ثيمة الهروب في فيلم (وداعًا جوليا) للمخرج محمد كردفاني (دراسة نسوية)

د. آلاء رفعت حسن النعيم القرشي

المقدمة

يرى المؤرخون أن السينما مزيج من عناصر أدبية سابقة كالمسرحية الهزلية، والميلو دراما الشعبية، فضلًا عن المحاضرة التوضيحية، كل هذه الفنون صهرت في وعاء واحد أخرج المنتج السينمائي، الأمر الذي عبر عنه أ. د. عادل الزهراني أستاذ النقد الحديث بـ"منذ القدم شغلت صورة الظل وانعكاس الضوء عقول العلماء والفنانين، منذ الصيني موزي، وظل شجرة ابن الهيثم في سجنه، وغرفة ليوناردو دافنشي المظلمة، حاولت البشرية الاستفادة من هذه الأبعاد الفيزيائية لتطوير تقنية تسمح بالتقاط الصور كما هي، بعد أن كان الاعتماد التام على الرسم اليدوي، وكان من نتائج هذه المحاولات اختراع آلات التصوير بداية القرن التاسع عشر، أعني تلك التي قدمها الفيزيائي والفوتوغرافي الفرنسي نيسيفور نييبس، من أولى التطبيقات نحو عالم الصور المتحركة"، كتاب في نقد السينما: تقاطعات السينما والأدب والفلسفة، 2023. وعن السينما الإفريقية، فإن تاريخها يعود إلى أوائل القرن العشرين. خلال الحقبة الاستعمارية، لم تظهر الحياة الإفريقية إلا من خلال عمل صانعي الأفلام البيض أو الاستعماريين أو الغربيين، الذين صوروا السود بطريقة سلبية، على أنهم «آخرون» غريبون. وهناك اختلافات بين سينما شمال إفريقيا وسينما جنوب الصحراء، وبين دور السينما في دول القارة. وفقًا لسوزان هايوارد في كتابها سينمات العالم الثالث: السينما الإفريقية، 2006.

يعود تاريخ بداية السينما السودانية إلى العام 1912م في ظل قوات الاحتلال البريطاني، التي عرضت أول فيلم وثائقي قصير في مدينة الأُبيض، التي تبعد 588 كيلو مترًا جنوب غربي الخرطوم، وكان حينها يوثق لافتتاح السكة الحديدية لربطها بالعاصمة، في حين شهدت بعد ذلك مراحل متغيرة، فمن بدايات استعمارية اتخذت منها سبيلًا لتمرير أجندتها، إلى تعثرات وطنية لاحقة تماهت فيها مع الناس حينًا وغيّبت بإرادة من السلطات حينًا آخر، ظلت السينما السودانية غضة تواجه قيودًا مجتمعية، وبيروقراطية، وسياسية في الثلاثين عامًا من فترة نظام الحكم السابق، حتى صار تصوير فيلم سينمائي جرمًا قد يوجب الاعتقال والتنكيل. مع ذلك، صار حاضر السينما السودانية الآن أصبح مختلفًا بإنجازات سينمائية صاعدة خلال السنوات الأخيرة، وحصولها على أرفع الجوائز العالمية السينمائية المرموقة، ما يبشر بمستقبل مشرق لها. يُعدّ فيلم (وداعًا جوليا) للمخرج والمؤلف محمد كردفاني، والمنتج أمجد أبو العلا، وطاقم التمثيل: المسرحية والمغنية إيمان يوسف (في دور منى)، وعارضة الأزياء سيران رياك (في دور جوليا)، ونزار جمعة (في دور أكرم) وغيرهم، الذي عرض في مطلع 2023، من أبرز الإنتاجات السينمائية السودانية الحديثة؛ حيث يقدم رؤية فنية جريئة ومؤثرة تسلّط الضوء على تعقيدات الهوية والثقافة في سياق اجتماعي وسياسي مشحون. الفيلم يروي حكاية إنسانية عميقة تُبرز تجارب نسائية تكافح في وجه واقع مليء بالتحديات، ما يجعله عملًا غنيًا بالرمزية والمضامين التي تستحق التوقف عندها.

