ملء اللوحة التشكيلية للفراغ النصي جبلا ابن خفاجة وهوكوساي أنموذجًا

ليلى سالم كبيسي

المقدمة

لطالما كان الخلاف بين النظريات الأدبية في إيجاد المعنى ومنبعه، فهل هو المؤلف؟ أو النص؟ أو القارئ؟ ونجدها فيما بعد الحداثة تركز كثيرًا على مركزية النص والقارئ، بعد أن أعلنت عن موت المؤلف. خاصة منها نظرية التلقي المعنية بالقارئ وعملية قراءته وحواره مع العمل الأدبي، التي جعلت معناه يتحرر من أُحاديّته، وينتقل إلى التعدد بتنوع قرائه واختلاف مرجعياتهم. وفي هذه الورقة النقدية نرمي إلى الاستفادة من أهم الأطروحات المؤسسة لهذه النظرية، التي عند الناقد الألماني فولفغانغ إيزر (Wolfgang Iser,1926-2007)، خاصة المتمثلة في الكتاب المترجم له (فعل القراءة نظرية جمالية التجاوب في الأدب)، الذي خُصص له جزء لشرح أهم أفكاره؛ التي وسعت آفاق عملية القراءة لتكون جزءًا من الامتداد الزمني ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، بما فيه من تجارب وخلفيات تشكل معينًا للمتلقي على فهم وبناء المعنى الخاص به.

فماذا عن تجربة القارئ مع اللوحة التشكيلية، التي تبرز عند قراءته لنص ما؟ هل لها تأثير في عملية بنائه للمعنى؟ وإن كانت كذلك، فكيف سيكون؟ هذا ما تحاول الورقة النقدية أن تجيب عنه، من خلال سؤالها الرئيس: كيف ستملأ اللوحة التشكيلية الفراغ النصي؟ الذي تكمن أهميته في العلاقة القائمة بين النص والصورة؛ خاصة في عصر الصورة الذي نعيشه، التي باتت فيه اليد العليا التي تشكل الإدراك الإنساني، في مقابل قلة -أو غياب- النص (أي اللغة) في تكوين ثقافة الفرد والمجتمع، والاستهانة بأهميته.

ويتجلى ذلك في تأثيرها في مختلف الاتجاهات أدبية وفنية كانت أم لا، كالرموز التعبيرية على صعيد التواصل الاجتماعي، أو الأفلام الوثائقية (كبديل عن الكتب) على صعيد تنمية الثقافة الفردية، وغيرها. وإن شئنا البحث عن هذه العلاقة في الفنون، فنجدها في أدب الطفل والقصص المصوّرة، الذي يرتكز فيه أولهم (ليس في كل مستوياته) على الصورة لملء الفراغات، وإثراء النص السردي. مما يعني أن الاهتمام والبحث والتقصي عن هذه العلاقة يُسهم في فهم هذا الصنف من الأدب، بالتالي إذكاءً لجدوته في العالم العربي، السعودي منه على وجه الخصوص.

وحتى نلمس خيطًا نفهم منه العلاقة بين النص الشعري واللوحة التشكيلية، جاء التطبيق في الورقة على نموذج شعري عربي من عصر الطوائف، ونموذج فني ياباني من عصر إيدو؛ محاولة لرؤية الكيفية التي تؤثر فيها الثانية على الأولى، استنادًا إلى منهج المدرسة الأمريكية في الأدب المقارن. سائلين من المولى التوفيق والرشاد.

نظرية التلقي

هي نظرية واسعة المرامي؛ لتنوع واختلاف المنابع التي استفادت من أطروحاتها لتأسيس نفسها، كالشكلية الروسية وبنيوية براغ[1] وغيرها. وهي ذات اتجاهين: ألماني وأمريكي، وما يعني الدراسة، أولاهم المتمثلة في جامعة كونستانس، التي هيمنت على الساحة النقدية [2].

وقد ظهرت نتاجًا لـ"جهد جماعي كان صدى للتطورات الاجتماعية والفكرية والأدبية في ألمانيا الغربية خلال الستينات المتأخرة" [2] خاصة منها النزاع مع البنيوية لإهمالها السياق الخارجي للنص. وقد تطورت في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، على يد أبرز منظريها: هانز روبرت ياوس (Hans Robert Jauss)، وفولفغانغ إيزر (Wolfgang Iser) [3].

اللذان يشتركان في أن المتلقي هو حجر أساس فهم الأدب، ويختلفان في توجه دراستهما؛ فالأول ركز على قضية تطور النوع الأدبي (أي تاريخ الأدب) متأثرًا بغادامير، ومعتمدًا على علم التفسير. أما الثاني فقد اهتم بقضية بناء المعنى متأثرًا بإنغاردن والفلسفة الظاهراتية [4]. وهو من سيعرج الآن على أهم أطروحاته المترجمة في كتاب (فعل القراءة نظرية جمالية التجاوب في الأدب) بشيء من التفصيل.

