غلاف رواية (سيدات القمر) للعمانية جوخة الحارثي[2]، التي صدرت نسختها العربية في طبعتين، كما حظيت باهتمام عالمي؛ إذ تعددت ترجماتها، وتوسعت دائرة انتشارها باختلاف المرجعيات اللغوية والثقافية، وتنوع العناصر الإشهارية في الغلاف؛ فالترجمة تصنع أفقًا مختلفًا لصياغة الخطاب الإشهاري، ومن ثم تلقيه. وقد حصدت إحدى ترجماتها (الترجمة الإنجليزية) جائزة مان بوكر لعام 2019؛ لذا سنقف على أغلفتها في محيط النشر العربي، ثم ننتقل إلى عدد من أغلفة ترجماتها: الإنجليزية، اليونانية، الرومانية، الإيطالية، الهندية، الفارسية، الفرنسية.

إذا كان الخطاب في دلالته اللغوية يحيل على التفاعل؛ فالخطاب والمخاطبة: مراجعة الكلام[3] فإنه يتخذ الصفة نفسها اصطلاحيًا، وإن تعددت اتجاهاته بحسب السياقات البحثية والنقدية التي توظفه؛ فهو عند (لويس): النصوص الاتصالية التي يفهم المتلقي معانيها، ثم يتفاعل معها بالقبول أو الرفض[4].

هذا البعد للخطاب، يجعله يتجانس مع المكون الآخر لمصطلح (الخطاب الإشهاري)؛ إذ يفترض الإشهار توجهه إلى مستهلك، يتفاعل معه أيضًا، وهو نسق تواصلي، وصناعة ثقافية؛ الغاية منها نشر ثقافة ما بين الجمهور[5].

وغلاف الكتاب المطبوع بوصفه نظامًا من العلامات اللغوية، والأيقونية (الصورة) في الوقت نفسه= يتجانس مع الإشهار؛ إذ يقوم في غلافي الكتاب (الأمامي والخلفي) على الجانبين، كما يستفيد من بُعد العلامات الثقافي؛ إذ يرى (إيكو) أنها لا تمتلك خصائص الشيء الذي تمثله، وإنما تعيد إنتاجها بناء على ما يستمد من خبرة سابقة[6]، وهذه الخبرة السابقة تمكننا من تأويلها وفق انتمائها لهذه الدائرة الثقافية أو تلك[7]. واستمالة المتلقي في كل ثقافة له خصوصيته، فمع وجود الخصائص الفردية؛ فإن الرسالة الإشهارية لا تستهدف فردًا بعينه، وإنما جماعة تمتلك مقومات انفعالية مشتركة تحدد علاقتها بالآخر، وحدود معرفتها به، وما تكون عندها من صورة نمطية، وما تريد أن تتعرف عليه خارج هذه الصورة؛ مما يحتم اختلاف مظلة التلقي.

وأغلفة الكتب واجهة أولى في التفاعل مع القراء والجمهور عامة، وتتوفر فيها جلُّ شروط الوصلات الإشهارية الحديثة؛ إذ إن المُنْتَج (العمل الأدبي بوصفه كتابًا لا نصًا فحسب) والمستهلك (المتلقي، وقد يكون عامًا ينجذب إلى الغلاف دون أن يقرأ الكتاب، أو خاصًا، يعزز التلقي الأولي بآخر عند قراءة النص) وصاحب الإشهار (الكاتب، والناشر) فكلاهما يتدخلان في الغلاف، وتصميمه، ومحتوياته. كما لا تخلو الإرساليات الإشهارية على اختلافها من الصورة غالبًا.