تركز هذه الدراسة على تحليل الساعة الأولى من الفيلم، وهي الفترة التي تُبرز الشخصيات الرئيسة وتُمهّد للسرد الدرامي المكثف. يتناول التحليل موضوع الهروب كعنصر محوري، ليس فقط كوسيلة للهروب من الواقع، بل كرمز يعبر عن الحاجة إلى التحرر والخلاص النفسي. كما تستكشف الدراسة طبيعة الصراع بين رقة الهوية النسائية وما تواجهه من ضغوطات مجتمعية، ما يُظهر تداخل الأبعاد الفردية والجماعية في حياة الشخصيات النسائية. تكتسب هذه الدراسة خصوصيتها في هذا التوقيت؛ حيث يشهد السودان حربًا أهلية مستمرة منذ عامين، وهي أزمة ألقت بظلالها على الواقع الإنساني والاجتماعي للبلاد، وكان للنساء فيها النصيب الأكبر من الظلم والعدوان، الأمر الذي وصفته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مقالتها التي تناولت الانتهاكات الجنسية لخمسة نساء سودانيات نشرتها على موقعها الإلكتروني في 17 أبريل 24، بأن النساء السودانيات يشهدن وبشكل غير مسبوق مستويات مروعة من العنف. في ظل هذا السياق، يبدو الفيلم وكأنه نافذة تتيح للجمهور فرصة للتأمل في القضايا المرتبطة بالهوية والانتماء والتعايش في ظل التوترات والصراعات. إن تحليل هذا العمل في ظل هذه الظروف يُبرز كيف يمكن للسينما أن تعبر عن الأزمات المجتمعية وتعيد صياغتها بطريقة تتسم بالعمق الإنساني، الأمر الذي أشار إليه مخرج الفيلم ومؤلفه محمد كردفاني بعد نجاح الفيلم في صالات العرض المصرية في لقاء مع صحيفة العرب في تاريخ 19/4/2024 وفي عددها 13096 "تمنيت أن يعرض الفيلم في السودان ولديّ شعور غير مفهوم أن تكون هذه الحرب التي أكرهها وأنادي بوقفها من أسباب تأثير الفيلم على الناس"، ويضيف كردفاني "لا يجب أن يتوقف الفن أو يؤجل أو يُلغى فنحن نحتاجه في الظروف الحالكة أكثر من حاجتنا إليه في الظروف العادية".

تهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على طريقة معالجة الفيلم لقضايا، مثل: الهوية، والجندر، والبحث عن الذات، وذلك من خلال استكشاف البناء الدرامي للشخصيات والعلاقات التي تجمع بينها. يُقدم الفيلم فرصة فريدة لفهم كيف يمكن للسينما أن تعبر عن قضايا إنسانية محلية مع أبعاد تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية، ما يعكس تطور السينما السودانية وقدرتها على إيصال رسائل عالمية بأسلوب فني مميز. من خلال هذا التحليل، تسعى الدراسة إلى تقديم فهم أعمق كعمل فني يتجاوز دوره الترفيهي؛ ليصبح مرآة تعكس صراعات إنسانية واجتماعية مركبة، لا سيما في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها السودان.

أهمية الدراسة

يرى البروفيسور ويليام كوستانزو الناقد والمنظر السينمائي، أن السينما تمثيل حي وعملي لمقولة العولمة: العالم قرية صغيرة. ويكمل: كما أن النظر إلى التوجهات والقضايا والتيارات الداخلية لهذه الأفلام يفضي إلى ثقافة العالم الذي صدرها، والثقافة التي أنتجتها، فيطلع الجميع على العادات والتقاليد والصراعات والقضايا المؤرقة في أجزاء مختلفة من العالم، ما يمكنهم من تطوير تصوراتهم عن المجتمعات والأفكار وراء هذه الأفلام، وبالتالي توسيع رؤيتهم للعالم، وزيادة احتمال انغماسهم في تنوعهم الغني. إضافة إلى ما قدمت به أهمية السينما كفن حديث، فإن دراسة وتمحيص ما يحمله هذا الفن يحمل أهمية كبيرة تعود بالإثراء المعرفي والفني الكبيرين. بالتالي فإن دراسة ثيمة الهروب في فيلم (وداعًا جوليا) للمخرج محمد كردفاني دراسة مهمة؛ حيث إنها تسلّط الضوء على ثيمة متكررة وعميقة في السينما، وتمثل حاجة الإنسان إلى التحرر من ضغوط الواقع، أو البحث عن الذات، أو الهروب من القيود المجتمعية. دراسة هذه الثيمة تُسهم في الكشف عن أبعاد متعددة، وكيف يمكن للهروب أن يكون وسيلة تعبيرية للاحتجاج والرفض أو حتى البحث عن الأمان في ظل الأحداث السياسية والاجتماعية المعقدة، والتناوش بين الأفراد والأنظمة، في ظل ظروف مضطربة تناولها الفيلم.

وفي تناولي للهروب كموضوع مركزي لهذه الدراسة سأحاول أن أعكس الأبعاد النفسية والجسدية للشخصيات التي تسعى للتحرر، سواء أكان ذلك من خلال الهروب الداخلي أم الخارجي. أهدف في هذه الدراسة إلى تقديم قراءة نسوية تحلل هذه الثيمة في إطار أحداث الفيلم في ساعته الأولى، وكيف يعكس الهروب دور النساء في المجتمع السوداني وصراعهن من أجل إيجاد صوتهن وهويتهن، وكذلك لأضيء معكم مثالًا جديدًا حول قدرة السينما على التعبير عن قضايا النوع الاجتماعي في سياق عاصف ثقافيًا واجتماعيًا. كذلك، فإنه لا يمكن النظر إلى الفيلم كعمل سينمائي عادي؛ فقد نجح في حصد عشرات الجوائز المرموقة على المستويين المحلي والدولي، ما يعكس تميزه في معالجة قضايا إنسانية وسياسية معقدة بأسلوب سينمائي فريد، ويجعله أنموذجًا جيدًا لدراسة هذه الثيمة بمنهج نسوي.