فولفغانغ إيزر

سبق وأشرنا إلى اهتمام إيزر بقضية بناء المعنى، وهو بناء على ذلك يشدد على أن نظرية التلقي نظرية في الفهم، لا في كشف المعنى واستخلاصه؛ أي أنها تحاول أن تبين كيف تصبح قراءة العمل الأدبي عملية بناء للمعنى[5] ؛ فالنص لا يقدم المعنى للقارئ، "بل يقترح أبنية لتوليد المعاني، التي ليس لها وجود حقيقي خارج إدراكه" [1].

إذن، أساس فعل القراءة هو التفاعل بين بنية النص والمتلقي؛ لوقوع العمل الأدبي بين النص والقارئ، بالتالي يصبح التفاعل بينهما تحقيقا لوجوده [2]. والعمل الأدبي عنده عبارة عن بنية، وهو مفهوم استعاره من إنغاردن [3]. وهي: بنيات ذات "طبيعة معقدة، ذلك أنه بالرغم من أنها متضمنة في النص فإنها لا تستوفي وظيفتها إلا إذا كان لها تأثير على القارئ" [4].

وغالبًا ما يكون للبنية وجهان يميزانها هما: الوجه اللفظي، والوجه التأثيري. فالأول موجِه لفهم وإدراك القارئ، والأخير نتيجة هذا التوجيه[5] . ولفهم واستيعاب التأثير الذي يسببه العمل الأدبي، لا بد من وجود قارئ له جذوره المتأصلة في بنية النص؛ ليجسد الاستعدادات الضرورية لممارسة العمل الأدبي تأثيره، وهو ما سماه إيزر بالقارئ الضمني [6]. وهو "بنية نصية تتوقع حضور متلق دون أن تحدده بالضرورة، ومفهوم يضع بنية مسبقة للدور الذي ينبغي أن يتبناه كل متلق على حدة" [7]. بالتالي يصبح القارئ الضمني بنية مساعدة للقارئ الحقيقي، حتى توجه مسار قراءته، وتسهل عملية بنائه للمعنى الخاص بالعمل الأدبي.

ثم يبين إيزر أن النص في حاجة لقراءات عدة حتى نصل إلى مرادنا، وهي ما سماه بوجهة النظر الجوّالة التي تتيح الحركة داخله، وتمثل الوسيلة "التي يكون بها القارئ حاضرًا في النص" [1]. كذلك تعمل على تقسيم النص إلى بنيات تتفاعل لتولد نشاطا تجميعيًا يمثل أساس فهم النص [2].

والنص الأدبي بطبيعة الحال لن يذكر كل ما يريد، بل سيترك فراغات في بنيته ليحفز ويحث القارئ على إعادة القراءة ومحاولة الاقتراب من خباياه شيئًا فشيئًا. فالفراغات النصية عند إيزر تنشأ من ذلك التساؤل عن عدم القدرة على سبر أغوار ما يقوله النص، من تلك الاحتمالات التي تتوارد في ذهن القارئ. "ولا يمكن بلوغ التوازن إلا عندما تملأ الفراغات، وبالتالي تبقى هدفًا للهجوم المستمر من طرف اسقاطات القارئ" [3].

أي أن للفراغات النصية الأثر العظيم في المعنى وتكوينه، ويرى إيزر أن هذا الأثر لا يوجد إلا في علاقة هذه الأجزاء النصية وترابطها ببعضها[4] -نظرة لسانية خالصة- مما يعني أهمية ما يقع على القارئ الحقيقي (المتلقي)، من مهمة التجميع والمؤالفة بين الأجزاء، وملء سليم للفراغات.

فكل لحظة من القراءة هي جدلية تذكر وترقب/ ماض ومستقبل؛ أي أنها تعبر عن تذكر أفق ماض امتلأ بالأفق المستقبلي المترقب، وكلاهما مرتبط ببعضهما[5] ؛ فالماضي والحاضر سيؤثران في خلفية كل واحد منهما، متى ما عشنا لحظة القراءة ستظل تحت تأثير قراءاتنا الماضية، وفي ذات الآن ستؤثر هذه القراءة الحاضرة في قراءاتنا الماضية.

وبعد كل ذلك، أي بعد أن انتهى القارئ من التشكيل الجشطالتي الأوليّ (التجوال داخل النص وملء الفراغات) من خلال تلك العلاقة التفاعلية الجدلية بينه وبين النص، عليه أن يغلقه [1]. ولا يوجد "إطار مرجعي معين من أجل تنظيم هذه العملية، فإنه يجب على التواصل الناجح أن يعتمد في النهاية على النشاط الإبداعي للقارئ" [2]، وهذه هي متعة القارئ المتمثلة في كونه أصبح منتجًا [3].

ملء اللوحة التشكيلية للفراغ النصي

إذن، حتى يتأتى للورقة النقدية أن تجيب عن سؤالها: كيف ستملأ اللوحة التشكيلية الفراغ النصي؟ فذلك يعني بداية، ترتيب خطوات إيزر لتلقي النص والتفاعل معه:

١- القراءة المتكررة للنص الشعري، التي تكشف عن فراغاته النصية.
٢- استدعاء المتلقي لتجاربه السابقة المتعالقة بالنص، أو حتى المُقارِبة (جدلية التذكر والترقب/ ماض ومستقبل).
٣- بعد ذلك، إما بروز تجربة واحدة بشكل مكثف، بها ما يتصل بالنص الشعري، ويعين على ملء فراغاته. وإما لا توجد.

