الدهْشة الدراميَّة في النص المسرحي السعودي دور اللغة وتقنياتها

ندى سالم الشهري

التوجُّه والانطلاق نحو مجال الأدب المسرحي السعودي بالدراسة والنقد داخل المملكة وخارجها يُعَدّ ضمن توجهات رؤية المملكة الحديثة، التي جعلت من المسرح السعودي جزءًا من المنظومة الثقافية، فلقي الأدب المسرحي السعودي حضورًا مميزًا في الساحة النقدية، ولمعت عدة أسماء من المؤلفين المسرحيين السعوديين في هذا المجال، من بينهم: سامي الجمعان، وياسر مدخلي اللذان حازا جائزةَ وزارةِ الثقافة للمسرح والفنون الأدائيّة في دورتها الأولى عام 2021م، وعباس الحايك الذي حاز جوائز عديدة داخل المملكة وخارجها، مما جعل نِتاجهم الإبداعي مادةً خصبة للنقد، تستحق الوقوف الجاد عليها.

ومن جهة أخرى، تُعد (الدهْشة الدراميَّة) عنصرًا جوهريًا في الفن المسرحي، مُمثلةً أحد أهم ركائز التجربة المسرحية، من خلال قدرتها على جذب انتباه الجمهور، وتحفيز خياله، وإثارة فضوله وتساؤلاته، وفتح آفاق التأويل لديه، مما يُعمق تجربته. ويُعدّ توظيف إمكانات اللغة في النص المسرحي ركيزة أساسية لتحقيق هذا الهدف، من خلال مجموعة من الآليات الإبداعية التي تُعزز من بناء عنصر المُفاجأة، فتتجاوز اللغة اقتصارها على التواصل فحسب، لتصبح مُحركًا رئيسًا لإثارة مشاهد الدهشة الدراميَّة.

ويأتي الاهتمام بعنصر (الدهشة الدرامي) بوصفه دائم الحضور في المسرح، ويُمكن تعريفه بأنه حالة من الذهول التي تنتاب الشخص نتيجةَ تلقيه مواقف تُخالف توقعاته أو غير مألوفة عليه، ويتمازج معها بعضًا من المشاعر كالخوف والارتباك والتوتر، التي تُحيل إلى الصمت وتوقف الحركة أحيانًا.

ويمكنُ الإشارةُ إلى مجموعةٍ من الأسباب التي دفعت للبحثِ في هذا الموضوع، التي تمثلت في أن الصور الدراميَّة في النص المسرحي مادة خصبة للنقد؛ لأهميتها، ووظائفها، وأثرها في الجمهور، إضافةً إلى تنوع مقاصد عنصر (الدهشة) في الأعمال المسرحية السعودية وغِناها، وتوظيفها بصورة واعية أسهمت في إثراء العمل المسرحي وتعميق دلالاته.

ومِنْ ثَمَّ، فقد تمثَّلتْ مشكلةُ البحث في ظهورِ مجموعةٍ متنوِّعةٍ من النصوص المسرحية التي زخرتْ بها (مشاهد الدهشة الدراميَّة) فتوجه البحث للكشف عن مدى فاعلية استخدام التِّقنياتِ اللُّغويـَّة وتفاعلها مع آليات المسرح وعناصره لتجسيد (مشاهد الدهشة الدراميَّة) وتحقيق إيصالها للمتلقي، من خلال البحث عن إجابة مجموعةٍ من التساؤلات النَّاتِجةِ عن تلكَ المشكلةِ، وهي:

- ما التِّقنياتِ اللُّغويـَّة التي يمكن توظيفها لتجسيد مشاهد الدهشة الدراميَّة؟
- كيف تتفاعل اللغة مع تقنيات المسرح وعناصره لإنتاج مشاهد الدهشة الدراميَّة؟

ويهدف البحث إلى دراسة النصوص المسرحية من خلالِ تحليل التقنيات اللُّغويـَّة المستخدمة في النصوص المسرحية، والتعرف على كيفية إسهامها في تحقيق مشاهد الدهشة واللحظات الحاسمة في العمل المسرحي، إضافةً إلى فحص تفاعل اللغة مع تقنياتِ المسرح وعناصره، كالأصوات والإضاءة والديكور وغيرها من العوامل المتضافرة لتوليد مشاهد مُدهشة للجمهور.

وبما أنَّ التقنيات اللُّغويـَّة هي مدخل البحث الرئيس فإنَّ أهمِّيةَ البحث نبعت من الكشف عن إمكاناتِ اللُّغة وتكاملها مع أدوات المسرح وعناصره لإنتاج (مشاهد دهشة دراميَّة) تجذب المتلقي وتُثير تساؤلاته.

اعتمد البحث على المنهج البنيوي ونظرية التلقي لتحقيق أهدافه؛ حيث تُركز البنيوية على تحليل البنية اللغوية للنص المسرحي وتبيان دورها في إحداث مشاهد الدهشة الدرامية، بينما تهتم نظرية التلقي بدراسة استجابة المتلقي وتفاعله مع تلك المشاهد، ويُعدّ الجمع بين هذين المنهجين مُناسبًا لطبيعة البحث؛ لأن عنصر الدهشة بطبيعته يستلزم تفاعلًا متنوعًا بين النص والمتلقي.

وتمثلت عينة البحث في ثلاثة نصوص مسرحية سعودية مُنتقاة بحسب ثراء عنصر الدهشة بها، وهي: نص (جراح بن ساطي) لسامي الجمعان، ونص (الحرب حُبًّا) لياسر مدخلي، ونص (محطة الأرواح الضالة) لعباس الحايك.

وتُشير نتائج استعراض ما أُنجزَ من دراساتٍ سابقة للبحث، إلى وجود دراسات تناولت موضوعات قريبة من مجاله، إلا أنها لم تتطرق بشكل مباشر إلى مشاهد الدهشة الدرامية -تحديدًا- في النصوص المسرحية السعودية.