تتشكل مشكلة هذه الدراسة في تفسير دور الهروب كأداة سردية في الفيلم، الأمر الذي لم يحظ بالكثير من الاهتمام والتعمق من النقدين السوداني والعربي. هذه الورقة تهدف إلى ملء الثغرة المعرفية المتعلقة بتفسير الهروب، ليس من أجل الهروب من الظروف الاجتماعية الخانقة وحسب، ولكن كإستراتيجية مقاومة للضغط الاجتماعي والسياسي على النساء في العصر الحديث. ومن خلال منظور نسوي، ستتناول هذا الورقة كيف أن الهروب في الفيلم يعكس صراع الشخصيات النسائية في مواجهة القمع الاجتماعي المرتبط بالهوية الجندرية والعرقية.

أسئلة الدراسة

وهما سؤالان رئيسان:
ما صور الهروب في الساعة الأولى من الفيلم؟
وما الآليات والأساليب السينمائية التي استخدمها المخرج للتعبير عن هذه الصور؟

المنهج

المنهج النسوي.

حدود الدراسة

الزمان: 2005م قبيل انفصال الجنوب.
المكان: الخرطوم.

الهيكلة

المبحث الأول: تأثير الأوضاع السياسية في الشخصية النسائية في بيئة ذكورية (أول 15 دقيقة من الفيلم).

الأفكار:

- التوترات السياسية وتأثيرها في النساء: في بداية الفيلم، يُسلط الضوء على الظروف السياسية والاجتماعية الصعبة في الخرطوم عام 2005، في المنزل الفاخر للزوجين الشمال سودانيين منى وأكرم، يبدأ الفيلم في الدقيقة الأولى بمشهد مظاهرة احتجاجية أعقبتها أعمال شغب وتخريب قام بها جنوب سودانيين في الخرطوم، وبعد خبر مقتل زعيم الحركة الشعبية د. جون غرنغ، الأمر الذي كان شرارة لانفجار الغضب الجنوب سوداني، بينما وجدت جوليا نفسها وزوجها سانتينو وابنها دانييل بلا مأوى بعد طردهم من منزلهم باتفاق من أعضاء الحي، في موقف متعصب من الجيران الشمال سودانيين ضدهم بعد الأحداث، يمكن استكشاف كيف تؤثر هذه التوترات في حياة الشخصيات النسائية في الفيلم؛ حيث يعبر المخرج عن تأثير القمع الاجتماعي والسياسي في الأفراد، يعكس المشهد الأول منذ بدايته الإقصاء السياسي ضد النساء في تلك الفترة من حكم السودان الذي أدى لجهلهن بأبسط معلومات الصراع بسؤال منى زوجها عما يجري، وهو الأمر الذي أشار إليه زوجها لاحقًا في أكثر من مشهد في الفيلم بتلميحات وأقوال أكثرها وضوحًا:" أنتي بتعرفي شنو عن الجنوبيين؟". نرى كيف أن المرأة في هذا السياق تجد نفسها محاصرة بين التوقعات المجتمعية والضغوط السياسية. ويمكننا تحليل كيف تُقدّم الشخصيات النسائية السودانية في إطار ضيق جدًا من المجتمع.

- دور النساء في المجتمع: قدمت الشخصيتان النسائيتان الرئيستان منى وجوليا دورًا تقليديًا للمرأة في المجتمع السوداني آنذاك، كلاهما ربتا منزل، لا تعملان خارج المنزل، منى مقتصرة على دورها زوجة، وجوليا زوجة وأم، تظهر منى في أول لقطاتها تحرق البيض وتخفيه عن زوجها إشارة إلى شعورها بالخزي من هذا الإخفاق البسيط، بينما تظهر جوليا وهي تصنع الشاي، ويظهر موقد جوليا في مشهد رأسي قريب مليئًا بأعقاب أعواد الثقاب، وهي رمزية سينمائية للخيبات المتكررة التي لم تُعالج. تظهر كذلك أشول الفدادية (صانعة الخمور البلدية) في لفتة موفقة من المخرج، وهي أخت سانتينو التي كان لها دور في إيواء سانتينو وأسرته في منزلها بعد طردهم من منزلهم، ودور أشول بائعة الخمور الجنوبية هو دور أصيل تقليدي شائع في المجتمع السوداني، يظهر بصورة واسعة في الأدب، بينما هو قليل الظهور في السينما.

- الهروب كأداة مقاومة: تظهر منى مقاومة، هاربة من دورها الاجتماعي المفروض قسرًا عليها، وهو دور الزوجة ربة المنزل الكلاسيكية، التي تتخلى عن موهبتها في الغناء لإرضاء أكرم زوجها، وتظهر في لباس ديني (عباءة ونقاب)؛ لإخفاء هويتها، بينما تزور المقهى الثقافي الذي كانت تمارس نشاطها الغنائي فيه لحضور حفل غنائي. تظهر جوليا كذلك بعدما انتقلت إلى منزل ذويها المتواضع، وتزعزع حياتها المستقرة بصورة غير متوقعة بعد الانفلات السياسي، ما جعلها نافدة الصبر ومتوترة من هذا الحال الصعب كما وصفته: "لا مويه لا كهرباء لا غاز"، الأمر الذي جعلها في حالة مقاومة عبرت عنها بالهروب من دورها الحميمي تجاه زوجها.