وذلك في نطاق قراءة النص وتذوقه، أي أنها قراءة تحتاج إلى خطوات منهجية يستعان بها؛ لتبيان هذا التعالق أو التقارب:

١- إيضاح العلاقة العامة بين النموذجين.
٢- تحديد الفراغ النصي الرئيس، وربطه باللوحة.
٣- تسليط الضوء على ما تقارب بين ثيمات النموذجين الرئيسة.
٤- إيجاد الفراغ النصي الفرعي، ومحاولة ملئه بما تثريه اللوحة.

بناء على ذلك سنطبق تاليًا لنرى كيف سيؤثر النموذجان في بعضهما.

بين قصيدة الجبل لابن خفاجة، وسلسلة جبل فوجي لهوكوساي

سبق وأن تطرقنا سريعًا في المقدمة عن منشأ النموذجين، وهما أرض الأندلس العربية في عصر الطوائف، واليابان في عصر إيدو، أي أننا أمام مبدعين [1] تباينت ثقافتهما وتباعد زمنهما، إلا أن كليهما احتفى بالطبيعة وتصويرها، "وما تضفيه من نشوة تلون الإحساس بالموجودات"[2] ، أيضًا فقد عاش ابن خفاجة في فترة يشوبها الانقسام والصراعات، وهوكوساي في ذلك الزمن الذي أغلقت فيه اليابان أبوابها على نفسها، ومنعت السفر والتجوال[3] . أي أنهما عاصرا أوقات عصيبة تزعزع كيان موطنهما الأم.

كما أنهما عاشا في بلادين تتغنى بالطبيعة الخلابة، التي كان لها التأثير في خيالهما ليبدعا تلك الكلمات والألوان. والثقافة الإسلامية تلتقي مع الشنتو [1] في الإيمان بالزوال لا الخلود [2]. بذلك تُلحظ نقاط التقاء في الظروف التي تكونت منها شخصية المبدعَين وساهمت في تقارب فنيهما، وإن كان الأمر في حاجة لتقص وقراءة أكثر وأعمق.

أما ما يخص النماذج المختارة، فقصيدة الجبل لابن خفاجة لن نسلط النظر إلا على الجزء الذي يصف فيه جبله [3]:

وأرعنَ طمّاحِ الذؤابةِ باذخٍ

يُطاولُ أعنانَ السماءِ بغاربِ

يَسدُّ مَهبَّ الريح عن كل وِجهة

ويزحم ليلًا شُهْبَهُ بالمناكبِ

وقور على ظَهْرِ الفلاة كأنه

طِوال الليل مُطرق في العواقبِ

يلوث عليه الغَيم سُود عمائم

لها من وميض البرق حُمْرُ ذَوائبِ

أَصَخْتُ إِليْهِ وهو أخرس صامتٌ

فحدثني لَيل السُّرى بالعجائبِ

وقال ألا كم كنت ملجأ قاتل

وموطن أوَّاهٍ تبتل تائبِ

وكم مَرَّ بي من مُدْلِجٍ ومُؤَوِّبٍ

وَقاَلَ بِظلي من مَطِيٍّ وراكبِ

ولاطم من نُكْبِ الرياح معاطفي

وزاحم من خُضْرِ البحار جوانبي

فما كان إلا أن طَوتهم يَدُ الرَّدى

وطارت بهم رِيحُ النَّوى والنوائبِ

فما خَفْقُ أَيْكي غير رجفة أضلع

ولا نَوْحُ وُرْقي غير صرخة نادبِ

وما غَيَّضَ السُّلْوان دمعي وإنما

نزفت دموعي في فراق الصواحب

فحتى متى أبقى ويَظْعَنُ صاحبٌ

أُوَدِّعُ منه راحلًا غير آيِبِ

وحتى متى أَرْعَى الكواكب ساهرًا

فمن طالع أخرى الليالي وغاربِ

فَرُحْمَاكَ يا مَوْلَايَ دعوة ضارع

يَمَدُّ إلى نُعْمَاكَ راحة راغبِ

فَأَسْمَعَنِي من وَعْظِهِ كُلَّ عِبْرَةٍ

يُتَرْجِمُهَا عنه لسان التجاربِ

فَسَلَّى بما أَبْكَى وَسَرَّى بما شَجَا

وكان على لَيْلِ السُّرَى خَيْرَ صاحبِ

وقلت وقد نَكَّبْتُ عنه لِطِيَّةٍ

سلام فإنا من مُقيم وذاهبٍ[1]

أما سلسلة ٣٦ مشهدًا لجبل فوجي لهوكوساي، سنركز فيها على لوحة: "Rainstorm beneath the summit" [1]

التحليل
image

بداية حتى نربط بين النموذجين، ونستطيع أن نلتقط ما تشابه بينهما؛ يجب أن نعيّن الفراغ النصي الأساسي في القصيدة، وهو: عدم ذكر ابن خفاجة بأنه يتحدث عن جبل بشكل مباشر، كذلك عدم ذكر أي جملة على لسانه، والحديث عنه بضمير الغائب المستتر، في قوله: "وقال ألا كم كنت ملجأ فاتك ~ وموطن أوّاه تبتل تائب". أما هوكوساي فجعل حضور الجبل وحديثه أساسًا لسلسلته، حتى في اللوحات التي يكون فيها بعيدًا عن نظر المتأمل صغيرًا يكاد لا يلحظ. إلا أنه يلفت النظر إليه ويجبرك على ترك العناصر الأمامية والبحث عن باقي ملامحه في الخلفية.

