صدوف صلاح الحربي
المقدمة
يُعدّ مصطلح "علم السرد" أو "السردية" ( Narratology) أحد المصطلحات التي برزت في حقل النقد الأدبي تحت تأثير البنيوية، وهي تُعدّ من الدراسات السردية المهمة في الأدب والعلوم الإنسانية، وأحد أنواع الدراسات النقدية، وتركز الدراسات السردية على تحليل القصص والروايات وكيفية بناء السرد وتطوره في مختلف الأشكال الأدبية، ظهر مصطلح "علم السرد" لأول مرة عام ١٩٦٩ مع تودوروف في كتابه "قواعد الديكاميرون"؛ حيث عرفه بعلم القصة، وقد أسهمت هذه الجهود في ظهور نظريات أدبية جديدة عززت مكانة علم السرد كجزء أساسي في تحليل النصوص الأدبية. ورد لفظ السرد في عدة مواضع من القرآن الكريم، من ذلك قوله عز وجل: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} سورة سبأ (الآية:١٠-١١). أما السرد عند عز الدين إسماعيل فهو: "نقل الحادثة من صورتها الواقعية إلى صورة لغوية، بمعنى أن التجسيد الفعلي والتطبيقي للسرد يظهر فيها من خلال الملفوظات السردية التي تترجم على الورق وأداتها اللغة؛ حيث تُعدّ الرواية شكلًا أدبيًا وأشهر الأشكال الفنية في الأدب، وتتميز بقدرتها على سرد القصص وتقديم شخصيات معقدة وأحداث مترابطة؛ ليمنح القارئ الغوص في عوالم جديدة وتجارب إنسانية متنوعة يمتد تاريخ الرواية إلى قرون ومع بداية القرن التاسع عشر دخل الأدب الروسي عصرًا جديدًا مهمًا في تطويره، وسار الأدب الروسي على طريق الأصالة والتجديد، وامتدت على مراحل مختلفة لتطور الرواية الروسية، فإن علم سرد الروايات ليس فقط فنًا أدبيًا بل هو أيضًا وسيلة للتعلم والتواصل والتأثير، ويهدف هذا العلم إلى تقديم وصف منهجي للخصائص التفصيلية المتعلقة بالنصوص السردية، بحيث يشمل الجوانب النظرية والتطبيقية في دراسة بنية السرد وخصائصه.
تطور هذا الحقل من خلال جهود نقاد وباحثين بارزين، مثل: فلاديمير بروب، وتزفيتان تودوروف، وفيودو دوستويفسكي؛ حيث سعوا إلى تحديد خصائص النصوص السردية، مما جعل هذا العلم جزءًا أساسيًا من الدراسات الأدبية، ومن بين الروائيين الكبار الذي تمكن من تطبيق علم السرد في أعماله هو الكاتب الروسي "فيودو دوستويفسكي" الذي يُعدّ من أعظم الروائيين في الأدب العالمي وسيد الكتاب "الواقعيين" في روسيا، وهو يهتم في جميع قصصه بتحليل النفس الإنسانية ويعالج أمراض المجتمع في رواياته، وتستند هذه الدراسة إلى مجموعة من النظريات الأدبية، منها: نظرية السرد، ونظرية الشخصيات مما يتيح للدراسة فهم الأبعاد الثقافية والاجتماعية التي تؤثر في النصوص الأدبية، سنحاول من خلال هذه الدراسة التي تُسهم في تقديم وتحليل رواية "منزل الأموات" للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، وتتناول هذه الدراسة موضوعات معقدة تتمحور حول عزلة السجن وحلم الحرية؛ حيث كتب فيودور دوستويفسكي هذه الرواية بناءً على تجربته الشخصية في السجن، تدور الرواية حول شخصية "بأليكسندر بتر وفيتش" وهو رجل روسي من طبقة الطراز القديم يُحكم عليه بالسجن لعدة سنوات؛ بسبب ارتكابه لجريمة قتل ، وأُرسل إلى معسكر العمل في سيبيريا؛ حيث يواجه هناك ظروفًا قاسية ومعاملة صارمة داخل السجن، وكيف يتفاعل مع السجناء الآخرين، وكل منهم يحمل قصة فريدة ومؤلمة من خلال هذه الدراسة يعرض دوستويفسكي تحليلًا عميقًا لمعاناة السجناء النفسية والجسدية والصراعات اليومية والأمل المتعلق بحلم الحرية، وتُعدّ هذه الرواية من الأعمال الأدبية في الأدب الروسي؛ حيث تعكس واقع الحياة داخل السجن وتصور الصراعات التي يواجهها السجناء، تجسد الرواية أنموذجًا للدراسة السردية التي تناولت موضوع السجون، وتأثير العزلة في النفس البشرية، والرغبة في التحرر لقد نهض الأدب الروسي في القرن التاسع عشر نهضة كبرى، واحتل مكانة سامية بين الآداب العالمية الأخرى، كما ذكر (ويتشاكسونو،٢٠٢٢) "عند دراسة أثر أدبي أو فليم أو رواية أو قصة قصيرة، من المهم بالنسبة لنا أن نعرف كيف يتكون المحتوى السردي، كيف موقع الراوي في القصة، وكيف صوت الراوي الذي يروي القصة للمستمع، أما الأشياء المذكورة فهي مرتبطة مباشرة بنظرية السرد".