يمكن ملاحظة كيف تبدأ النساء في التفكير في الهروب من الواقع القمعي والظروف الحياتية الرديئة على مستوى العلاقات الاجتماعية، هذا الواقع الذي يلاحق المرأة السودانية حتى اليوم، وهو الأمر الذي أشارت إليه الناقدة ليزا نيلسون كتبت عبر موقع سكرين دايلي: إنه رغم أن أحداث الفيلم قبل 15 عامًا تقريبًا، فإنها ما تزال واقعًا حاضرًا حتى الآن. وأضافت: نجد في الفيلم العديد من الآفات المجتمعية منغمسة في الحياة اليومية السودانية بشكل اعتيادي ومترسخ، مثل: العنصرية، والتمييز الجنسي، وشخصيات مثيرة للاهتمام تثقلها المآزق المعقدة في الحياة.

الأساليب السينمائية

- الإضاءة والتكوين البصري: من خلال استخدام المخرج للمشاهد الضيقة والمظلمة في الأماكن العامة والخاصة، صُوّرت البيئة المحيطة بالشخصيات كمكان مغلق وضاغط، ما يُسهم في تعزيز فكرة الهروب الداخلي، الإضاءة في منزل منى وأكرم كانت صناعية كئيبة خافتة، خانقة، وكذلك في منزل جوليا كانت الإضاءة داخليًا خافتة تعتمد على ضوء الشمس فقط في المشاهد النهارية، كعادة أغلب البيوت السودانية التقليدية.

- التصوير من زوايا مغلقة: يمكن ملاحظة استخدام زوايا تصوير ضيقة، وتصوير منى خلف سياج الشرفة، وقضبان النوافذ، والنوافذ المغلقة والزجاج، للمساعدة على تعزيز شعور القمع والاختناق، وكذلك كانت مشاهد جوليا التي كانت تظهر خلف قضبان النوافذ وتحت أقمشة الرواكيب الرثة.

المبحث الثاني: مقتل سانتينو: التحولات النفسية والاجتماعية للشخصيات النسائية (ثاني 15 دقيقة من الفيلم).

الأفكار:

- حادثة مقتل سانتينو: مقتل سانتينو زوج جوليا هو نتيجة لهروبين جسدي ونفسي متراكبين عبرت بهما منى، هروب جسدي من موقع الحادث غير المتعمد، وهروبها النفسي من تحمل مسؤولية دهس دانييل. في حين كان يمكنها أن تأخذ الطفل إلى المشفى، اختارت منى تحت تصوراتها الذهنية غير الناضجة عن الجنوب سودانيين في تلك الفترة أن تلوذ بالفرار من موقع حادث الدهس، وتخبر زوجها أن هناك رجلًا جنوبيًا يلاحقها، دون أن تخبره بخطئها في دهس الطفل، وهي كذبة جديدة تضاف لقائمة كذبات منى غير البيضاء التي تهرب دومًا من الاعتراف، بدءًا بسبب لحاق سانتينو لها، مرورًا بكذبها حول حضورها للحفلات الغنائية، ودون إغفال لكذبتها حول إحراقها للبيض في بداية الفيلم التي كانت تمهيدًا لحبال كذب منى الملتفة حول الحقائق، ولربما كانت هذه البداية (مشهد كذبها حول إحراق البيض) بطريقة ما تجعل المشاهد لا يتفاجأ كثيرًا بما هو أكبر، تلبس الغضب أكرم (المشحون مسبقًا بمعتقدات عرقية ودينية متطرفة تجاه الجنوبيين) فأشهر سلاحه في وجه سانتينو وقتله، وبمساعدة قسم الشرطة قيدت الجريمة دفاعًا عن النفس، ضد مجرم مجهول، ولاحقًا، تستطيع منى الحصول على نسخة من محضر الجريمة ومتعلقات سانتينو الشخصية دون علم زوجها.

هذا الحادث يمثل نقطة تحوّل كبيرة في حياة الشخصيات، خصوصًا جوليا ومنى. ونتج عن هذا الحادث تأثيرات نفسية واجتماعية عميقة، خصوصًا بالنسبة للنساء. -الضغوط النفسية والاجتماعية: من خلال التركيز على شخصية جوليا، التي اختفى زوجها وتركها دون إجابات حول مصيره، ومصير حياتها وابنها بعد اختفاء معيلهم، يمكننا ملاحظة أن هذا جعلها في حال تخبط وحزن عميقين، ودفعها للعمل في بيع الويكة (البامية المجففة) المهنة التي ورثتها من أمها بعد أن رفضت العمل مع أشول في صناعة الخمور، ومنى التي عاشت تداعيات الحادث النفسية الشديدة من جهة أخرى، واختيارها أن تلوذ بالصمت على الاعتراف والتحرر من الذنب، ونرى كيف تؤثر الضغوط الاجتماعية والنفسية في قرارات النساء وتوجهاتهن في الحياة. الحادث يكشف عن تحول الشخصيات ويدفعهن إلى اتخاذ خطوات أكثر إصرارًا على الهروب أو البحث عن منفذ، وعن الهروب النفسي ظهرت منى وجوليا في مشهدين متتابعين تحتضنان نفسيهما في وضعية الجنين، وكأنهما تنكفئان إلى ما أبعد من ذواتهما، إلى رحم الأم ما قبل صدمة الإنسان الأولى (الولادة). تنوي منى تعويض عائلة سانتينو بدفع الدية، لكنها تهرب مجددًا من الاعتراف، وتفضل الظهور بمظهر المتفضل في توظيف جوليا خادمة مقيمة في منزلها.