بمعنى أن الخطاب الموجه للمتلقي عند جبل هوكوساي مباشر، تصل إلينا أفكاره ومشاعره بلا وسيط لن يكون قادرًا على إيصالها غضة طرية كما هي، أي أن لوحاته تعمق عملية التواصل بين القصيدة والمتلقي. فالخطاب المباشر يكثّف من تأثير حديث جبل هوكوساي على المتلقي، مما يجعل استنطاق جبل ابن خفاجة من خلاله، ذا أثر يسهم في تكثيف وإيصال رسالة الثاني بذات الدرجة، بل وأكثر منها لوجود الوسيط اللغوي.

تاليًا، حتى تسهل معرفة الفراغات الفرعية -إن وُجدت- وكيف تساعد اللوحة التشكيلية على ملئها وإثرائها، سننظر في نقاط الالتقاء بين النموذجين، وكيف عبر عنها كل نموذج:

1- اضطراب المشاعر:
فنجده عند ابن خفاجة متمثلًا في كثرة التناقضات (الطباق)، مثل: فاتك/تائب، مدلج/مؤوب، أبقى/راحلًا وغيرها. أما عند هوكوساي، فهي الخطوط المتعرجة التي رسم بها الجبال (بعضها حاد في جبل فوجي) والغيوم. فهذا النوع من الخطوط يعبر عن عدم الوضوح والضبابية.

2- أنسنة الجبل:
وهي صورة الرجل الوقور بعمامته ذات الذوائب عند ابن خفاجة، التي وصفها في الأبيات الآتية:

وأرعنَ طمّاحِ الذؤابةِ باذخٍ

يُطاولُ أعنانَ السماءِ بغاربِ

يَسدُّ مَهبَّ الريح عن كل وِجهة

ويزحم ليلًا شُهْبَهُ بالمناكبِ

وقور على ظَهْرِ الفلاة كأنه

طِوال الليل مُطرق في العواقبِ

يلوث عليه الغَيم سُود عمائم

لها من وميض البرق حُمْرُ ذَوائبِ

بينما استعمل هوكوساي اللون الأحمر القاني في قمة الجبل للدلالة على الروح، فليس في جبل فوجي لون أحمر، وإن كان اللون دلالة على الحمم، ففوهته الثلجية لا توحي بذلك. إذن، للون الأحمر دلالة، وإن نظرنا له بمعزل عن الثقافة اليابانية[1]، فهو من الألوان القوية النارية التي ترمز عادة لمفاهيم، مثل: شدة البأس، الحركة وعدم السكون، الغضب، الحذر، وغيرها. بينما تتعدد معانيه في الثقافة اليابانية ، لكن ما يهمنا منها أنه لون مقدس؛ لأنه لون الدم والنار والشمس.

أما عن الكيفية التي تفاعلت فيها عناصر اللوحة لنخرج بنتيجة أن هذا اللون دل على الروح، فنجد ذلك في علامة البرق أسفل يمين اللوحة، واللون الأسود الفاحم الذي يحيط به. أيضًا في الخطوط المتشابكة والمختلفة في طولها التي يشكلها اللون الأحمر، كذلك أسلوب التنقيط الذي برزت به. فعند جمع هذه العناصر، ألا يمكن أن تكون هذه الخطوط المنقطة دموعًا تُذرف من شدة الألم الناجم عن ضربة البرق، التي يُلحظ وضوحها وبروز لونها؟

أيضًا من المثير للاهتمام، أن انتشار اللون الأسود الفاحم في يسار اللوحة أقصر، والخطوط الحمراء المنقطة أطول، أما في اليمين نجد العكس تمامًا. وفي ذات الآن تتمركز علامة البرق في اليمين، مما يعني أن الكيفية التي ينتشر بها اللون الأسود متصل بعلامة البرق، فهي في اليمين تمثل لحظة ضربها للجبل، أي أوج حرارتها التي تفسر امتداد اللون الأسود فوقها، بالتالي حتى الدموع لن تنفع لأنها ستتبخر.

إذن، يمكن أن يتضافر كل ذلك لنقول: البرق يمثل مواقف الحياة العصيبة التي يمر بها الإنسان، فيذرف الدموع التي تغسل صدره وتخفف من وطء معاناته. والجبل بطبيعة الحال لن يبكي لذلك يصبح اللون الأحمر المقدس لون النفس البشرية التي يجري في عروقها دم الحياة.