وإذا كان الإشهار يسعى إلى تحويل المتلقي المستهلك إلى المنتج الذي يسعى إلى إشباع معرفي يتجاوز حدود قراءة النص الأدبي الماثل في ثقافته الأصلية إلى نصوص في ثقافات أخرى؛ فإن الترجمة تصنع أفقًا مختلفًا لصياغة الخطاب الإشهاري وتلقيه، ثم إن الترجمة قد تخضع لمؤشرات غير أدبية تحكمها سياسات معينة، ليست الجودة منها؛ فهناك مناسبة الذوق، أو تحقيق غايات معينة، أو طريقة فهم مختلفة لهذه الكتب. كما أن ترجمة الأعمال الأدبية مؤشر على أهميتها واتساع مقروئيتها؛ مما يعزز خطابها الإشهاري أيضًا.

ولما كانت الكتب الإبداعية تختلف عن الكتب العلمية في أصل تكوينها وتأليفها، وفي موضوعاتها ومدى انضباطها وفق معايير معينة، أو تحررها من هذه المعايير؛ فإن الترجمة لا تخضع للشروط نفسها في الحالتين، كما أن النصوص الإبداعية هي حديث الذات التي تغدو متحولة في النص المترجم، وتتقنع بذات أخرى لا تضمن الحيادية التامة كما في الترجمة العلمية، وترتبط بقضايا ذات علاقة بالأدب نفسه مثل: ماهية الأدب، وفهمه، وآليات توظيفه[8] إضافة إلى ارتباطها بهوية المبدع وثقافته وبيئته.


  • [1] بوتور، ميشيل. بحوث في الرواية الجديدة، ترجمة: فؤاد أنطونيوس، بيروت: مكتبة الفكر الجامعي، د.ت. ص 112.
  • [2] الحارثي، جوخة. سيدات القمر، بيروت: دار الآداب، ط 2010، ط2019.
  • [3] ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، 1997(خ ط ب).
  • [4] لويس، روبرت. خصوصيات الخطاب في خدمات الاتصال، ترجمة: ترماري يعقوب، بيروت: المركز الثقافي الفرنسي، 1990، ص13.
  • [5] فيكتروف، دافيد. الإشهار والصورة، ترجمة: سعيد بنكراد، الجزائر: منشورات الاختلاف، 2015، ص19.
  • [6] إيكو، إمبرتو. سيميائيات الأنساق البصرية، ترجمة: محمد التهامي ومحمد أودادا، دمشق: دار الحوار، 2008. ص33، ص37.
  • [7] بنكراد، سعيد. السيميائيات والتأويل: مدخل لسيميائيات ش.س بورس، بيروت: المركز الثقافي العربي، 2005، ص118، 119.
  • [8] بعلي، حفناوي. الترجمة الأدبية-الخطاب المهاجر ومخاطبة الآخر، عمان: دروب للنشر والتوزيع، 2016، ص8.

وتسهم الترجمة في انتشار العمل الأدبي ومعه مؤلفه، للوصول إلى فضاءات قريبة وبعيدة، كان من الصعب الوصول إليها؛ بسبب البعد الجغرافي، أو الاختلاف الثقافي، أو عوامل أخرى تتعلق بالنظرة إلى الآخر، ومدى حضوره أو غيابه عن المشهد الثقافي والفكري والتأليفي العام. وهنا يتجاوز الإشهار في رواية (سيدات القمر) بعده المحلي(عمان) والإقليمي (الخليج والعالم العربي) إلى بعد أوسع، ويتحول إلى إشهار دولي كما في الترجمة للغات ذات حضور عالمي: الإنجليزية أو الفرنسية، أو في تعدد الترجمات نفسها التي بلغت خمسًا وعشرين ترجمة للغات أخرى ذات حضور متفاوت، لكنه ألصق ببيئاتها الجغرافية، والثقافية. ولا نعدم وجود ما يؤكد خصوصية الانتماء كما يرد في (الترجمة الفرنسية) "رواية مترجمة من العربية، عُمان".