الأساليب السينمائية

- استخدام المونتاج البطيء: عند عرض المشاهد التي تعكس تأثير الحادث في الشخصيات، يمكن للمونتاج البطيء أن يعزز من الشعور بالصدمة النفسية والتأثير الدائم لهذه اللحظات في الشخصيات، كذلك استخدمت المشاهد الرأسية البعيدة لتعزيز شعور الشخصيات بالوحدة والألم. -الإضاءة والظلال: استخدام الضوء الطبيعي للشمس وظل الغروب في مشهد قتل سانتينو يعكس الصراع الداخلي للشخصيات. الضوء القوي والظلال المعتمة قد يرمزان إلى الصراع العاطفي والنفسي لدى الشخصيات في هذا المشهد المحتدم والمفصلي.

المبحث الثالث: اكتشاف الأسرار والتمهيد للتغيير: تساؤلات جوليا حول اختفاء سانتينو (ثالث 15 دقيقة من الفيلم).

الأفكار:

- استكشاف جوليا لغز اختفاء سانتينو: بعد مقتل سانتينو، أو اختفائه بالنسبة لجوليا، تبحث جوليا عن أي خيط يدلها على مكانه، ونراها تلوذ بصمت ثقيل عندما يسألها طفلها داني: "ما لقيتوا أبوي؟"، ثم نراها متخبطة هائمة في تأبين كنسي تهرع فيه لتكشف الأكفان عن وجوه الجنائز أملًا في أن تجد إجابة لتساؤلها الذي لا يجيب عنه أحد، أو مصير زوجها، حتى لو كان الموت. لكن دون أمل. بينما تنهمك منى في البحث عن فرصة جديدة للإنجاب وأيضًا دون أمل. تكتشف جوليا تفاصيل جديدة حول اختفاء زوجها من خلال العثور على مستنداته في منزل منى. هذا الاكتشاف يعيد صياغة مفاهيم العلاقة بين الشخصيات ويبرز شكلًا من أشكال الغموض والسرية في حياة النساء، وتقرر جوليا مسيرة لا مخيرة ألا تكشف ما عرفته عن علاقة منى بمقتل سانتينو زوجها، وكأنها اختارت أن تنحي الماضي جانبًا، دون غفران أو نكران، لتكسب المستقبل لها ولابنها من خلال مساهمات منى السخية لتحسين حياتيهما، المساهمات التي يدفعها إليها شعورها بالتأنيب.

- تحول العلاقات بين الشخصيات: يظهر أن العلاقة بين جوليا ومنى تبدأ في التغير؛ حيث يزداد التشابك بين الماضي والمستقبل. جوليا، التي كانت تتأمل ظهور سانتينو، تضع الماضي خلفها وتبدأ ببناء علاقة جديدة مع منى على أساس من الفهم، والسرية. استطاع أكرم كذلك تكوين علاقة متناقضة، يغلب عليها التعاطف مع الطفل داني، الأمر الذي قد ينتبه له المشاهد في مشهد لعبه مع الطفل بالكرة بصورة عفوية ثم مسحه لأثر لمس الطفل لمعصمه بمنديل معطر، ولربما أن وجود الطفل حوله ومساعدته له في أعماله الخشبية شكلت تعاطفًا أكبر في إيجاد والده المفقود، وحركت داخل أكرم عاطفة الأبوة بطريقة ما، فيهبه كاميرا حديثة لتحل مكان كاميرا والده العتيقة التي كان الطفل يتقلدها دومًا، تسعى منى لتضليل زوجها عن الحصول على معلومات بمساعدة عسكري فاسد.

الأساليب السينمائية

- استخدام الرمزية: يمكن أن تستخدم الكاميرا بعض الرمزية في هذه المشاهد لتعكس الغموض، مثل: التقاط تفاصيل المستندات المشطوبة، وإحراق منى لها كرمزية لمحاولتها طمس هذا الإثم، والإضاءة الخافتة التي تبرز معالم المكان المحاط بالأسرار.
- المؤثرات الصوتية :
لم يستخدم الفيلم الموسيقى التصويرية بشكل أساسي، لكنه أضاف عناصر صوتية أخرى تخدم تعزيز المشاعر والأحداث المضطربة، كالضوضاء البيئية: مثل أصوات المدينة، المواصلات، الأذان وأجراس الكنيسة وأصوات الطبيعة التي تُستغل لإظهار تأثير البيئة الخارجية في الشخصيات ومحاولاتها للهروب منها، وأصوات الخطوات التي يمكن أن تُستخدم بشكل متكرر للتعبير عن التوتر أو الهروب الجسدي، وتضخيم أنفاس الشخصيات في لحظات معينة ما يعزز الإحساس بالقلق أو الاضطراب النفسي المرتبط بمحاولات الهروب. المبحث الرابع: التضامن النسائي وتحورات العلاقة بين جوليا ومنى: المساعدة والدعم في مواجهة الواقع (رابع 15 دقيقة من الفيلم).
الأفكار:

- التضامن النسائي: في هذا المشهد، يظهر التضامن بين جوليا ومنى بشكل واضح عندما تساعد جوليا منى على إعداد حمام الدخان، هذا الطقس النسائي الشمال سوداني، الذي تختص به النساء المتزوجات، ويشكل طقسًا أصيلًا وخصوصيًا في الثقافة السودانية. هذا المشهد يعكس العمق الجديد للعلاقة بين الشخصيتين وكيفية مواجهتهما معًا للضغوط الاجتماعية والنفسية، كل واحدة على طريقتها، منى بالمزيد من الهروب من ضغوطها ومشاعرها السلبية، كما يمكن رؤية كيف تسعى جوليا إلى الاستفادة من هذا التضامن في مساعدة منى وابنها. يبدأ مشهد حمام الدخان بصوت منى وهي تغني: لولا الملامة يا هوى لولا الملامة ** لأفرد جناحي في السماء زي اليمامة وأدور وأرفرف في الفضاء ** وأهرب من الدنيا الفضاء وكفاية عمري اللي انقضى ** وأنا بخاف الملامة وهي أغنية الفنانة وردة الجزائرية، ومن كلمات الشاعر الكبير مرسي جميل عزيز، وألحان الموسيقار بليغ حمدي، وبالتأكيد أن اختيار هذه الأغنية هو انعكاس لروح منى المبدعة التي تشعر عميقًا بأي شيء، لكنها أضعف من أن تصدح بها، إلا في أغنية تدندنها في حمامها الخاص. تحاول جوليا التوغل في خلد منى، وفهم خلفيتها الفنية وصراعها في زواجها بسببها، وتمرر لها بين الفينة والأخرى عبارات تحمل رسائل التأنيب، في سلوك متعمد لإثارة مشاعر الذنب لديها لتحقيق المصالح الشخصية. تتحدث جوليا عن رغبة زوجها بالهجرة إلى أوروبا، وهي رمزية للهروب من صراعات المجتمعين الشمالي والجنوبي اللذين لم يوفرا لأفرادهما الأمان والتسامح والتعايش.

- الدعم المالي والتعليم: تهرب منى من التأنيب إلى مزيد من رغبتها بالتعويض، تتبنى داني وحتى جوليا تعليميًا، بينما تجد المزيد من التأنيب من زوجها الذي يحاول لفت انتباهها إلى ضرورة أن تصادق من يكافئها في معيار الحرية والرق، يستخدم أكرم طوال الفيلم تعبيرات عنصرية ضد الجنوبيين كالعبيد، والخدم، ويعكس الصورة النمطية الشمالية الإسلامية المتطرفة الشائعة عن الجنوبيين، يحاول أكرم تلقين منى كل هذه الأفكار مقدمًا مناقشة جريئة حول حكم الإسلام في العبودية، وفي فقه الرق، لكنها لا تدفعها إلا لمزيد من الشعور بالتأنيب، ومحاولتها التطهر أكثر وأكثر بأقل الخسائر.

الأساليب السينمائية

الإضاءة الهادئة والتصوير الحميمي: يُستخدم الضوء الناعم والمشاهد الحميمية بين جوليا ومنى لتجسيد فكرة التضامن والمساعدة. التصوير يركز على الوجوه والحركات الدقيقة لتأكيد التفاعل الإنساني بين الشخصيتين.
اللقطات المقربة: تُستخدم اللقطات المقربة لإظهار المشاعر الداخلية للشخصيات، خصوصًا في اللحظات التي تعبر فيها جوليا عن دعمها لمنى.

