د. محمد طلبة عبد القادر نصار
لئن كانت النفس/الروح تشكل جزءا من اهتمام الشاعر في الثقافة الإسلامية، فلم تخل الثقافة الإنجليزية من تناول للنفس. وعقد المقارنات بين نصين كلاسيكيين في هذين التراثين يكشف عن الامتدادات الثقافية للأفكار الأولى سواء كانت دينية أم فلسفية، ويُظهر القدر المشترك الكامن فيهما مع اختلافهما وتمايزهما في الجملة.
مثلت القصيدة العينية في أحوال النفس الإنسانية المنسوبة للفيلسوف أبي علي بن سينا، التي مطلعها: «هبطت إليك من المحل الأرفع/ ورقاءُ ذاتُ تعزز وتمنعِ» نصًا مركزيا في بحث النفس، إذ تعهدها الكتَّاب بالشرح والتعليق. وقد نازع في نسبتها لابن سينا الأديب أحمد أمين في كتابه «فيض الخاطر» بكلام وجيه ورجح نسبتها لأبي علي آخر، هو ابن الشبل البغدادي بناء على بعدها عن شعر ابن سينا البعيد عن رونق هذه القصيدة وما فيها من ماء الشعر.
وقد وجد التناول الشعري للنفس/الروح مجالًا في التراث الإنجليزي، لا سيما في القرن السابع عشر مع تنامي النزعة الدينية وحكم التطهيريين الجمهوري القصير، فظهرت أسماء بارزة مثل جون ملتون وهنري فون وأندرو مارفل الذي نضع قصيدته في الروح بمقابلة العينية، لما تنطوي عليه القصيدتان من إرث مشترك يُعزى أصله إلى أفلاطون، وكثير منه إلى أفلوطين رائد الأفلاطونية المحدثة.
وقد عنون أندرو مارفل لقصيدته بـ«قطرة ندى»؛ إذ يستخدمها مجازًا للنفس فقد عالجت النفس/الروح. ونحن نستخدم هذا اللفظ المزدوج لأن التراث الإسلامي لا يُفرِّق بينهما إلا في سياقات التدقيق الكلامي، أي: اللاهوتي؛ بأن الروح هي محل تلقي المعارف والأنوار الفائضة على المتأهلين بالمجاهدات، أما النفس فهي الجانب المعتم من الروح باعتبارها محل الشهوات الحسية والمعنوية. ويفرق الفلاسفة والمتكلمون المسلمون بين الروح الحيواني الذي به حركة الإنسان وحياة حواسه، والروح المعنوية التي تسمى كذلك بالنفس الناطقة، وهي المقصودة هنا.
وقد اتخذ مارفل سبيلًا طريفًا في قصيدته، فهو لا يذكر شيئًا عن الروح في الأبيات الثمانية عشرة الأولى من قصيدته التي تتألف من أربعين بيتًا، بل يقتصر على قطرة الندى في حلولها فوق الأزهار ثم تبخرها عائدة إلى جو السماء، ولا يَظهر الطرف الآخر من هذا التمثيل المركب وهو النفس في علاقتها القلقة بالجسد إلا بدءًا من السطر التاسع عشر.