ولأن "الشكل الطباعي للخطاب الإشهاري ليس بريئًا وليست له علاقة اعتباطية بدوال الخطاب ومتوالياته، بل هو عمل مدروس معلل"[9] فإن التشكيل باتجاه الخط يبدو متباينًا بين اللغات المترجمة للرواية؛ إذ تعتمد الكتابة العربية نمطًا شكليًا يبدأ من اليمين إلى اليسار، وتشترك معها اللغة الفارسية في الترجمة الإيرانية، خلافًا للترجمات الأخرى التي تتبنى العكس، كما أن اتصال الحروف في اللغتين؛ يكسبها بعدًا تشكيليًا مختلفًا، يتبعها طريقة مختلفة في القراءة البصرية.

أما الإشهار غير المباشر، فيتمثل في تنوع مكونات الخطاب الإشهاري لاحقًا، كما في وضع قائمة بأعمال الأديب أو المترجم؛ فالأعمال المترجمة خاصة مؤشر على اتساع مقروئية الكتاب بما يعزز إشهاريته هنا، أو تسليط الضوء على (المنتج الأدبي) الكتاب المترجم وما يحتويه، ومواصفاته الفنية ومضامينه.

ويدخل في هذا الإشهار، استعراض الجوائز الأدبية التي حصل عليها المؤلف عامة، أو على العمل الأدبي نفسه خاصة، أو تضمين الغلاف مقاطع حوارية تحمل مؤشرات إشهارية عن الأديب وإصداراته، أو اقتطاع أجزاء من دراسات نقدية سابقة سواء نشرت في كتب أو مقالات؛ فهذه الطرائق تحقق وظيفة إشهارية ترويجية تتعلق بمكانة المؤلف، أو مكانة الكتاب المترجم، والأهمية التي توليها المؤسسات الثقافية لهما؛ معتمدة على البنية الإقناعية باستثمار وسائل تؤثر في المتلقي، وقد تعدل ميوله، وتزيد دافعيته للإقبال على العمل الأدبي.

ويشكل العنوان العتبة الأولى التي يمكن استقبالها على مستوى غلاف الكتاب؛ مما يجعله هدفًا مباشرًا للإشهار، ولأن هذا العنوان (سيدات القمر) يحمل بعدًا دلاليًا عامًا لا يربطه رابط محدد بالثقافة العربية كأن يشير إلى اسم عربي مثلًا، أو مكان، أو زمان، أو ملامح أخرى من الثقافة نفسها؛ سيفترض القارئ أنه يمكن أن يكون عنوانًا لأي رواية تكتب بأي لغة. ومع حمولاته النصية الدلالية المرتبطة بالنص الأصلي-وهو بعد مهم يرسخ علاقة العنوان بالمتن-إلا أن النظر في أبعاد هذه العنونة الاجتماعية، والرمزية، والثقافية في أصلها العربي، ثم انعكاساتها في الثقافات الأخرى للغات المترجمة، يمكن أن يضع أيدينا على مؤشرات مهمة تكتنف هذين المكونين للعنوان (سيدات-القمر).

فالعنوان مركب إضافي من اسمين: نكرة، ومعرفة، وإن كانت الإضافة عادة تقتضي أن يكتسب الاسم النكرة التعريف، أو التخصيص، أو التحديد من الاسم المعرفة فإن (القمر) في العنوان يتجاوز هذه الوظيفة المباشرة إلى أبعاد إيحائية ترتبط برمزية القمر في الثقافة العربية التي تحتضن النص الأصل، كما قد تغدو هذه الرمزية متغيرة باختلاف الثقافات في النسخ المترجمة أيضًا. ولم يتغير الحال عند ترجمتها إلى أكثر من لغة؛ إذ ظل العنوان محتفظًا ببعده الدلالي، وارتباطه بالمتن في سائر هذه الترجمات، ولم نلحظ تغييرًا يذكر سوى ما يتعلق بنمط التركيب العائد إلى طبيعة الكتابة في اللغة المترجم إليها، مع ثبات دلالة (سيدات) الجمع الدال على المرأة في الثقافات كلها، واحتمالية وجود فروق دقيقة بين ألفاظ مثل: نساء (الترجمة الهندية) و(الترجمة الفارسية)، بنات في (الترجمة اليونانية) عشيقات في (الترجمة الرومانية).