الخاتمة

يُعدّ فيلم (وداعًا جوليا) عملًا سينمائيًا فريدًا في تناوله لتجارب النساء السودانيات؛ حيث ينسج قصةً ذات أبعاد إنسانية عميقة ضمن سياق اجتماعي وسياسي معقد. من خلال استكشافه لمفهوم الهروب كإستراتيجية للنجاة، وأحيانًا للتغيير، يكشف الفيلم عن تعقيدات الهوية، والذاكرة الجمعية، والعلاقات الجندرية المتشابكة في السودان. لقد ركزتُ في هذه الورقة على الساعة الأولى فقط من الفيلم؛ حيث يبرز الصراع الداخلي للشخصيات والرمزية العالية لموضوع الهروب كموضوع محوري. ورغم هذا التركيز الزمني، فإن التحليل كشف عن الصراع العميق بين رقة الهوية النسائية وما تتعرض له من ضغوطات، سواء أكانت تلك الضغوطات اجتماعية، سياسية، أم نابعة من القيود الثقافية التي تضعف من قدرة النساء على التعبير عن أنفسهن بحرية. كما يُظهر الفيلم، في ساعته الأولى، صورة متشابكة للتضامن النسائي، ليس بوصفه حالة مثالية، بل عملية صراع مستمرة تتخللها لحظات من التوتر والتفاهم. بهذا تظهِر قدرة السينما على أن تكون مساحة للتعبير عن صراعات الهامش وتفكيك الصور النمطية عن النساء، مع تسليط الضوء على التنوع الثقافي والاجتماعي للسودان. ومع أن الهروب يبدو كموضوع مركزي، فإن هذه المرحلة من الفيلم تفتح تساؤلات أوسع حول المصالحة مع الذات، والاعتراف بالتاريخ المشترك، وإمكانية التغيير في وجه أزمات مجتمعية متجذرة. فالصراع بين الرقة النسائية والقوة الكامنة في مواجهة التحديات يجعل الشخصيات تعكس واقعًا أوسع تعيشه كثير من النساء في مجتمعاتنا.

ختامًا، فإن الساعة الأولى من فيلم (وداعًا جوليا) ليست مجرد مقدمة درامية وحسب، بل تُعدّ نافذة تُظهر العمق الإنساني والتعقيد الذي يحمله العمل بأكمله. إنها شهادة فنية على رحلة البحث عن العدالة، الهوية، والمغفرة، تجعلنا نعيد التفكير في حدود القوة الإنسانية وطرق النجاة في عالم تتشابك فيه المعاناة الفردية والجماعية.

أبرز النتائج

- الهروب كفعل مقاومة وتحرر متناقض: الهروب في الفيلم لا يُقدَّم كعمل ضعف أو استسلام فقط، بل كفعل مقاومة متناقض يتأرجح بين الانسحاب السلبي والمقاومة الإيجابية. يُظهر الفيلم كيف يمكن للهروب أن يكون إستراتيجية لمواجهة القمع والقيود، مع إبراز تعقيداته الأخلاقية والنفسية. فالنساء في الفيلم، وبينما يهربن من قمعهن الاجتماعي، يجدن أنفسهن في مواجهة مع ذواتهن، ما يدفع المشاهد للتساؤل عن جدوى الهروب كحل دائم.

- التناقض بين الواقع والمأمول في تجسيد التضامن النسائي: مع أن الفيلم يبرز لحظات تضامن بين الشخصيات النسائية، مثل: مشهد "حمام الدخان"، فإنه يعكس أيضًا التوترات الكامنة داخل هذا التضامن؛ حيث تظل العلاقة بين جوليا ومنى متشابكة بمزيج من التأنيب والتكفير عن الذنب. يظهر التضامن هنا كعملية صراع مستمرة، وليست حالة مثالية، ما يعكس صعوبات في بناء جسور التفاهم بين شخصيات تحمل تجارب ومعاناة متباينة.

- إعادة تعريف القوة في الأدوار النسائية: يُعيد الفيلم تعريف مفهوم القوة للنساء من خلال شخصياته، القوة ليست في مواجهتهن المباشرة للظلم فقط، بل في قدرتهن على البقاء والتكيف مع الواقع المعقد. منى وجوليا تقدمان نموذجين مختلفين للقوة: الأولى تكافح لتحافظ على صورتها الاجتماعية رغم أثقال الذنب، والثانية تناضل من أجل إعادة بناء حياتها وسط خسائر متكررة.

- الهروب النفسي كفضاء حرية داخلي: في مشاهد مثل وضعية الجنين أو الدندنات الموسيقية، يظهر الهروب النفسي كملاذ داخلي تمنحه الشخصيات لأنفسها. هذا الفضاء النفسي يعكس رغبة النساء في الفيلم في إعادة الاتصال بجوهرهن بعيدًا عن قيود الواقع، ليصبح الهروب النفسي تجربة "ولادة ثانية" رمزية تمهد لمرحلة جديدة من القبول أو التغيير.

- الرمزية الثقافية كأداة للهروب من العدمية: وظَّف المخرج الرمزية الثقافية السودانية، مثل: الأغاني، وتصوير صانعة الخمور، والطقوس التقليدية، كوسائل للهروب من قسوة الواقع. هذه العناصر تحمل دلالات مزدوجة، فهي ليست فقط ملاذًا من الألم، بل تذكير بالهوية والارتباط بالجذور، الأمر الذي يخلق تناقضًا بين الرغبة في الهروب والتمسك بالانتماء.

- الأغاني كمساحة لتحرير الصوت المكبوت: الأغاني في الفيلم ليست مجرد خلفية موسيقية، بل أداة تحرير للشخصيات. غناء منى يعكس صراعها الداخلي ورغبتها في التحرر من القيود الاجتماعية والجندرية، في حين تعكس الأغاني الأخرى معاناة الشخصيات وشوقها لعوالم أكثر عدالة وسلامًا.