وعلى ذلكَ، تكوَّنَ البحثُ النقدي منْ مقدِّمةٍ وتمهيدٍ ومبحثين، وخاتمةٍ أُتبِعَتْ بقائمةِ المصادرِ والمراجعِ، فهي على النَّحوِ الآتي: استهل البحث بتَّمهيدِ عُرف فيه عن الدهشة الدرامية، والنص المسرحي السعودي، وعُنوَنْ المبحث الأوَّلَ بالتقنياتِ اللغوية لتجسيدِ مشاهدِ الدهشة الدراميَّة، تناولتُ فيه أبرز التقنيات كالحوار الداخلي (المونولوج)، والتناقض بين التوقع والواقع، والمجاز اللغوي، والنهايات المفتوحة. وجاءَ المبحث الثاني موسومًا بـعنوانِ: "تفاعلُ اللغة مع تقنياتَ المسرح وعناصره لتجسيد مشاهد الدهشة الدراميَّة"، تناولتُ فيه التباين والرمزية في المنظر المسرحي، وكسر الحائط الرابع، والتلاعب الصوتي، وشخصنة الجمادات، ثمَّ جمعتُ في الخاتمةِ أهمَّ ما توصَّلَ إليهِ البحث من نتائجَ وتوصياتٍ.

التمهيد

- مَاهيَّة الدهشة الدَّرامية

تُعَدّ الدهشة الدَّرامية أحد أبرز العناصر التي تُسهم في تكوين التجربة المسرحية وإثرائها، ويُعرف هذا المفهوم بأنه "حيرة، وذهول، يعتري الإنسانَ من حالة ناشئة عن حدوث أمر غير متوقَّع ومفاجئ"[1] ، فهي في جوهرها "إفراط في التعجب"[2] ، وتبرز الدهشة في المسرح بوصفها تقنية متأصلة في الإبداع الدرامي، إذ توصف بأنها "حالة من الانفعال الوجداني الشديد والذهول والعجز عن استيعاب حدث ما مفاجئ وغير متوقع ... مع ما يصاحبها من تغيرات نفسية كالشعور بالتوتر والحيرة والألم كذلك" [3]، وتتجلى الدهشة الدراميَّة في النص المسرحي السعودي عبر توظيف عدة تقنيات من خلال لغة النص وإمكانية تفاعلها مع عناصر المسرح وتقنياته.

- التعريف بالنَّص المسرحي السعودي

تجدُر الإشارة إلى أسبقية النص المسرحي على وجود المسرح في المملكة العربية السعودية، إذ نشرت المطابع السعودية نصوصًا مسرحية عدة، كنص (الظالم نفسَه) ١٩٣٢م، و(جميل بثينة) ١٩٤٢م، و(غرام ولادة) ١٩٥٢م لحسين عبد الله السراج، و(الهجرة) لأحمد عبد الغفور عطار ١٩٤٦م، و(العم سحنون)، و(الشياطين الخرس) لعبد الله عبد الجبار 1954م [4]، فتلك النصوص المسرحية المنشورة مؤشِّر واضح يُدلِّل على وعي الكُتّاب المسرحيين السعوديين بضرورة نشوء مسرح في بلادهم يضم نشاطهم الإبداعي في هذا المجال.

تنوَّعت اتجاهاتُ النصوص المسرحية السعودية؛ حيث اتجه بعضها إلى التاريخ من خلال الاستلهام من الموروث التاريخي، فيعتمد النص على المادة التاريخية الجاهزة ويبُثها من خلال رؤية جديدة، كتحريكها من الماضي إلى الحاضر، كما في: (فتح مكة) لمحمد مليباري، و(مسيلمة الكذاب) لعبد الله العباسي، و(وامتعصماه) لأحمد الدبيخي. وفي المقابل، اتجه بعض الكُتّاب إلى انتزاع فكرة النص المسرحي من صميم الأوضاع الاجتماعية والمشكلات الحقيقية المحيطة به، وهو ما يُمثل اتجاه النص الاجتماعي، كنص (آخر المشوار) لعبد الرحمن الشاعر، ونص (بيت من ليف) لناصر المبارك، وغيرهم. وإلى جانب ذلك، تميزت بعض النصوص المسرحية بالحس الكوميدي (كطبيب بالمشعاب)، و(المهابيل)، و(مونوكيليا) لإبراهيم الحمدان، بينما اتسمت نصوصٌ أخرى بالطابع الشعري، كالمسرحية الشعرية (غرام ولادة)، و(الشوق إليك) لحسين عبد الله السراج، الذي اعتمد على النثر في سردِه، وعلى الشعر بين حوار شخصياته[5].

وفي اتجاه آخر لجأ بعض الكُتّاب إلى الرمزية بدلًا من المباشرة في طرح الأفكار، وهو اتجاه دراما الذات والأقنعة، كمسرحيات (مع الخيل يا عربان، وعويس التاسع عشر، وشدد بن عنتار) لراشد الشمراني، و(البطيخ الأزرق، والسنين العجاف) لمحمد العثيم، ومسرحية (الموت الأخير للممثل) لرجاء عالم[6] . وعلى جانب آخر اتجهت بعض النصوص المسرحية الأخرى نحو التجريب، من خلال التحرر من القوالب السائدة والخروج عنها لتجربةِ وطَرقِ أشكالٍ جديدة، وذلك من خلال صياغة وابتداع أساليب وأفكار وشخصيات حديثة، كمسرحية (البابور، بيت العز، شدت القافلة، النبع) لفهد ردة الحارثي، و(الأقنعة) لعبد الله باخشوين التي شكَّلت الجريمة والقتل أساسَه، فهو نص بوليسي امتزج بين الحقيقة والوهم فحقق المتعة والدهشة[7].