وبعد أن أوضحنا العلاقة القائمة بين القصيدة واللوحة، ننظر في فراغ نصي فرعي بارز هو: النهاية المفتوحة لقصة الجبل عند ابن خفاجة؛ فقد سرد لنا بالجمل الخبرية ما مر به من صنوف البشر، الذين كان لهم ملجأ ومحطة مؤقتة، بينما هو حتى الرياح لم تستطع أن تحركه. مستخدمًا واو العطف التي لا تدل على الترتيب، أي أن مجيء كل واحد منهم وهبوب الريح العاصفة ليس شرطًا أن يكون متعاقبًا، فتكوّن مشهدًا تتحرك فيه الحياة من حوله تارة، وتارة أخرى لا يشعر إلا بتوقفها مع حركة معطفه، بل ويمكن حتى إن تلتقي اللحظتان؛ فأثناء استراحة التائب تعصف الرياح، وبذلك يصبح المشهد مشحونًا بإدراكه العميق لوحدته.

ثم استخدم فاء العطف بدلالتها على التعقيب، بعطف المشهد السابق على حقيقة موتهم التي لن تناله. بل ويُلحظ حتى استخدامه لكلمة "طوتهم" التي تتناسب مع "معطفي" الممثلة لجسد الجبل؛ فمعاطف البشر يطويها الموت، إلا معطفه. ثم يشارك ما اعتمل داخله من مشاعر، ودموع فاضت:

وقال ألا كم كنت ملجأ قاتل

وموطن أوَّاهٍ تبتل تائبِ

وكم مَرَّ بي من مُدْلِجٍ ومُؤَوِّبٍ

وَقاَلَ بِظلي من مَطِيٍّ وراكبِ

ولاطم من نُكْبِ الرياح معاطفي

وزاحم من خُضْرِ البحار جوانبي

فما كان إلا أن طَوتهم يَدُ الرَّدى

وطارت بهم رِيحُ النَّوى والنوائبِ

فما خَفْقُ أَيْكي غير رجفة أضلع

ولا نَوْحُ وُرْقي غير صرخة نادبِ

وما غَيَّضَ السُّلْوان دمعي وإنما

نزفت دموعي في فراق الصواحب

وبعدها يختم قصته بالجمل الإنشائية التي يتساءل فيها عن حاله الممزقة بين الوحدة وثقل ثباته الدائم أمام كل من يستأنسون ببعضهم البعض، ويتحركون كيفما شاؤوا، ويتضرع بدعاء خالقه في قدره المكتوب:

فحتى متى أبقى ويَظْعَنُ صاحبٌ

أُوَدِّعُ منه راحلًا غير آيِبِ

وحتى متى أَرْعَى الكواكب ساهرًا

فمن طالع أخرى الليالي وغاربِ

فَرُحْمَاكَ يا مَوْلَايَ دعوة ضارع

يَمَدُّ إلى نُعْمَاكَ راحة راغبِ

ولننظر إلى كلمة "راغب" التي جاءت اسم فاعل نكرة، فراغب في ماذا؟ أفي القدرة على الحركة؟ أم الموت؟ أم الصحبة، أم ماذا؟ فبعدها يأتي وداع ابن خفاجة له، ورحيله الذي أكد فيه صفة الثبات للجبل والرحيل لنفسه، أي أن مآل الجبل أصبح غير معروف.

إذن، عندما نتأمل أفكار ومشاعر الجبل وآماله، نجدها إنسانية محضة ولا تمت للجماد -على الأقل بإدراكنا البشري له- بأي صلة. أي أن الجبل معادل موضوعي لابن خفاجة، وقد ألبسه حُلة الرجل الوقور حتى يستطيع أن يبوح بما يضيق عليه الخناق في داخله، بعد أن عاش وعمّر وحيدًا حتى آخر لحظة من حياته، وعاصر مرارة فقد الأحباء والناس من حوله مرارًا وتكرارًا. مما يعني أن قصة الجبل بنهايتها المفتوحة، أشبه بسؤال ابن خفاجة للوجود عن ثنائية الخلود والفناء.

وبعد أن حُدد الفراغ النصي الفرعي، تبقّى أن نعود إلى لوحة هوكوساي مرة أخرى لنتأملها حتى نرى إن كانت قادرة على منحنا واحدة من تلك النهايات المتعددة التي تجيب في ذات الآن عن سؤال شاعرنا. أي على ملء الفراغ النصي الفرعي. فسبق وأن أشرنا في محور "أنسنة الجبل" عند هوكوساي إلى اللون الأسود الفاحم المنتشر في الجزء السفلي من الجبل، المتصلة دلالته بعلامة البرق.

لكن هناك أيضًا دلالة أخرى للون الأسود القاتم، التي تتصل بالصورة الكاملة للوحة، فنجدها منقسمة إلى قسمين: أولهما الجزء الخاص بقمة الجبل الثلجية والسماء التي وراءه بلونها الأبيض الزاهي. وثانيهما المتمثل في الجزء السفلي من الجبل، وأعلى اللوحة بلونها الأزرق المتدرج حتى الأزرق الداكن. والمثير للانتباه في هذا، هو الجزء الأول؛ فلونه الأبيض زاهٍ غير مختلط بالزرقة أو أي لون داكن آخر، فقط اللون الأبيض الوهّاج والنابض بالحياة، على عكس الجزء الثاني القاتم وما يحمله من دلالات المعاناة والألم التي عرجنا عليها في محور "أنسنة الجبل".