ومن هذا المنطلق نأمل أن يسهم هذا البحث في إثراء المكتبة العربية، وأن يكون منطلقًا لأبحاث ودراسات جديدة، ومن خلال هذه الدراسة نستطيع أن نرى كيف استطاع فيودور دوستويفسكي أن يسلط الضوء على تجارب الإنسان في مواجهة العزلة والسعي نحو الحرية، مما يجعل روايته "منزل الأموات" مثالًا أدبيًا بارزًا في الأدب الروسي.
أهمية الدراسة
تتجلى أهمية الدراسة في استكشاف موضوعين رئيسين هما: عزلة السجن، وحلم الحرية. ومن هنا كانت أهمية هذه الدراسة؛ حيث نجد أن دوستويفسكي الذي عاش بنفسه تجربة السجن ويقدم لنا وصفًا دقيقًا لتلك الحياة المقيدة، إضافة إلى ذلك يمثل حلم الحرية حيث يعبّر السجناء عن تطلعاتهم وآمالهم للخروج من هذا السجن، اخترت دراسة عزلة السجن وحلم الحرية أولًا العزلة التي يعيشها السجناء رغم أقصى الظروف، وثانيًا حلم الحرية رغبة إلى التحرر والتغيير وهو شعور يتقاسمه معظم الناس عن ظروفهم في السجن.
هذا الموضوع يستحق النظر لأنه يظهر لنا كيف يمكن للألم أن يكون طريقًا للتأمل الداخلي، وكيف تتحول الحرية إلى هدف سام ليصبح طموح يسعى الجميع إلى تحقيقه، علاوة على ذلك تتناول الرواية قضايا تتعلق بالعدالة والإنسانية من خلال سرد تجارب السجناء، واستكشاف أبعاد الحرية الحقيقة التي قد لا تتحلى في التخلص من القيود المادية فقط، بل في قدرة الإنسان على التحرر من قيود ذاته وأفكاره المحدودة، ويسلط دوستويفسكي الضوء على الصراعات الداخلية التي يعيشها الفرد وكيف تؤثر الظروف المحيطة بأفكارهم ومشاعرهم، ومن هنا تصبح هذه الرحلة السردية في منزل الأموات أكثر من مجرد سرد، بل إنها دعوة للقارئ على التفكير في معاني الحياة والحرية، وكيف يمكن للنفس أن تجد قوتها رغم السقوط، وأن تستمر في الحلم حتى في ظلام العزلة.
مشكلة الدراسة
يتناول هذا البحث تجربة السجن وأنها ليست مجرد فصل جسدي عن العالم الخارجي، بل هي تجربة نفسية مؤلمة تنعكس على حياة السجين، وتأثيرها النفسي والاجتماعي، فالعزلة هنا ليست فقط عزلة جسدية، بل هي عزلة روحية ونفسية عن العالم الخارجي؛ حيث تتشابك فيه الأبعاد النفسية و الاجتماعية و الفلسفية بطريقة تتطلب تحليلًا عميقًا حسيًا، الثغرة المعرفية التي تسعى الدراسة إلى ملئها، على الرغم من شهرة الرواية غياب التحليل السردي العميق، ولم تحظ عناصر السرد بتحليل شامل يوضح كيفية استخدامها لتجسيد مشاعر العزلة وحلم الحرية، كما أن هناك نقص في الدراسات التي تعالج الرواية من منظور سردي، مما يستدعي مزيدًا من الدراسة للتعمق فيها.