ولا بد من الإشارة إلى أن مسرح الطفل كان له حضورًا بارزًا في المسرح السعودي، فللأطفال نصيب من النصوص المسرحية السعودية، وقد عُدّ عبد الرحمن المريخي رائدًا لهذا الاتجاه من خلال مسرحياته (يوميات بناي) التي مزج بها بين التمثيل والغناء، وأيضًا (ابن آدم قادم)، وغيرها [8].

وخُلاصة القول، طرقتْ النصوص المسرحية السعودية معظم الاتجاهات، وهذا إن دل على شيءٍ فيدل على وعي الكُتّاب المسرحيين وعدم الارتجال في هذا الجنس الأدبي، فلم يكن هذا التميز الكتابي بمحض الصدفة، وعليه اُختِير لعيّنة البحث نصوصٌ مسرحية سعودية حفلت بها مشاهد الدهشة الدراميَّة، وفيما يلي تلخيصًا موجزًا لهذه المسرحيات:

- ملخص النص المسرحي (جراح بن ساطي) لسامي الجمعان:

كُتب النص المسرحي عام ٢٠٠٣م، من الكاتب المسرحي السعودي سامي عبد اللطيف الجمعان، الذي لم يقتصر إبداعه على التأليف المسرحي فحسب، بل امتد إلى مجالات متعددة، فهو شاعر غنائي، وممثل، وباحث، وناقد، وأكاديمي، ومُخرج مسرحيّ، وله مسيرة ثرية ومميزة في المجال المسرحي. صدر له عدد من الكتب المسرحية والنقدية، وحازت نصوصه المسرحية العديد من الجوائز بين أبرز الإبداعات العربية.

دارت أحداث نصه حول شخصية الشيّال (جراح) الذي ظل متمسكًا بفكرة البقاء في الميناء المهجور، وعدم مغادرته والانتقال مع بقية رفقائه الشيّالين إلى الميناء الجديد، الذين ذهبوا مُتتَبِّعين رزقهم أينما كان، فقبع (جراح) وحيدًا في الميناء محاولًا إصلاح الفنار وتعليق القنديل به، آمِلًا أن تستدل عليه أي سُفُن تقصد الشواطئ، إلى أن وصل مسافرون -أربع شخصيات وطفل- قد تحطمتْ سفينتهم بالقرب من الميناء، فاستقبلهم (جراح) بوافر الحفاوة والكرم وظلوا في ضيافته قرابة الثلاث أشهر، إلا أنهم قابلوا تلك الحفاوة بالاستغلال والغدر واللؤم؛ حيث بنوا لهم قصورًا مكان بيت (جراح) وهدموا الفنار وطردوه، وظل (جراح) في صراعٍ معهم إلى آخر حدث مسرحي.

- ملخص النص المسرحي (الحرب حُبًّا) لياسر مدخلي:

كُتب النص المسرحي عام ٢٠٠٣م، من الكاتب المسرحي السعودي ياسر بن يحيى مدخلي، وهو كاتب وباحث ومدرب مسرح، حازت نصوصه المسرحية على الكثير من الجوائز.

تجري أحداثُ نصِّه في قرية تُدمر بفعل الحرب، وتبدأ المسرحية بصوتِ صرخات مولودٍ جديد، انبثق صوته من وسط أصوات القنابل والطائرات الحربية، وهي إشارةٌ إلى ولادةِ حياة جديدة من رحم الدمار، يعمل والد الطفل ضابط مُدافع عن شرف البلاد، منشغلًا بمهامه العسكرية عن أسرته الصغيرة، ذلك الانشغال الذي يُعمق إحساس الزوجة باليأس من عودة زوجها سالمًا، خاصةً مع تتابع أصوات الانفجارات، وتلتقي صدفةً برجل عطوف يساعدها وابنها على النجاة، إلى أن تعثر الأم مصادفةً على زوجها لتعود العائلة وتجتمع -مؤقتًا- لأن الحروب تأبى إلا أن تفرقهم مُجددًا، فتتمكن من سلب الأم، وترك المولود مع أبيه الضابط والرجل المواطن، فتظهر (سُعاد) وهي امرأة شابة تُسهم في رعاية الطفل وصنع الطعام، فينشأ صراعًا جديدًا حين يكتشف (الرجل) نوايا (الضابط) الشهوانية تجاهها، ويتطور الصراع إلى أن ينتهي باتفاق سريع بين (الرجل) و(سُعاد) أدى إلى طعن الضابط، ومغادرتهما المكان حاملين (الطفل) معهم نحو مستقبل مجهول.

- ملخص النص المسرحي (محطة الأرواح الضالة) لعباس الحايك:

كُتب النص المسرحي عام ٢٠٢٢م، من الكاتب المسرحي السعودي عباس أحمد الحايك، وهو كاتب نصوص مسرحية وكاتب سيناريو أفلام، صدر له عدد من الكتب المسرحية والنقدية، وحازت نصوصه المسرحية ومشاركاته على الكثير من الجوائز.

دارت أحداث نصِّه في غرفة انتظار محطة القطار التي احتجز بها مجموعة من الشخصيات العالقة في مرحلة البرزخ -مرحلة ما بعد الموت- فيدور في هذه الغرفة العديد من الحوارات بين الشخصيات حول ماضيهم المؤلم وخساراتهم الفادحة في الحياة الدنيا، وغيرها من الأحاديث الأخرى، كإظهار استنكارهم الشديد من وجودهم في هذا المكان، وأنهم لم ينتقلوا مباشرةً إلى الحرية والخلاص كما توقعوا، مع التأفف والغضب الشديد من سُلطة الحارس التي أجبرتهم على الانتظار الطويل لحين موعد إشارة الصعود على متن القطار والتحرر من هذه المرحلة والمضي قدمًا، إلى أن ينتهي النص دون أن يعطي الحارس أي إشارة لأحدهم، وهو ما يعني بقاء حالهم كما هو عليه.

وبعد استعراض ما سبق، يتجه البحثُ النقدي في صفحاته القادمة إلى استكشاف التِّقنياتِ اللُّغويـَّة وتفاعل اللغة مع عناصر المسرح وتقنياتهِ لتجسيدِ مشاهد الدهشة الدرامية في النُّصوص المسرحيَّة السعُودية الثّلاثة.

