الموازنة بين الشعراء

فُطر الناس على حبّ المفاضلة بين الوسائل التي ترمي إلى غرض واحد، والموازنة بين الأنواع التي ترجع إلى أصل مشترك. وقد ظهرت هذه الفطرة واضحة وجلية مع ظهور الشعر، حين تبارى الشعراء في قرضه. وليست الموازنة إلا ضربًا من ضروب النقد، يُميَّز بها الرديء من الجيد، وتُظهر بها وجوه القوة والضعف في أساليب البيان. فهي تتطلب إلمامًا قويًا بالأدب، وبصرًا بمناحي العرب في التعبير. ومن هنا كان القدماء يتحاكمون إلى النابغة الذبياني تحت قبته الحمراء في سوق عكاظ، إذ كان يُعدّ في نظرهم أقدر الشعراء على وزن الكلام وتقييمه. وفي هذه الفصول، نسعى إلى بيان أغلاط النقاد الذين تصدّوا قديمًا أو حديثًا للموازنة بين شاعرين جمع بينهما عصر واحد، أو اشتركا في التعبير عن غرض واحد. كما نهدف إلى وضع ميزان نقدي يعتمد عليه في تقييم ما للشعراء من الحسنات والسيئات، بحيث يتمكّن المتأدب من الفصل بين شاعرين اختلف الناس في تقديرهما.