ونلحظ أن هذا العنوان (سيدات القمر) حافظ على درجة من الثبات في معظم الترجمات؛ مؤكدًا حضور السيدات أولًا، وهو بعد مباشر ركز عليه متن الرواية، وحضور القمر، وهو بعد مجازي لا نعدام صلته بالعالم الإنساني أيضًا. إلا أننا نلمح في النسخة الإنجليزية تحولًا لمسار البطولة من السيدات إلى القمر في ترجمته بـ(أجرام سماوية) وترد عتبة أخرى في الغلاف الخلفي تربط بين العنوانين "من بين الأجرام السماوية القمر هو الأقرب إلى العالم السفلي". ولعل هذه الأجرام التي بدت في العنوان الجديد كشفت عن رمزيتها المرتبطة بهؤلاء السيدات، بينما يمثل (عبد الله) الرجل القمر الذي تدور حوله معظم الحكايات؛ فهذه العوالم الكونية تأخذ بعدًا مختلفًا يبرز إيحائية العنوان، ودلالته الرمزية على الإنسان (الرجل والمرأة) والعلاقة بينهما. والقمر وربطه بالمرأة بما يحمله من جمالية في الذهن الاجتماعي العربي، واستبداله بالأجرام التي وضعت العنوان في أفق أوسع، قد يكون ممثلًا لقراءة جديدة للنص ارتآها مترجمه وناشره غير العربي. وتشترك الترجمة الفرنسية مع الإنجليزية في هذا التحول للعنوان؛ إذ يترجم (أجرام سماوية) كذلك. ومثل هذا التحول، يمكن أن يشير إلى نموذج مختلف للعلامة يطلق عليه بيرس (العلامة المفسِرة) التي تفسر (العلامة المفسَرة) أي تترجمها لعلامة أكثر وضوحًا، في اللغة نفسها أو في لغة أخرى، أو تعيد ما شفر كتابيًا إلى نوع آخر من الشفرة الكتابية[10].


  • [10] العبد اللطيف، محمد، دراسات اللغة ودراسات الترجمة، علامات، مج12، ع48.ص 694ص 695.

وتبدو معظم العتبات اللغوية ثابتة عند ترجمة الغلاف؛ إذ يطولها التحول اللغوي فحسب، ومع ثباتها فإنها تعضد بعتبات الترجمة؛ فتأخذ بعدًا دلاليًا ووظيفيًا جديدًا. ومن العتبات الثابتة بلا شك (اسم المؤلف) الذي يثبت ملكية المؤلف لنصه وكتابه رغم اختلاف ترجماته، ودخول اسم جديد (اسم المترجم) ليشارك في كتابة النص؛ إذ يُذكر اسم المترجم على الغلاف في بعض الترجمات، بينما يُؤجل حضوره إلى صفحات تالية في ترجمات أخرى، وتزداد أهميته إذا كان المترجم ينتمي إلى الثقافة المترجمة لا الثقافة الأصلية (العربية)؛ فالذات حين تترجم نفسها تنتقي ما يحقق أهدافها، وكذلك الآخر حين يترجم غيره يذهب إلى أهداف أخرى، ولا يمكن إغفال تأثير العامل الفردي (الشخصية المترجمة) نفسها. والملاحظ أن أغلفة النسخ المترجمة حضر فيها اسم المترجم عدا ثلاث ترجمات: الهندية، والرومانية، والإيطالية.