أولًا: التقنياتُ اللغوية لتجسيدِ مشاهدِ الدهشة الدراميَّة

تُعدّ الدهشة عنصرًا أساسيًا في العمل الدرامي؛ لكونها قادرة على جذب انتباه المتلقي وإثارته، ومع ذلك فإن تحقيق هذه الدهشة يعتمد على اللغة بالدرجة الأولى، فهي الأداة الفاعلة التي يوظفها الكاتب المسرحي عبر تقنيات متعددة، كالاستعارة، والحوار الداخلي، والحوار الغامض، والمفارقة، والتلاعب بالألفاظ، والتكرار، وترك نهاية النص مفتوحة وغيرها من التقنيات اللغوية التي تجسد المشاهد الدرامية بفاعلية. وفيما يأتي تحليل تفصيلي عن أبرز تلك التقنيات اللغوية التي برزت في النصوص المسرحية السعودية، مع التركيز على دورها في إحداث مشاهد (الدهشة الدراميَّة): الحوار الداخلي (المونولوج):

يُعدّ المونولوج خطابًا داخليًّا يتم بين الممثل وذاته[9]، أي لا يلزم وجود طرف آخر غير الذات، وينبع هذا النوع من الحوار؛ نتيجة دوافع نفسية أو توترات أو صراعات أو مشكلات أو أوهام أو مواقف تعيشها الشخصية؛ فتمارسه لترسل إيحاءات أو أفكار للقارئ، لتمكنه من اكتشاف أعماق الذات[10]، ‏فهو "حديث شخصية معينة، الغرض منه أن ينقلنا مباشرة إلى الحياة الداخلية لتلك الشخصية دون تدخل المؤلف..."[11].

ففي نص (جراح بن ساطي) أسهم مونولوج شخصية (جراح) في تمهيد الطريق لتفجير الدهشة لدى المتلقي، من خلال تعبير الشخصية عن أفكارها الداخلية وصراعاتها النفسية وتمسكها بقناعاتها، التي اتضحت للمتلقي بعد أن غرقت الشخصية في نوم عميق وأبحرت في الحلم، يقول (جراح): "قلت لهم مرارًا ولكنهم لا ينصتون.. قلت لهم: البحر لا يكذب على جراح"[12] وهو ما يكشف للمتلقي إصرار (جراح) على قناعاته في البقاء على الميناء المهجور وانتظار قدوم السفن إليه، على الرغم من كل الدلائل الواضحة التي تُشير إلى هجرة السفن والمسافرين لهذا الميناء والانتقال إلى ميناء جديد، وفي نفس السياق يقول: "السفن قادمة.. قلت لهم: المسافرون قادمون.. والميناء سيضج بالغرباء"[13]، وصولًا لِلَحظة الدهشة الدراميَّة التي تُمثّل لحظة استيقاظه من نومه مفزوعًا -بعد دخول خمس شخصيات إلى المسرح- فيُحدث نفسه ويقول: "بسم الله الرحمن الرحيم ... ما هذا؟ أين أنا؟ هل جاءت السفينة؟ ... من هؤلاء؟ هل هم المسافرون الذين رأيتهم في الحلم؟"[14] فتقنية (المونولوج) في النص مثّلت جسرًا بين أفكار وصراعات (جراح) التي برزت في الحلم، وبين الواقع الحقيقي بعد استيقاظه، فاستمرار (مونولوج) الشخصية من الحلم إلى الواقع عُد محركًا أساسيًا لبناء لحظة الدهشة وتصعيدها لدى المتلقي، فلم يقتصر دورها على التعبير عن الذات فحسب، بل تتعداه إلى إثارة حالة من الإرباك والذهول والدهشة.

أما في المشهد الأول من نص (محطة الأرواح الضالة) يأتي (ياسر) مقتربًا من (غرفة انتظار القطار) وهي غرفة يجتمع فيها الموتى منتظرين لحظة صعودهم للحافلة التي تنقلهم لمصيرهم، فيقول مُحدثًا نفسه بعد اقترابه منهم: "لم هم ساكنون، جامدون، لا يتحركون؟ أيكونون موتى، أيكونوا مجرد أجساد قذفتها المقبرة أجسادًا ليس إلا؟ يقترب من الرجل العجوز، يلوح بيده أمام عيني الرجل لكنه لا يرمش، ثم ينتقل إلى الشابة ويلوح لها، يبتسم (وهو يطالع وجهها) ما أجملها، لكنها ساكنة بلا روح. الأجساد بلا أرواح، لا معنى لها، جميلة كانت أو ذميمة."[15] فمن (المونولوج) كُشف للمتلقي حالة الذهول والتوتر التي تشعر بها الشخصية، فلم تكتفِ التقنية على إظهار أفكار (ياسر) فحسب، بل عملت على بناء مشهد الدهشة الدرامي كاملًا، من خلال إظهار تساؤلات الشخصية وصراعاتها، وهو ما يؤثر في الجمهور أثناء رؤية المشهد، فكأن المشهد الجامد والصامت يُرى ويتحرك من خلال حديث الشخصية وليس كما هو عليه في الحقيقة، مما يجعل المتلقي مندمجًا في المشهد، يطغى عليه شعور عالي من التوتر والدهشة وترقب الإجابة.

o التناقض بين التوقع والواقع:

يُعنى بالتناقُض أنه التباين والتضاد بين أمرين، كالتناقض بين توقعات الشخصية وواقعها، (كجراح) الذي ظل وفيًا لأرضه وأرض أجداده متمسكًا بصنعتهم وعاملًا بها، إلا أن الحياة لم تنصفه وتكافئه على ما قدم، يقول في نص (جراح بن ساطي): "إن أبصارهم لا تدقق النظر .. ولا تتأمل في الكون، بل لم تعد تلتفت إلا لما كان ضخمًا وبارزًا.. للأسف .. أبصارهم لا تعطي اهتمامًا لمن يلامسون الأرض .. ويطؤون الطين.. ويتمرغون في الوحل، الناس يتابعون بدقة وباهتمام كبير من أعطاه الزمن جاهًا ومنصبًا فحسب"[16]، مما يُظهر خيبة أمل (جراح) واحباطه من المجتمعات التي لا تكترث إلا بالمظاهر والشخصيات البارزة، متجاهلةً للبُسطاء الذي يبذلون جُهدًا حقيقيًا، كاشفًا بحديثه عن شعوره بالظلم الاجتماعي والتجاهل، بالرغم من استحقاقه للتقدير والاهتمام، وهو ما يُضيف بعدًا دراميًا للحدث، يجعل الجمهور في حالة دهشة من الفجوة الكبيرة بين التوقعات -بناء على ما قدمت تلك الشخصية- وبين الحقيقة والواقع المر التي تعيشها.

وكذلك في نص (محطة الأرواح الضالة) التي توقعت شخصياته أن الموت يعني الحرية ونهاية المعاناة، إلا أن النص يكشف عن دوران تساؤلات عديدة لخيبة توقعاتهم، في:

"ياسر: أنا لا أفهم ما الذي يدور هنا. كنت أفترض أن بمجرد أن يدفن الجسد وأخرج منه أكون قادرًا على العودة للبلد الذي تركته عنوة

ناظم: كلنا مثلك افترضنا، لكن يبدو الأمر لا كما كنا نظن
ياسر: والحل؟
إيمان: الانتظار ...
يتجه سليمان للحارس
سليمان: متى ستسمح لنا بالمغادرة يا رجل؟
الحارس: الإشارة، أنتظر الإشارة.."[17]

تكمن المفارقة في اعتقاد الشخصيات أن موتهم ودفن أجسادهم يعني حريتهم وخلاصهم، إلا أنهم يجدون أنفسهم في مرحلة أخرى عليهم مواجهتها، وهي مرحلة انتظار طويلة ليسوا بها أحياء كما في الدنيا ولا أموات كما كان تصورهم عن الموت، بل هم عالقون في مرحلة ما بعد الموت، منتظرين إشارة (الحارس) صاحب السلطة في هذا المكان، وهي إشارة بتوقيت غامض وغير واضح وتتطلب الانتظار، إضافةً إلى أن الإشارة التي يكررها (الحارس) لا تُقدم إجابة واضحة وشافية لأسئلتهم، وذلك يثير استياء شخصيات النص الباحثين عن دليل منطقي يُنهي هذا الانتظار الطويل غير المُبرر، ولكن دون جدوى.

وتطرح هذه المفارقة تصورًا لمفهوم ما بعد الموت، وهي حياة (البرزخ) التي تأتي بعد دفن الأجساد وارتفاع الأرواح وتلاقيها -كما تلاقت شخصيات النص- بعيدًا عن العالم المادي، وكيف أن هذه الأرواح تعيش مرحلة من الانتظار قبل وصولها إلى المكان الأخير، وهي مفارقة تصنع للمتلقي مشهدًا دراميًا مُدهشًا بين التوقع والواقع، فحال الأرواح بعد الموت لا يعني سرعة انتقالها للمصير مباشرة -كما توقعت الشخصيات- بل بمواجهة مرحلة الانتظار في حياة (البرزخ) إلى قيام الساعة.

o المجاز اللغوي:

تعمل إضافة التعابير المجازية في النص المسرحي على جعل التجربة المسرحية أكثر عُمقًا وجمالًا وإثارة، ويظهر ذلك من اقتباس نص (جراح بن ساطي): "لذا كان لزامًا علي أن يضيع عمري وعمر والدي رحمه الله هنا ... بجوار هذا البحر .. هنا على هذا الميناء الضارب في القدم. كان قدري أن أذوب في ملحه.. وأن تكسرني أمواجه"[18]، اُستخدم في النص صور بلاغية، مثل: أذوب في ملحه، وتكسرني أمواجه للتعبير عن حجم المعاناة، وهي صور بلاغية أضفْت طابعًا مجازيًا على الألم، إذ جسدت معاناة الشخصية أمام أعين الجمهور (فجراح) شَبَّه نفسهُ بالمادة التي تذوب من ملوحة البحر، وبالشيء الذي ينكسر أثناء التصدي لأمواج البحر العالية، تلك الكلمات التي تتحول إلى مشاهد مُتخيلة تجسد عذابات الشخصية، مُشكّلةً بُعدًا تصويريًا للدهشة، فهو يشكي قسوة الحياة عليه وعلى والده، وقسوة البشر أيضًا واندفاعهم نحو المناصب والجاه، فالبشر لا تُعير اهتمامًا لمن يكد في عمله ويظل وفيًّا لأرضه وأرض أجداده[19].

ويظهر المجاز أيضًا في نص (الحرب حُبًا):
"الزوجة: أنا مريضة ... وأشعر بدوار ورعشة وجوع.
الرجل: كلنا، نرقص مع الفقر لتكتمل الصورة بحرب تقتلنا"[20]، وهي عبارة غنية بالمجاز وتمتلك تأثيرًا قويًا في إحداث الدهشة الدراميَّة لدى المتلقي، فالجمع بين الرقص والفقر يُعدّ أمرًا غير مألوف ولا متوقع؛ نظرًا إلى ارتباط فعل الرقص بالاحتفال والحياة والسرور، بينما يعكس الفقر حالة الشقاء والبؤس، ويُشير اقترانهما ببعضهما إلى معاناة مُغلفة بالسخرية.

