أ.د. عادل خميس الزهراني [1]
يبدو أننا وصلنا اليوم لما يشبه حالة الاعتراف بنقد النقد مجالاً مستقلاً، وحقلاً معرفياً جديداً ينتمي لمظلة العلوم الإنسانية. في خضم هذا الاعتراف، لاحظتُ نوعاً من التجاوز، أو غض الطرف -ربما- عن عامل من أهم العوامل التي دفعت تودوروف لتأليف كتابه (نقد النقد أو رواية تعّلم)، أعني -بطبيعة الحال- مفهوم 'الحوارية' الذي ما فتئ يردده في الكتاب، ويعكس تصوّره الفكري لقيمة المجال ودوره في شجرة الفكر العالمي.
ويبدو أن اتفاق الباحثين حول حداثة مصطلح (الميتانقد أو نقد النقد)، يقابله اتفاق آخر حول قِدم الممارسة التي تنظر في الأعمال النقدية التي سبقتها، وتحاورها محاورة نقدية ومعرفية. ولعل الذهن يعود مباشرة إلى أعمال أرسطو التي كان يناقش فيها آراء أستاذه أفلاطون حول طبيعة المحاكاة، ووظيفة الأدب، بوصفها إحدى المحاولات الأولى في هذا المضمار. لكنّ (نقد النقد) لم يبرز باعتباره ممارسة معرفية واعية ومستقلة، إلا في القرن العشرين، حيث بدأ اهتمام النقاد يتجه لهذا المجال، وبدأت الدراسات التي تتخذ من المدونة النقدية مادةً لها في الظهور بشكل متواتر.
ويشير محمد مريني إلى استخدام الكاتب والناقد الفرنسي سيرج دوبروفسكي لمصطلح (نقد النقد) "الذي يُعنى بتقويم المناهج المختلفة التي تحكم النقد المعاصر، مع النظر في فلسفة تلك المناهج وتطبيقاتها"، منذ العام 1966م.[2] وقد يكون تزفيتان تودوروف أول من استخدم المصطلح ليكون عنواناً لكتابه المهم في هذا السياق (نقد النقد: رواية تعلّم).
تتمثل أهمية عمل تودوروف -في رأيي- أنها تنطلق من موقف فلسفي يجعل من الكتاب ممارسة حوارية، من خلال دعوته المستمرة للقراءة،[3] ومن خلال اعتباره (نقدَ النقد) نوعاً من التناص أو التداخل النصي بمفهومه الواسع مع بقية القراءات النقدية والإبداعية السابقة واللاحقة. وقد أوضح تودوروف منذ البداية نواياه ومنطلقاته الحوارية هذه، حين رأى أن نقد النقد "تجاوزٌ لكل حد، وعلامة على تفاهة الأزمنة"،[4] يدخل بها الكاتب في سجال إنساني مستمر مع نقادٍ من عصور سابقة وحديثة.
- [1] أستاذ النقد الحديث بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
- [2] محمد مريني، "نقد النقد: في المفهوم والمقاربة المنهجية"، علامات في النقد، العدد 64، فبراير – 2008، ص38.
- [3] تزفيتان تودوروف، نقد النقد رواية تعلّم، ت. سامي سويدان، ط2، (بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1986).
- [4] "حوار مع تسفيتان تودوروف"، أجراه: جيورجي كوسيكوف، ت. أنور محمد إبراهيم، مجلة فصول، العدد 70، شتاء-ربيع 2007، ص25.