من خلال هذه المشكلة تسعى الدراسة إلى فهم كيفية استخدام العناصر السردية والأدوات الأدبية في تصوير العزلة السجنية، وحلم الحرية، وسد هذه الثغرة عبر تقديم تحليل سردي للرواية، إضافة إلى دراسة تأثير هذه العناصر في إيصال رؤية الكاتب عن الصراع الإنساني مع القيود النفسية المادية.
أسئلة البحث
● كيف تُصوّر تجربة عزلة السجن رواية منزل الأموات؟
● ما الرمزية التي تحملها فكرة حلم الحرية في الرواية، وكيف تتجلى في حياة شخصيات السجن؟
● كيف تؤثر الظروف النفسية والاجتماعية في تجارب الشخصيات داخل السجن؟
الحدود الزمانية والمكانية والموضوعية
الحدود الزمانية: تدور أحداث الرواية في القرن التاسع عشر، وتحديدًا في فترة حكم الإمبراطورية الروسية، وتناولت الدراسة الأحداث في معسكر العمل السيبيري التي تنعكس على فترة العقوبة التي قضاها دوستويفسكي في السجن؛ حيث كانت روسيا تمر بمرحلة سياسية واجتماعية.
الحدود المكانية: تدور أحداث الرواية في سجن سيبيريا في روسيا وهو مكان يعكس عزلة قاسية الذي يمثل بيئة مغلقة وقاسية داخل معسكر العمل.
الحدود الموضوعية: تتناول الدراسة في الرواية موضوعات عديدة تشمل قضايا العزلة والحرية والعدالة، ويتناول دوستويفسكي من خلال سرد تجارب السجناء مجموعة من الموضوعات الإنسانية الأساسية، مثل: الهوية، والأمل، واليأس، والصراع الداخلي والخارجي الذي يعيشها الأفراد في ظل ظروف قاسية.
أهداف الدراسة
● تحليل كيفية تصوير العزلة داخل السجن.
● فهم الأبعاد النفسية والاجتماعية للعزلة والحرية كما تظهر في الرواية.
● استكشاف ظروف السجناء على مشاعر الشخصيات وتطلعاتهم نحو الحرية.
● تحليل العناصر السردية المستخدمة لتعزيز موضوع العزلة وحلم الحرية.
في هذا البحث استخدمت المنهج الوصفي التحليلي لوصف وتحليل النص الأدبي؛ للكشف عن الأبعاد النفسية والاجتماعية المرتبطة بعزلة السجن وحلم الحرية، وتحليل الأحداث والشخصيات والرموز والموضوعات لتوضيح رؤية الكاتب حول الصراع النفسي والداخلي للسجناء.
المنهج المتبع لهذه الدراسة هو المنهج النقدي الأدبي، الذي يعتمد على تحليل الأدب من زاوية نقدية.
منهج الدراسة العام
أدوات البحث
في هذه الدراسة استخدمت تقنية القراءة والكتابة، الخطوات التي استخدمت كما يأتي:
تقنية القراءة:
● قراءة شاملة ودقيقة للرواية وترجمة معاني المفردات.
● إعادة قراءة الرواية تحليليًا مع التركيز على الأوصاف والحوارات والرموز.
● البحث عن دراسة بنية السرد، وكيفية تفاعل الشخصيات مع الزمان والمكان.
تقنية الكتابة:
● تسجيل الملحوظات وكتابتها أثناء القراءة.
● كتابة الأفكار واستخلاص النقاط المهمة.
● صياغة النقاط المهمة وتحليلها لإعداد خطة دراسية.
● كتابة النتائج النهائية التي تلخص الرواية، وتجسيد دور السرد في تناول عزلة السجن وحلم الحرية.