كما مثَّلت عبارة "لتكتمل الصورة"[21] انتقالًا سريعًا ومُفاجئًا بالمتلقي، فهي بمنزلة الجسر اللغوي الذي يربط مشهدين متناقضين: مشهد الرقص الزائف ومشهد الحرب القاتلة، مما يعني أن مشهد الرقص على الفقر ليس سوى جزء من اللوحة الأكبر والأكثر إيلامًا التي تمثّلت في الحرب القاتلة، وهو ما يصنع انفجارًا دراميًا مُحدثًا صدمة وذهول للمتلقي.

o النهايات المفتوحة:

يترك الكاتب المسرحي نصه بنهاية مفتوحة كاسرًا بذلك توقعات المتلقي بالنهايات التقليدية التي توصله إلى إجابات واضحة وحاسمة ومحددة، وهي تقنية تُتيح تفسير الأحداث والنتائج للمتلقي، فيجد نفسه أمام الكثير من التساؤلات غير المُجابة، مما يدفعه إلى إعادة التفكير في الأحداث المسرحية، ويظهر ذلك في نهاية نص (جراح بن ساطي):

"جراح: كفى .. سوف أدبر أمر رحيلكم عبر الميناء الجديد .. ودون أن تصنعوا سفينتكم ...
الأربعة: (بصوت جماعي) أنت .. من .. سيرحل .. من .. هنا .
(يكررون بصوت مرتفع) أنت .. من .. سيرحل .. من .. هنا .
صابر: لن يرحل غيرك يا جراح ...
تعلو من جديد أغنية: (الحب كالميناء .. يستقبل الغرباء .. بعضًا من الوقت .. وتذهب الأسماء ..
والناس والأشياء.. وبعضها يأتي. في نفس الوقت يزحف جراح أرضًا حتى يحتضن بيديه طرف ثوب عروسه، يسلط الضوء البؤري على يد جراح ورقبته وفستان العروس)
ظلام تام .. نهاية المسرحية".[22]

أُنهيت المسرحية بغضب (جراح) من غدر الشخصيات الأربعة (رغبان، حلمان، صابر، ظميان) الذين قدِموا إلى الميناء بعد أن تحطمت سفينتهم، منكسرين إليه ومستنجدين به، فأحسن استقبالهم واستضافهم في داره وعلى أرضه لحين صنع قارب جديد لهم، إلا أنهم قابلوا تلك الحفاوة بالاستغلال والغدر، وبنوا قصورًا لهم على أرضه وهدمُوا فنار الميناء الذي تستدل عليه السُفُن، وظل (جراح) في صراعٍ معهم إلى نهاية المسرحية.

يظهر تصاعد التوتر في المشهد الأخير من المسرحية من خلال (التكرار والصوت الجماعي المرتفع) لعبارة: " أنت .. من .. سيرحل .. من .. هنا"[23] وهي عبارة كشفت عن حالة التمرد والقوة والفظاظة، مما وضع المتلقي في حالة ترقب وخوف، فلنبرة الصوت فاعلية في تحديد "‏موقف المتحدث في وجه ملفوظاته ... وخصوصًا العواطف، والإرادة، والموافقة على الملفوظ"[24]، ويتبع تلك العبارة ارتفاع صوت غنائي لقصيدة (الصيف) للشاعر (أمل دنقل)، وهي قصيدة تحمل في باطنها مضامين سياسية تتوافق مع نص (جراح بن ساطي) الذي برز فيه جانب الاستيلاء واحتلال الغرباء لأرض الغير، وقد تزامن مع الأغنية زحف (جراح) أرضًا لاحتضان حلمه الذي تمثل في (ثوب العروس)، مع تسليط (الضوء البؤري) عليه وإنهاء المسرحية بهذا المشهد، مما يدل على استمرارية تمسكه بحلمه الذي لم يُكتب له التحقق بعد، وهو ما يُسهم في إحداث دهشة للمتلقي، إذ لا زال بحاجة للكثير من الإجابات حول تساؤلاته، فهل طُرد جراح من أرضه أم ظل على حاله مُصارعًا للغرباء؟ هل ستتحقق أحلامه التي تمسك بها؟ هل مثلت شخصية (جراح) تجسيدًا للمواطن الفلسطيني الذي لا زال يُصارع السيطرة بينما تُمثّل (الشخصيات الأربعة) إسرائيل؟ ففي ترك النهاية مفتوحة للمتلقي صعقةً قوية للمتلقي من خلال إشراكه في الحدث المسرحي فهل سنظل ننظر للاحتلال الإسرائيلي دون إحداث أي تغيير؟ أم سنقوم بطردهم واسترداد الحقوق لأهلها [25].

كما ترك عباس الحايك نهاية نصه مفتوحة في (محطة الأرواح الضالة):
"أنس: سنصعد الحافلة وإن لم ترض
الحارس: لن تصعدوا، فما زالت هناك أسرار لم تكتب.. ما زالت الإشارة لم تأت..
ياسر: اللعنة على الإشارة التي لم تأت
شروق: لن أقف هكذا، سأصعد للحافلة..
(... تجمد حركة الجميع.. يدور الحارس عليهم ... ويقف مواجهًا الجمهور وفي يده الدفتر، دفتر الأسرار)
الحارس: لم تأت الإشارة بعد"[26]

انتهى النص المسرحي بنهاية مفتوحة تاركًا للمتلقي الكثير من الأسئلة دون الإجابة على أي منها، فشخصيات النص في كل مره يسمعون صوت قدوم القطار يستعدون للركوب على متنه، مُعتقدين أنها حانت لحظة المغادرة وانقضت مدة الانتظار الطويل غير المُبرر، لكن إشارة (الحارس) لم يحن وقتها بعد، مما يعوق صعودهم للقطار، فيتحرك وينطلق دون أن يحملهم، فظل المتلقي قلقًا لأمرهم مشدودًا لموعد مغادرتهم، مستنكرًا تأجيل صعود الشخصيات إلى القطار في كل مرة! باحثًا عن سبب عدم مجيء إشارة (الحارس) بعد، إلا أن النص انتهى دون تقديم أي حل لأمرهم، ولا أي إجابات لتساؤلات المتلقي، مما حققت له دهشة دراميَّة قوية، فتوقعاته التي تصورها طوال النص المسرحي لم تتحقق، فهل سيغادرون المكان؟ أم سيظلون في حالة الانتظار إلى ما لانهاية؟ وما الأسرار التي كان يقصدها (الحارس)؟ وغيرها من تساؤلات المتلقي التي تمكنت نهاية النص المفتوحة من تركه غارقًا فيها وسط حالة من الدهشة.