أي أن هذه المساحة الرحبة والمنشرحة في اللوحة، بالرغم من صغر مساحتها التي تشغلها فيها، إلا أنها توازي علامة البرق في جذب انتباه متأمل اللوحة من الوهلة الأولى، مما يعني أنهما نقطتان مركزيتان فيها. وإن كانت علامة البرق بتلك الدلالات، فاللون الأبيض في الجزء الخاص بالقمة الثلجية والسماء التي وراء الجبل -بما فيها من صفات ذُكرت قبل قليل- هي التي تمثل الخلاص، وتجسد رسالة من رسائل اللوحة التي تؤكد على أن أمد المعاناة مهما طال مصيره أن ينتهي، وأن الفرج قادم لا محالة، كابتهاج وانشراح الدنيا عند شعورها بنسمات نفس الصباح الأولى.

بالتالي، ألا يمكن أن تكون هذه نهاية لقصة جبل ابن خفاجة وتساؤله هو؟ فالجبل سيؤتى سؤله أيًّا كان في وقته المقدّر له، وابن خفاجة سيرحل عن الدنيا أيضًا في الوقت المكتوب له.

الخاتمة

ختامًا، لنظرية التلقي عند إيزر قدرة على فتح المجال للفنون والثقافات المختلفة أن تتقارب، خاصة بين النص الشعري واللوحة التشكيلية، وذلك من خلال إيضاح العلاقة العامة بين النموذجين، التي تبين الظروف والأحوال المساهمة في تفسير تقاربهما، ثم تحديد الفراغ النصي الرئيس فالفرعي، ومحاولة ملئهما.

واستنادًا إلى ذلك استطاعت الورقة النقدية أن تخرج بنتيجة مفادها: أن العلاقة بين قصيدة ابن خفاجة ولوحة هوكوساي، علاقة تفاعلية؛ يثري كل طرف منها الطرف الآخر، فلا يقتصر الأمر على ملء الفراغ النصي فقط، وأيضًا لا يعني ذلك المطابقة التامة بينهما. عدا أن الخطوات التي اقترحتها ليست إلا محاولة متواضعة للوصول إلى النتائج المرجوة، مما يعني أنها في حاجة لمزيد من الدراسة والضبط.


    المصادر و المراجع
    الكتب:
    - الرويلي، ميجان وسعد البازعي. دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، المغرب، الدار البيضاء، الطبعة السادسة، ٢٠١٦.
    - إلياد، ميرسيا ويوان ب. كوليانو (ترجمة: خليد كدري). معجم الأديان، مؤمنون بلا حدود، المغرب، الرباط، الطبعة الأولى، ٢٠١٨.
    - إيزر، فولفغانغ (ترجمة وتقديم: حميد لحمداني، الجلالي الكدية). فعل القراءة نظرية جمالية التجاوب في الأدب، منشورات مكتبة المناهل، بدون تاريخ.
    - توفيق، سعيد. الخبرة الجمالية دراسة في فلسفة الجمال الظاهراتية، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، الطبعة الثانية، ٢٠١٦.
    - تولا- بريس، جان لوك (ترجمة: ثريا إقبال). فلسفة الزن رحلة في عالم الحكمة، دار كلمة، الإمارات، أبو ظبي، الطبعة الأولى، ٢٠١١.
    - ديورانت، ول (ترجمة: زكي نجيب محمود). قصة الحضارة، دار الجيل، لبنان، بيروت، مج ١، ج ٥، ١٩٩٨.
    - ستولنيتز، جيروم (ترجمة: فؤاد زكريا). النقد الفني دراسة جمالية وفلسفية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، لبنان، بيروت، الطبعة الثالثة، ٢٠١٥.
    - عودة خضر، ناظم. الأصول المعرفية لنظرية التلقي، دار الشروق، عمان، الطبعة الأولى، ١٩٩٧.
    - غازي، مصطفى. ديوان ابن خفاجة، دار المعارف، الإسكندرية، بدون تاريخ.
    - فكتور إيرليخ (ترجمة: الولي محمد)، الشكلانية الروسية، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، ٢٠٠٠.
    - محمد عناني، المصطلحات الأدبية الحديثة، مؤسسة هنداوي، ٢٠٢٣.
    - م. كولر، جون (ترجمة: نصير فليّح). الفلسفات الآسيوية، المنظمة العربية للترجمة، بدون تاريخ.
    - هولب، روبرت (ترجمة: عز الدين إسماعيل). نظرية التلقي مقدمة نقدية، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، الطبعة الأولى، ٢٠٠٠.