ومن العتبات الجديدة، اسم المؤسسة الناشرة للعمل المترجم، وهذه العتبة ذات وظيفة تجارية ترويجية إشهارية، لا سيما إذا كانت من المؤسسات ذات المكانة المتميزة. وتتطلب هذه العتبة إلحاق معلومات جديدة بها طالما تغيرت جهة النشر؛ إذ تضمن حقوق النشر الجديدة، وبيانات فهرسة المكتبة، ومكان النشر. وتحضر هذه العتبة على غلاف الترجمات: الفارسية، الإنجليزية، الفرنسية، الرومانية، اليونانية، الإيطالية، بينما لا نجدها في الترجمة الهندية.

ويرتبط الإشهار في جانب منه بالتشويق ولعبة اكتشاف الآخر، وهو جانب يرتبط بالترجمة، وبفعل الاستشراق الذي يؤكد فيه إدوارد سعيد على اهتمام المستشرقين باستكشاف الشرق الذي مازال في نظرهم عالمًا غريبًا يحتاج إلى مزيد من الكشف[11] وهذا الكشف عن العالم الغامض الغريب نجد صداه في عتبة سطرها المسؤولون عن جائزة البوكر التي مُنحت للرواية، ووضعت على الترجمة الإنجليزية "متخيَّل ثري، رواية جاذبة في مجتمع يمر بمرحلة انتقالية وفي حياة غامضة وخفية" واقتباس آخر عن الرواية منقول عن مجلة wall Street في الترجمة الرومانية "رائعة وكاشفة".

وتغدو العتبة التي تشير إلى فوز الرواية في ترجمتها الإنجليزية بجائزة البوكر شعارًا جاذبًا، وملخِّصًا لقيم العلامة التجارية التسويقية ورسالتها؛ فالفوز بجائزة مرموقة عالميًا يؤكد مكانة الرواية، وهو بُعد إشهاري لا يمكن إنكاره، وهذا الشعار كما لاحظنا يتكرر في الطبعات المترجمة؛ ليجيب عن أحد أسئلة الترجمة: لماذا تُرجمت هذه الرواية تحديدًا؟ وبلغت هذا العدد من الترجمات في خمس وعشرين ترجمة؟

تتميز الصورة سواء أكانت لوحة للغلاف، أم صورة شخصية للمؤلف، بطابعها الإشهاري، وهي كما ترى (كريستيفا): "يمكن أن تخضع للتحليل والقراءة النقدية"[12] وركزت جماعة مو البلجيكية (mu groupe) على دورها في تحديد مضمون الرسالة البصرية لا على بعدها التزييني فحسب[13].

ومع أن الصورة الإشهارية تحتمل تأويلات كثيرة حين تخلو من المكتوب، إلا أن استعانتها بالمكتوب يحصر هذه التأويلات في مسارات؛ فالأولى تفقد مزيتها في التدليل لا الدلالة، وبينهما فرق؛ فالدلالة تحدد هوية مدلول موجَّه يحيل على عالم في الوجود؛ مما يشير إلى حالة من التطابق بين اللفظ والدلالات القريبة له في الذاكرة، أما التدليل فنظام للمعنى، وهو لعبة دوال تسعى إلى التخلص من مدلولات محددة فيكون منطق التأويل منسجمًا مع ألفاظ العنوان، والإشارات الأخرى على الغلاف، وهو ما نلحظه في صور أغلفة الرواية باختلاف نسخها العربية والمترجمة. ومع ثبات عتبات الغلاف المكتوبة عند الترجمة على الأغلب كما أسلفنا؛ فالمعول عليه هنا سيكون هذه الصورة المتغيرة.

وقد تكون الصورة الإشهارية وسيلة لجذب المتلقي، ثم دفعه إلى البحث عن دلالاتها، مع ما تثيره بعض الصور من خصوصية تتعلق بالإغراء، أو الإيحاء، أو الإثارة لاسيما حين ترتبط بالمرأة، وهو بعد سنركز عليه في قراءة الصورة على أغلفة الرواية المختلفة.