وكذلك في نهاية نص (الحرب حُبًّا) لياسر مدخلي:
"الرجل: إنه ينوي اغتصابك، ألم تسمعيه يعدُكِ برد الجميل.
سعاد: يا له من حقير ظاهرهُ جميل وطيب وباطنه بشع ووحشي، لو كنت على حق يجب أن نقتله.
الرجل: إذن اتفقنا! ... (سعاد تدخل وتقوم بطعن الضابط) ...
سعاد: (مرعوبة وبيدها السكين تقطر دمًا) ماذا فعلت؟

الرجل: فعلتِ ما يجيب أن تفعليه من قبل ... (يهمس) هكذا أفضل خذي الطفل وهيا.
(صوت انفجار)
إظلام النهاية".[27]

يتضح من الاقتباس السابق قوة النهاية المفتوحة في إحداث دهشة درامية للمتلقي، تمثّل في التدرج التصاعدي السريع في حدة التوتر -من لحظة الاتفاق على قتل (الضابط) إلى لحظة إتمام المُهمة- فالتخطيط لعملية القتل عادةً يستوجب التأني والانتباه للكثير من التفاصيل الدقيقة، إلا أن فعل (سعاد) المُفاجئ كسر توقُّعات المتلقي، فالنص لم يحمل إليه أي استعدادات من الشخصيات لهذه الفعلة الشنيعة، بل فاجأهُ مباشرةً بهذا الفعل العنيف غير المتوقع، مما أدى إلى إحداث قفزة درامية مثيرة للدهشة والذهول.

كما يلحظ ردة فعل الشخصيتين -بعد قتل الضابط- فبدت (سعاد) متصارعة مع ذاتها من خلال حالة الرعب والصدمة التي تشعر بها، إضافةً إلى تساؤلها عن فعلتها الشنيعة! أما (الرجل) فظهر في حالة من الهدوء والاستقرار، وهي حالة مستنكرة في هذا الموقف الذي يغلب بطبيعته إحساس الشخصيات بالذعر والخوف، إضافةً إلى تعزيز فعل القتل بقوله: "فعلتِ ما يجب أن تفعليه من قبل"[28]، وهو تعزيز مُستهجن يجعل المتلقي يعيد النظر في دوافع الشخصية، ويزداد غموض المشهد مع لحظة اصطحاب الطفل والخروج من المكان، ويتزامن مع تلك اللحظة (صوت الانفجار) الذي انتهى معه العمل المسرحي، مما أدى إلى صدمة المتلقي وذهوله من نهاية المسرحية دون تقديم أي إجابات شافية عن مصير تلك الشخصيات؟ وهل تأثروا بالانفجار وأدى إلى حتفهم؟ أم أنه صوت القنابل الحربية ولم يُصبهم منها شيئًا؟ وماذا عن حياة الطفل الذي أصبح في عُهدة الثنائي الذي امتدت أيديهما لاغتيال أبيه الضابط.

وختامًا للمحور الأول يتبين الآتي: عُد نص (جراح بن ساطي) مثالًا بارزًا في توظيفه تقنيات لغوية عديدة لإحداث الدهشة في مشاهد العمل الدرامي، فُوجد (المونولوج) في حوار (جراح) مع ذاته وهو غارقًا في الحلم، مُعبرًا عن أفكاره الداخلية وصراعاته النفسية وتمسكه بقناعاته، وصولًا لِلَحظة الدهشة الدراميَّة التي تمثّلت لحظة استيقاظه واستمرار سير (المونولوج) مع أحداث الواقع، مما جعل التقنية محركًا أساسيًا لبناء لحظة الدهشة وتصعيدها لدى المتلقي، انتقالًا لإثبات وجود تناقض ظاهر بين توقعاته شخصية (جراح) وبين الواقع الذي يعيشه، وهو ما جعل المتلقي يقع في حالة من الذهول عندما اكتشف حجم الفجوة بين طموحات الشخصية وبين واقعها، علاوةً على ذلك تضمن النص صورًا بلاغية أضفت طابعًا مجازيًا على الألم والمُعاناة، مُشكّلةً بذلك أبعادًا تصويرية للدهشة، إضافةً إلى ترك نهاية النص مفتوحة، مما يترك المتلقي في حالة من الحيرة والتفكير، وهو ما يُعزز شعور الدهشة.

يليه نص (الحرب حُبًّا) الذي تضمن على تقنيات لغوية عزّزت من عنصر الدهشة، تمثّلت الأولى في المجاز اللغوي الذي كان له التأثير في المتلقي، والثانية في ترك نهاية النص مفتوحة من خلال قتل الضابط وخروج الشخصيات من خشبة المسرح، مما ترك المتلقي متأملًا للمشهد، مُندهشًا مما حدث، دون أن يُقدم له أي إجابات.

يليه نص (محطة الأرواح الضالة) التي لم يكن (المونولوج) بها مُجرد حِورًا داخليًا للشخصية فحسب، بل كان يشف عن تساؤلات المتلقي ويترجم أفكاره التي تدور في ذهنه، ولكن بصوتٍ مسموع على خشبة المسرح، فبدت الشخصية متماهية مع المتلقي تُشاركه عدم معرفتها بما يحصل، ذلك التماهي الذي أحدث دهشةً للمتلقي، انتقالًا لوجود عنصر المفارقة في النص المسرحي، الذي تمثّل في تصور حياة ما بعد الموت، وأنها تعني الانتقال المباشر للمصير، إلا أن الواقع أن الأرواح ظلت عالقة في حياة (البرزخ)، وهي مفارقة تصنع للمتلقي مشهدًا دراميًا مُدهشًا بين التوقع والواقع.