- الأبوة والأمومة كمعادلة للهروب والتكفير: من خلال العلاقة التي تربط أكرم بطفل جوليا، والفكرة التي يتبناها الفيلم عن الأبوة، يصبح الأطفال في القصة رمزًا للأمل ومحاولة للتكفير عن الأخطاء. جوليا ومنى تهربان إلى أدوارهن كأمهات بطريقة تحاولان بها تخفيف أثقال الماضي، لكن الأبوة في شخصية أكرم تُظهر ترددًا وانكسارًا يعكس تعقيد الهروب العاطفي.

- النظرة السودانية متعددة الأبعاد للمرأة: الفيلم يُلقي الضوء على ثراء وتناقض صورة المرأة السودانية في السياقات المختلفة، منى تمثل التقاليد الشمالية وقيودها، بينما جوليا وأشول تجسدان ثقافة جنوب السودان وتحدياتها. هذا التنوع يعكس تعقيد وضع المرأة السودانية، ككيان يتقاطع عنده السياسي والاجتماعي والثقافي، ما يمنح الفيلم طبقة أعمق من التحليل النسوي.

- الهروب الجماعي في مقابل الهروب الفردي: يوضّح الفيلم أن الهروب ليس فقط سمة فردية، بل قد يكون جماعيًا كما يظهر في حالة المجتمعين الشمالي والجنوبي، كل مجتمع يهرب بطريقته من مواجهة التاريخ المشترك، ما يجعل الهروب الجماعي انعكاسًا للهروب الفردي، وكأن الشخصيات هي تجسيد لمعاناة أكبر تعيشها مجتمعات بأكملها.

- تصوير الكذب كجزء من عملية الهروب: يبرز الفيلم كيف أن الكذب يتحول إلى وسيلة موازية للهروب، خصوصًا في شخصية منى، هذا الكذب ليس مجرد خداع للآخرين، بل طريقة لإعادة تشكيل الواقع بما يخفف وطأة المسؤولية والندم. من خلال هذه العدسة، يصبح الكذب في الفيلم وسيلة لفهم النفس أكثر من كونه فقط أداة سردية.

- الفيلم مرآةً عاكسةً لاضطراب الهوية السودانية: في نهاية المطاف، يقدم الفيلم الهروب كتعبير عن أزمة هوية يعيشها الأفراد والمجتمع السوداني على حد سواء. الهروب هنا ليس فقط من الظروف الخارجية، بل من تناقضات الذات والانقسامات التي يعاني منها السودان ككل.

خلاصة

من خلال تناولي للفيلم، أستطيع القول إن (وداعًا جوليا) وخلال ساعته الأولى يقدم سردية سينمائية فلسفية غنية، وهكذا يبني الفيلسوف الأسترالي روبرت سينربرنك كتابه "فلسفات السينما الجديدة" على سؤال مركزي مفاده: لماذا ذهبت الفلسفة إلى دار العرض السينمائي؟، والإجابة عن هذا السؤال تمثل مادة الكتاب وتستدعي المرور على التغيرات التي طالت طرق التفكير الفلسفي تجاه السينما وتأثيرها. ومن خلال تركيزي على ثيمة الهروب أستطيع رؤية أن الهروب أداة للتأمل في قضايا أعمق: كالهوية، المقاومة، التغيير، والتضامن. ينجح الفيلم في تسليط الضوء على تجارب النساء السودانيات كمرآة للتوترات السياسية والاجتماعية التي تخترق واقعهن، مقدِّمًا الهروب كفعل إنساني يتجاوز كونه مجرد استجابة للخوف. وعبر موقع هوليوود ريبورترز قالت الناقدة لوفيا جياركي :"يبث فيلم وداعًا جوليا الحياة في المشكلات السودانية أمام الجماهير، يظهر توازن موهبة كردفاني الإخراجية بين الأطوار المتعددة للفيلم، إذ يُعدّ فيلمًا دراميًا مع درجات من التشويق، ونوعًا متفردًا من الحديث السياسي يخص الفيلم وحده، وعبر أسلوبه الكلاسيكي السهل، يقدم الفيلم المزيد من الدعم لصناعة السينما السودانية". ولا عجب أن يحصد الفيلم العديد من الجوائز المرموقة، إذ استطاع المزج بين الجماليات السينمائية والسرد المعمق ليقدم عملًا فنيًا عالميًا يلامس قضايا إنسانية بطريقة مبتكرة.


    المصادر و المراجع

  • - الزهراني، عادل. "السينما تاريخ وعلاقات: الرحلة باختصار" في كتاب "في نقد السينما تقاطعات السينما والأدب والفلسفة" (الخبر، جسور، 2023).
  • - سنيربرنك، روبرت. فلسفات السينما الجديدة: صور تفكر. ت. نيفين حلمي (الرياض، دار معنى، 2021).
  • - كوستانزو، ويليام. كتاب السينما العالمية من منظر الأنواع السينمائية. ت. زياد إبراهيم (لندن، هنداوي، 2019).
  • - هايوارد، سوزان. "سينمات العالم الثالث: القارة الإفريقية" في كتاب دراسات السينما: المفاهيم الأساسية (الإصدار الثالث). (روتليدج، 2006. الصفحات 426-444).