ومع ما تحمله الصورة الإشهارية من جوانب جمالية جاذبة للمتلقي فإن"ما يهم في المقام الأول ليس الجانب الجمالي في الدال الأيقوني الحامل للرسالة الإشهارية، بل قدرته، انطلاقًا من حالة ثقافية (حالة نفسية) خاصة الشريحة-الهدف، على الوصول إلى الدفع بهذه الشريحة إلى شراء منتوج ما"[14] إلا أنه لا يمكن استبعاد هذه الجماليات في التأثير على المتلقي؛ مما يدفعه إلى تأمل التفاصيل، وانسجام الألوان، والاستمتاع بمحتويات الصورة كما يشير (أومون) في تركيزه على المتعة المنبعثة من تأملها[15]. ويتحول اللون بوصفه علامة بصرية إلى أيقونة وفقًا للمنظور السيميائي، وتأتي أهميته من ارتباطه مباشرة بحاسة البصر التي تمثل مركز اهتمام صاحب الإشهار (المؤلف والناشر) واهتمام المتلقي، كما أنه يرتبط بجملة مدلولات، ومنظومة من الخبرات الثقافية التي تخزنها ذاكرة المرسل والمستقبل، ويستدعيانها عند الإرسال والتأويل.

وتنتمي صورة الغلاف الفنية (اللوحة التشكيلية) إلى بعد واقعي يحيل على الرواية من جهة، وإلى الكائن الإنساني (السيدة) التي تحضر فيها، ويحكي عنها المتن لاحقًا من جهة ثانية. ويختلف العدد من ترجمة لأخرى؛ فمن سيدة واحدة في نسخة عربية والترجمات: الرومانية، الهندية، إلى سيدتين في الترجمة الإيطالية، وثلاث سيدات تجانسًا مع من تُروى حكاياتهن في المتن في النسخة العربية الأخرى، والترجمة الفارسية، وإلى أكثر من ثلاث في الترجمة الفرنسية، وكأن حكايات السيدات الثلاث صورة مصغرة لحكايات سيدات المجتمع الأخريات. وإذا كان النص يتحدث عن سيدات في مراحل عمرية مختلفة، فإن صورة الغلاف في النسخ العربية والمترجمة تذهب إلى مرحلة الشباب، فقد حول التشكيل البصري للغلاف الانتباه من هذه المراحل إلى مرحلة بعينها؛ لأهميتها، وتداعياتها في أحداث السرد المترتبة عليها، ولتحقيق عامل الجذب فيها أيضًا؛ فالثقافات بلا استثناء تجد في المرأة الشابة استثناء، وتعتمد عليها في الخطاب الإشهاري باختلاف أنواعه.


  • [11] سعيد، إدوارد. الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: محمد عناني، القاهرة: رؤية للنشر، د.ت.، ص432.
  • [12] كريستيفا، جوليا، اللغة المرئية: التصوير، ترجمة: بنيوس عميروش، مجلة نوافذ، ع7، 1999، ص99.
  • [13] بو طيب، عبد العالي. آليات الخطاب الإشهاري، علامات، ج49، م13، سبتمبر 2003، ص314، 315.
  • [14] بنكراد، سعيد، بعضٌ من بارت، علامات، ع44، 2015، ص6.
  • [15] بنكراد، سعيد. الإرسالية الإشهارية: التوليد والتأويل، علامات، ع5، 1996، ص2.
  • [16] أومون، جاك. الصورة، ترجمة: ريتا الخوري، بيروت: مكتبة الفكر الجديد، 2013، ص281.

ولما كان محتوى النص يحيل على تجارب السيدات؛ فإن غلافي النسختين العربيتين يركزان على المرأة، لكنها في الغلاف الأول تعتمد تشكيًلا جزئيًا لا يُظهر سوى اليد وجزء من الجسد، واللباس التقليدي، ولا تكاد تتضح المعالم الأخرى، بينما يميل الغلاف الثاني إلى تمثيل للبيئة أكثر باستحضار طبيعتها، وحضور أشجار النخيل فيها، وتكون المرأة في جزء منها، وفي لقطة من الخلف لا تظهر إلا بعض تفاصيل اللباس التقليدي، وفي الحالتين؛ فإن التركيز على الزي العماني التقليدي يغدو معبرًا عن خصوصية النص نفسه، والتأكيد على انتمائه لهذه الثقافة، كما يتجانس مع حضور السيدات في العنوان والمتن، وتبدو الصورة ناقصة فيهما؛ مما يحيل على تغييب المرأة على المستوى الاجتماعي كما ورد في الرواية.

