النقد الروائي والعناصر الرئيسة في السرد

فريق المختبر السعودي للنقد

يعتبر العمل الأدبي -أيًّا كان- موضوعا في غاية التعقيد، له سماته المربكة والمركّبة. ومن الخطأ الزعمُ بأنَّ ثمّةَ تلازما وتطابقا ضروريا بين شكل العمل الأدبي ومضمونه. بل لا بد من النظر للعمل الأدبيِّ نظرةً فاحصةً تراعي الشكل والمضمون دون إهمالٍ أو استسهال. ولذا؛ فإنَّ من واجبنا أن نقرأ كلَّ عملٍ قصصيٍّ بوصفه بنية مركبة، لها سماتها وملامحها الفنية الخاصة، فنحكم على الأدب من داخله ما أمكننا ذلك. وإذا ما أردنا أن نفهم أيَّ قصةٍ أو روايةٍ فعلينا النظر في العناصر الهامة التي تُشكّل بناءها الفني وهي:

  1. الشخصية:

    فهي جوهر كل قصة، والقصة نفسُها شكلٌ أدبيٌّ يخلق شخصياته المقنِعَة والمقنَّعَة في ذات الوقت. والقاصُّ الذكيُّ الماهر يُعرَف ويُعرَّف بقدرته على تخليد شخصياته في ميادين الأدب العظيمة. كشخصية راسكو لينكوف في رواية "الجريمة والعقاب" لديستوفسكي، وجان فالجان في رواية "البؤساء" لفيكتور هيجو.

    وهناك طرائق معينة يستطيع الكاتب من خلالها أن يرسم ملامح شخصية روائية جيدة. منها التسمية، والأوصاف النفسية والجسدية، وقد يدخل في تحديد الملامح الجسدية وصف اللباس، أو طريقة الكلام والنوم وتناول الطعام.

    أما الملامح المعنوية أو السمات الشخصية والنفسية فيكتشفها القارئ من خلال تفاعل الشخصية مع محيطها. ومن الطرائق الملائمة كذلك لكتابة شخصية روائية جيدة الابتعادُ عن أسلوب الوصف السردي الكامل في بداية الرواية، وترك المجال للقارئ حتى يتعرف على الشخصية من خلال حركتها داخل البناء القصصي نفسِه.

    وقد قسَّمَ نقّاد الرواية التقليديون الشخصيات إلى نوعين: شخصية نامية، وشخصية مسطَّحة. الشخصية النامية تكبُر مع أحداث الرواية، وتعيش حالة صراعيّة مطّردة مع ذاتها أو الآخرين. أما الشخصية المسطّحة فتتسم بقدر من الثبات. وثمة ثنائيات أخرى وُظِّفت لتقسيم الشخصيات في القصة بأكثر من اعتبار، كالشخصية المركبة والبسيطة، والشخصية الرئيسة والثانوية، وهي تقسيمات مختلفة متقابلة ترِد داحل البناء الروائي، ولها ذات الدلالة تقريبا.

  1. الحدث:

    وله صلة كبيرة بالشخصيات ودورها في الأعمال القصصية، والحدث: هو الحكاية التي تصنعها الشخصيات، وهو يشبه -بشكلٍ ما- القضية الفكرية أو الاجتماعية التي يسعى الكاتب لإيصالها في إطار فني. ويغطي الحدث بما تضمنه من أقوال وأفعال الرواية من بدايتها إلى نهايتها.

    وليس لبناء الحدث شكلٌ محدد ينبغي التزامه، كأن نقول إنَّ له بداية ووسط ونهاية، بل الكاتب حرٌّ في اختيار لحظة البدء، مع مراعاة أن تكون لهذه اللحظة حرارتها المناسبة لطبيعة القصة وسياقها، فقد يكون من الحسن أن يُوضع القارئ مباشرة في صلب الأحداث، كصنيع كافكا في بداية عمله الرائع: (التحوَّل).

    ويستمر الحدث في النموِّ من نقطةٍ لأختها نموا فنيًّا معقولا، له منطقه، وأسبابه، ثم تتطور القصة وصولا لما هو أعمق وأدق. مع التأكد من أنه لا مجال للصدف القدرية العشوائية، بل لا بد من حسن التمهيد، وبراعة نقل القارئ بصورة مفهومة لا تخلو من التشويق المتوقَّع.

    وتُعدُّ لحظة النهاية أهمَّ لحظةٍ فهي الانطباع الأخير في ذهن القارئ ووجدانه. وقد كان بعض الكتاب التقليديين يُنهون الحدث بما يمكن أن يُسمى بالنهاية المريحة، التي ينتصر فيها الخير على الشر، وتتحقق المُنى، وتتحقق الأحلام. فيما ذهب أكثر الكتّاب المعاصرين لما يُعرف بالنهاية المفتوحة حيث يتقاسم الكاتب والقارئ خيالات الختام. وهذا التحول الكتابي في الصنعة الروائية له علاقة باختلاف طبيعة النظرة للقارئ في أدبنا اليوم، فالقارئ إيجابي فعّال مشارِك في النصِّ.
  1. الزمان والمكان:

    وفيه يراعي الكاتب جملة من الأمور مثل: الفترة الزمنية التي وقعت فيها الأحداث، وتوقيت كتابة القصة. وتكون طريقة توظيف الكاتب لعنصر الزمن إما من خلال استعمال الزمان التاريخي (التقليدي) ذي الطبيعة الخطية والاتجاه الواحد، بحيث تتحرك الأحداث في زمن متسلسل، مثل رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل وهي أول رواية في الأدب العربي الحديث نُشرت عام 1914م.

    أو توظيف الطريقة الأخرى القائمة على الزمن النفسي المستدير أو المتقطع، وهي طريقة كثير من المعاصرين، حيث يُكسر الزمن التاريخي في الرواية، ويعتني الكاتب أكثر بالعوالم الداخلية للشخصيات. ومن شواهد هذه الطريقة رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، نُشرت عام 1969م.

    أمّا المكان القصصي فهو البيئة التي يعيش فيها الناس، وعلى الكاتب أن يهتم بتحديد المكان في قصته اهتماما كبيرا، لارتباطه بمنطق القصة ومعقوليتها. فالكاتب لا يُضيّع وقته أو جهده حين يصف حُجرةً أو بناءً أو مكانا أو غابة؛ لأنَّ استحضار المكان جزءٌ من الوعي بظروف القصة وسياقاتها.
  2. السرد والحوار:

    وهو فنُّ القول الذي يربط أجزاء القصة، ويُقيم أركانها. والسرد والحوار كلاهما هام وضروري ولا يُغني أحدهما عن الآخر. ولا بد أن يجمع الأسلوب القصصي بين الثمرة القصصية الدالّة على نموّ الأحداث وحركة الشخصيات، والقيمة الجمالية للعبارة القصصية. ولكلٍّ من السرد والحوار تفاصيله التي ليس هذا موضعها.