    البحوث والمقالات:
    - بخش، دلال. العالم قصيدة- أنشودة الجبل والقمر، مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، مج ٦٣، ع ٧١، ١-٣١، ٢٠١٣.
    - بارة، خولة. فعل القراءة وآلية إنتاج المعنى عند فولفغانغ إيزر، مجلة إشكالات في اللغة والأدب، مج ١٠، ع ١، ٢٠٢١، ١٢٦٢ – ١٢٧٣.
    - باكير، علياء. نظرية التلقي وإشكالية السياق الغائب: ترجمة الأدب ومعضلة الفراغات النصية، المجلة العربية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، ع ٢٠، ٢٠٢٣.
    - تاكاشينا شوجي (ترجمها من الإنجليزية: فريق نيبّون). مكانة جبل فوجي في قلوب اليابانيين، ٢٠١٣ https://www.nippon.com/ar/currents/d00021 / ١٧ نوفمبر ٢٠٢٤، ١٠:١٣ص
    - تويا مانابو (ترجمة: فريق نيبّون)، اليابان وعبادة الطبيعة، ٢٠١٧ https://www.nippon.com/ar/views/b05213 /# ١٧ ديسمبر٢٠٢٤، ١٠:١١ص
    - زمان، أنور يعقوب. قصيدة الجبل لابن خفاجة: دراسة أسلوبية، مجلة جامعة طيبة للآداب والعلوم الإنسانية، مج ٧، ع ١٤، ٢٠١٨، ٦٣١ - ٧١٨
    - سوزوكي سادامي (ترجمها من اليابانية: فريق نيبّون). فلسفة وابي سابي: كيف أضفت عمقا للجمال الياباني التقليدي من خلال التفاصيل، ٢٠٢٣ https://www.nippon.com/ar/japan-topics/b02355 / ١٧ نوفمبر ٢٠٢٤ ، ١٢:٥٩م
    - عبد الرحمن، بشاير. وابي سابي: فلسفة الحياة البسيطة، ٢٠٢٤ https://mana.net/wabi-sabi / ١٧ نوفمبر ٢٠٢٤ ، ١٢:٥٧م
    - فريق نيبّون. الغيشا… أحد رموز اليابان الساحرة، ٢٠١٥ https://www.nippon.com/ar/features/jg00026 / ١٧ ديسمبر ٢٠٢٤، ٥:٠٧م
    - كاواي أتسوشي (ترجمها من الإنجليزية: فريق نيبّون). توكوغاوا إياسو.. مؤسس شوغونية إيدو، ٢٠٢٠ https://www.nippon.com/ar/japan-topics/b06907 / ١٧ نوفمبر ٢٠٢٤، ٩:٥١ص
    - هاشيزومي دايسابرو (ترجمة: فريق نيبّون)، الأديان في اليابان: ماذا يعبد اليابانيون وكيف يؤثر ذلك على حياتهم، ٢٠١٤ https://www.nippon.com/ar/in-depth/a02902/# ١٧ ديسمبر٢٠٢٤، ١٠:٠٥ص

  • [1] ينظر في: المرجع سابق، ص ٧٥.
  • [2] مرجع سابق، ص ٧٠.
  • [3] مرجع سابق، ص ٩٨ (بتصرف).
  • [4] ينظر في: مرجع سابق، دليل الناقد الأدبي، ص ٢٨٧.
  • [5] ينظر في: مرجع سابق، فولفغانغ إيزر، الصفحتان٦١ و٦٤.

  • [1] ينظر في: المرجع سابق، ص ٧٥.
  • [2] المرجع السابق، ص٦١.
  • [3] ينظر في: المرجع السابق، ص ٥٦.

  • [1] ابن خفاجة: هو إسحاق إبراهيم بن خفاجة الأندلسي، علم من أعلام الأندلس عاش في عصر الطوائف. كان الارتحال ديدنه، وجانب شعر البلاط واستقل بأسلوبه المميز الذي اغترفه من قلبه وبيئته وزمانه. أما هوكوساي (Hokusai) الذي عاش في فترة إيدو، فهو من أهم رسامي فن الأوكيو إي الياباني (شكل من أشكال الفن الياباني الشعبي، الذي يهتم برسم صور الحياة العابرة). كذلك أشهر من رسم جبل فوجي، وقد نعت نفسه بالرجل الكهل الذي جُن بالتصوير. ينظر في: مصطفى غازي. ديوان ابن خفاجة، دار المعارف، الإسكندرية، بدون تاريخ، ص١. أيضًا: دلال بخش. العالم قصيدة - أنشودة الجبل والقمر، مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، مج ٦٣، ع ٧١، ١-٣١، ٢٠١٣، ص ٥ أيضًا: ديورانت (ترجمة: زكي نجيب محمود). قصة الحضارة، دار الجيل، لبنان، بيروت، مج ١، ج ٥، ١٩٩٨، ص ١٥٣- ١٦٠ أيضًا: ينظر في: المرجع السابق، ص ١٥٦. أيضًا: تاكاشينا شوجي (ترجمها من الإنجليزية: فريق نيبّون). مكانة جبل فوجي في قلوب اليابانيين، ٢٠١٣. https://www.nippon.com/ar/currents/d00021 ١٧ نوفمبر ٢٠٢٤، ١٠:١٣ص.
  • [2]مرجع سابق، دلال بخش، ص ٥.
  • [3]أو ما يسمى بمرسوم ساكوكو، أي البلد المغلق. ينظر في: كاواي أتسوشي (ترجمها من الإنجليزية: فريق نيبّون). توكوغاوا إياسو.. مؤسس شوغونية إيدو، ٢٠٢٠ https://www.nippon.com/ar/japan-topics/b06907/ ١٧ نوفمبر ٢٠٢٤، ٩:٥١ص.