وفي النسخة المترجمة للإنجليزية، تحضر صورة ثلاث نساء في اللوحة بجسد إنساني كامل وبلقطة من الخلف، وبلباس تقليدي يغطي الرأس والجسد، مع اختلاف لونه من واحدة لأخرى بما يشبه تنوع تجاربهن في النص، ومع حركة المشي إلى الأمام والإشارة للقمر، تبدو حركة التحرر التي قادتها ثلاث شقيقات (ميا، خولة، أسماء) على الغلاف، مع فشلهن في تحقيق ذلك على مستوى النص.

ويعكس الغلاف الأمامي للترجمة الرومانية السيدة وهي تنظر إلى الأمام كأنها أمام عدسة كاميرا تلتقط صورة لها، مع محاولة حجب جزء من الوجه بما يشبه اللثام، والصورة في لونين: الأبيض والأسود؛ لتتجانس مع الآفاق الجمالية التي تخرج عن تسجيل الواقع بألوانه الطبيعية إلى اتجاه آخر لا يُعنى باللون وتنوعاته، وإنما بتجسيد الأبعاد الفنية من خطوط، وظلال، وأشكال داخل اللوحة، وعلى مستوى تصميم الغلاف، ولا يخرج عن هذين اللونين سوى عنوان الرواية المكتوب باللون البرتقالي.

ويظهِر تصميم الغلاف السيدة بحجم يضاهي حضورها داخل السرد، كما أن التشكيل البصري مفتوح لا يحدُّهُ إطار؛ إذ تكتسح الصورة الغلاف الأمامي لتبدو أكثر بروزًا، ولا نتبين عناصر كثيرة أخرى تنافسها في الحضور بصريًا. وتتخذ معظم الأغلفة نمطًا في تصميمها، يعتمد لوحة غير مؤطرة؛ مما يفسح المجال لامتداد بصري يقابله امتداد لغوي على مستوى السرد،

ومع التنوع في حضور الصورة على الأغلفة العربية أو المترجمة، وما طالها من تغييرات في كل مرة إلا أنها تتجانس مع العنوان وتعيِّنُ مكونه الأهم (السيدات)، كما تشير إلى الخصوصية الثقافية المحلية (العمانية) والخليجية ثم العربية، وأفق انتظار المتلقي في كل ثقافة أخرى مترجمة سيتمثل هذه الخصوصية، ويدرك معها الانفتاح على البعد الثقافي العربي؛ حيث التشديد على اللباس بخصوصيته الشكلية، وألوانه، وكيفية ارتدائه، وما يحيل إليه من طقوس ثقافية داخل النص نفسه، وهو ما تتفق عليه الأغلفة كلها عدا غلاف الترجمة الفارسية الذي يُظهر سيدات الغلاف في نمط مختلف أقرب إلى البيئات المنفتحة؛ فبينما تتفق الصور ولوحات أغلفة الترجمات على نقل صورة السيدات بحجاب كامل أو جزئي، نجد الترجمة الفارسية تتجاوز ذلك إلى ظهور ثلاث سيدات تنكشف شعورهن في لقطة من الخلف، فالإشهار لم ينشُد التطابق مع الثقافة المترجَم إليها التي يغلب على مجتمعاتها ارتداء الحجاب بل التشدد في نزعه، والإجبار على ارتدائه أحيانًا؛ التزامًا بقيم دينية، وأخرى اجتماعية متعارف عليها. وقد يكون ذلك عنصرًا إشهاريًا مهمًا يستهدف لفت النظر، وإثارة الفضول لدى المتلقين، لا سيما أن الرواية منقولة من ثقافة أخرى، وللحجاب حضوره فيها؛ بحكم وجود الأغلبية المسلمة فيه، وكثرة أعداد المحجبات لا سيما في منطقة الخليج العربي.