  • [1] من ديانات اليابان، وأولاهم هي ديانتهم الأم التي تقوم على عبادة الطبيعة والأسلاف. أما الزن فهو مذهب فلسفي بوذي له تأثير كبير على فن فترة إيدو. ينظر في: ميرسيا إلياد، يوان ب. كوليانو (ترجمة: خليد كدري). معجم الأديان، مؤمنون بلا حدود، المغرب، الرباط، الطبعة الأولى، ٢٠١٨، القسم الأول: موضوع البوذية ص ١٣٧، والشنتوية ص ٢٤٣. أيضًا: جون م. كولر (ترجمة: نصير فليّح). الفلسفات الآسيوية، المنظمة العربية للترجمة، بدون تاريخ، الفصل الثالث والعشرون: الفلسفة اليابانية. أيضًا: حان لوك تولا- بريس (ترجمة: ثريا إقبال). فلسفة الزن رحلة في عالم الحكمة، دار كلمة، الإمارات، أبو ظبي، الطبعة الأولى، ٢٠١١.
  • [2]من حيث ما تتصف به الحياة من تقلب وتغير ونهاية في يوم ما. فالشنتوية مثلًا، من أسباب تعظيمها وتأليهها للطبيعة؛ كثرة ما حل -ولا زال- بها من كوارث طبيعية كالبراكين والزلازل والتسونامي. فأصبحت مظاهر الطبيعة أرواحًا مقدسة للآلهة، خاصة منها الجبال والغابات والبحار وغيرها، وهي في الآن نفسه ذات طبيعتين؛ فالحبال في نظرهم عدائية لما تخرجه من حمم، ومقدسة إما لارتفاعها المهيب واتصالها بالسماء كجبل فوجي، أو لمنحها الحياة بسببها مصدرًا لتشكل الجداول أسفلها التي تساعد على إرواء أراضيهم الزراعية. فكل ذلك مما يشكل إدراكهم لماهية الحياة الزائلة وصفاتها، حتى إنهم يجسدون في أزهار الكرز (أو الساكورا، sakura) رمز الزوال؛ فبالرغم من جمالها البهي إلا أنها سريعة الذبول. أو في فلسفتهم الجمالية "وابي سابي" التي تجسد عدم الدوام أو الكمال والمثالية لأي شيء (يُنظر هامش ص ١١). وهي في كل ذلك تلتقي مع الإسلام في أن الحياة الدنيا زائلة، وهي دار الابتلاء والصبر والاجتهاد للآخرة التي فيها الخلود، أي النقطة التي يفترقان فيها؛ فالشنتوية لديها اعتقادات كثيرة حول ما بعد الموت، عدا أن المهم فيها هو أنهم يؤمنون بأن الإنسان إذا مات انتهت حياته بموت جسده، أما روحه فهي تعود للجبال، أو لما وراء البحار، أو -بتأثير البوذية- التناسخ (الكارما)، وغيرها. ينظر في: هاشيزومي دايسابرو (ترجمة: فريق نيبّون)، الأديان في اليابان: ماذا يعبد اليابانيون وكيف يؤثر ذلك على حياتهم، ٢٠١٤ https://www.nippon.com/ar/in-depth/a02902/# ١٧ ديسمبر٢٠٢٤، ١٠:٠٥ص أيضًا: تويا مانابو (ترجمة: فريق نيبّون)، اليابان وعبادة الطبيعة، ٢٠١٧ https://www.nippon.com/ar/views/b05213/# ١٧ ديسمبر٢٠٢٤، ١٠:١١ص
  • [3] وذلك راجع إلى هدف الورقة النقدية في حصر التحليل على الجبل، كذلك تحديد العينة البحثية حتى يسهل العمل عليها في الوقت المتاح.

  • [1] مرجع سابق، ديوان ابن خفاجة، ص ٢١٦.
  • [2]اللوحة من متحف هوكوساي في سوميدا. https://www.nippon.com/ar/views/b02316/ ١٧ نوفمبر ٢٠٢٤، ١٠:٤٩ص

  • [1] منها التي تتصل بالسياسة والقبائل كالدائرة الحمراء الدالة على الشمس في علمهم، أو ما يتصل بالأنوثة وبروز الجمال كأحمر الشفاه في مكياج نساء الغيشا، وغيرها. ينظر في: فريق نيبّون. الغيشا… أحد رموز اليابان الساحرة، ٢٠١٥. https://www.nippon.com/ar/features/jg00026/ ١٧ ديسمبر ٢٠٢٤، ٥:٠٧م