وبينما ركزت أغلفة الرواية المترجمة على تشكيل يتجانس مع محلية هذا العمل وخصوصيته الثقافية، خرج غلاف الترجمة الفارسية إلى بعد مختلف حيث يُظهر في مكونات الغلاف الصورية إنسانًا وبيئة محيطة؛ إذ تنتقي فضاء مفتوحًا هو البحر، وإن كان البحر معلمًا طبيعيًا موجودًا في البيئة العمانية، لكنه يخالف ما ورد في السرد من تخصيص للمكان من جهة، وما ظهر على أغلفة الرواية الأخرى في النسخ العربية أو المترجمة، التي ركزت على العوالم الطبيعية الأخرى مثل: النخيل، والبيئة الجبلية، والطرق الصحراوية الممتدة.

ولا نكاد نتبين شكلًا واضحًا للسيدات على غلاف الترجمة الإيطالية؛ الذي يدخل فيه عنصر الزخرفة بالاعتماد على الخطوط، والأشكال الملونة والمتكررة طوليًا التي تأخذ شكلًا حركيًا متموجًا، وهي أشبه ما تكون بحركة الأحداث داخل السرد؛ وتناوب قص حكايات السيدات، وما تكتنفها من عوائق وصراعات.

وتظهر المرأة على هذه الأغلفة في هيئات متنوعة، كما تخضع حركتها للتنوع أيضًا؛ فتبدو في وضع حركي دال على التجوال، والانتقال من مكان إلى آخر في بعض الأغلفة، وقد تبدو واقفة أو جالسة، وهذه الأوضاع الجسدية والحركية المتباينة ترصد الحركات المتباينة للأحداث السردية المتعلقة بها من جهة، ومنظور الثقافة المستقبلة للمرأة من جهة ثانية؛ ما إذا كانت فاعلة أو مستسلمة، تواقة للبحث عن الحرية، أو خاضعة لإكراهات المجتمع المحلي. واللقطة من الخلف، هو نمط اشتركت فيه معظم الأغلفة، عدا غلاف الترجمة الرومانية الذي أظهر الجانب الأمامي، وكشف عن أكبر جزء من وجه سيدة وحيدة على تصميم الغلاف، فلا حضور للجسد بأجزائه الأخرى فيه؛ مما يعكس الجسد الأنثوي وجمالية التخفي في هذه الأغلفة في: صورة الجسد الناقصة، الرؤية الخلفية، الجسد المغيب؛ حيث لا نتبين ملامح الوجه أو الجسد بوضوح، وتبقى تفاصيل الجسد متوارية خلف ذلك اللباس التقليدي.

وركزت ترجمة واحدة (الترجمة اليونانية) على المكون الآخر(القمر) إذ يحتوي اللون البني بتدرجاته مع اللون الأًصفر، بوصفهما لونين مهيمنين على اللوحة، بل وتصميم الغلاف؛ مما يسمح بملاحظة تمركزهما ضمن عالمين: عالم معتم بلون غامق كئيب، اللون البني الداكن يوحي بالسطحية والتشبث، بينما يبدو اللون الأصفر الضوء المنبعث من القمر عبر ما يشبه النافذة أو إطار الصورة.

وبعد؛ فإن ترجمة الغلاف لا تقل أهمية عن ترجمة المتن؛ لتضمنه أهم العناصر الإشهارية بتنوع ترجماته، واتفاقها أو اختلافها، وتأثيرها في المتلقين انطلاقًا من تباين الثقافات، أو تقاطعها الإنساني، والتأثر بسياسات الترجمة والنشر.