ثانيًا: تفاعلُ اللغة مع تقنيات المسرح وعناصره لتجسيدِ مشاهدِ الدهشة الدراميَّة:

يعمل التفاعل المنسجم بين اللغة وتقنيات المسرح وعناصره على شحن أجواء المسرح بالدهشة والإثارة، وهو ما يُساعد على تحقيق مُباغتة المتلقي ومُفاجأته، ويتجلى ذلك من خلال تفاعل اللغة مع الإضاءة، والموسيقى، والمنظر المسرحي، والديكور، والأزياء، والإكسسوارات المسرحية، والحركة، والرقص، والتحولات الصوتية المُفاجئة، وكسر الحائط الرابع، وغيرها من العناصر والتقنيات التي تُعزز من التأثير الدرامي للعمل المسرحي. وفيما يأتي تحليل لبعض أوجه التفاعل بين اللغة وتقنيات المسرح وعناصره، مع التركيز على دور هذا التفاعل لإحداث (الدهشة الدرامية):

o التباين والرمزية في المنظر المسرحي:

يُعدّ (المنظر المسرحي) أحد العناصر الأولى التي تُسهم في بناء التجربة الدراميَّة، فللديكور دور محوري في تعزيز عملية التلقي، إذ لا يقتصر وجوده على إشباع البصر فحسب، بل يحمل في طياته رموزًا ومعاني دلالية تُسهم في إغناء التجربة المسرحية، كما يُشير التضافر بين عنصري التباين والرمزية في المناظر المسرحية إلى توجيه انتباه المتلقي وتعزيز إدراكه نحو اللحظات الحاسمة.

في نص (جراح بن ساطي) جاء المنظر العام على النحو الآتي: "فضاء فارغ ينقسم إلى لونين صارخين في التباين هما: خلفية زرقاء داكنة مع بعض البقع الفاتحة تعبر عن امتداد البحر، حد فاصل في الوسط معلق عليه ثلاثة قناديل خافتة الضوء، أرضية سوداء تغطي المسرح والكواليس، عن يمين المشاهد غرفة صغيرة بلا جدران تتكون من سرير متهالك/سقف قماشي يعلوه بعض السعف/قدر حالك في سواده/بعض الصحون القديمة قنديل معلق فوق السرير/صندوق خشبي قديم/حبال متراكمة عند آخر السرير)".[29]

تعددت الأساليب الفنية في المنظر المسرحي السابق منها: تضاد الألوان بين زرقة البحر الداكنة والزرقة الفاتحة التي توحي بامتداده، مما ينمي شعور الغموض والخوف، فالمتلقي يُحدق في فضاء شاسع ووسيع ومبهم، وتُضيف القناديل الخافتة في الحد الفاصل -بين اللونين- بُعدًا من التوتر والترقب، فالإضاءة تعمل بشكل جاد وأساسي "على تركيز انتباه المتفرجين وتوجيه أنظارهم إلى كل ما هو هام وجذاب على خشبة المسرح وإغفال ما عداه [30]، وهو ما أوحى أنه يترقب حدثًا ما على وشك الظهور.

أما عن السواد الذي يُغطي أرضية المسرح، فقد شكّلت عوالم من الضيق والعُزلة والمجهول، مما يُعزّز الشعور بالريبة، إضافةً إلى غرابة المكان: غرفة صغيرة بلا جدران تتكون من سرير متهالك وسقف قماشي، مع وجود صندوق وقدر وصحون قديمة، وحبال متراكمة، وجميعها إكسسوارات مسرحية وُظّفت بالنص لتُعبّر عن حالة الفقر وتدني المستوى المادي والمعنوي للشخصية التي تسكن هذا المكان، ويُعنى بلفظة (إكسسوار) في المجال المسرحي، أنها بعض "مكونات الديكور من أغراض وقطع وأثاث سواء أكانت مرسومة أم موجودة فعليًا على خشبة المسرح"[31]، فالإكسسوارات مستلزمات مهمة يستخدمها الممثلون خلال أداء العروض المسرحية، أي أن دورها لا ينحصر في التزيين فحسب، بل يتعداه إلى الإسهام في خلق الدلالات وبناء الأفكار التي قد يعجز النص عن إيصالها.[32]

وقد ساعدت (الإكسسوارات المسرحية) في النص على إشعال فتيل الغموض والتساؤلات حول المكان، مما يزيد من قُدرة المنظر العام الأولي على إحداث الدهشة منذ بداية المسرحية، إذ "يُمكن عد صورة الدهشة الأولى مفتاحًا لسلسلة من الأمور المدهشة التي ستتابع في القصة"[33].

أما في نص (الحرب حُبًّا) فقد تعددت التقنيات التي أسهمت في تفعيل عنصر الدهشة، ففي المنظر العام للمسرحية: "جزء من قرية مدمرة بفعل القنابل المتساقطة، أصوات أجراس الكنائس، أصوات الأذان، دوي قنابل، رعد وبرق تدرج نحو الهدوء، صرخة امرأة في مخاضها، تليها صرخات طفل وليد"[34]، فالمشهد حفل بالتداخلات الصوتية الصاخبة في دمار القرية وصوت دوي القنابل المتساقطة وانفجارها، وصوت الأذان وأجراس الكنائس، فالمتلقي أصبح في حالة ذهول شديد وتوقع تام لتصاعد وتزايد المأساة، لكنه يُفاجأ بصمت الكون وحالة من السكون يتسلل منها صوت صرخات مولود جديد، وهي مفارقة درامية مُدهشة، ترمز إلى طبيعة الحياة وبصيص الأمل الذي ينبثق من قلب المصاعب والتحديات.

إضافةً إلى رمزية أخرى تمثّلت في تداخل (أصوات الأذان مع أصوات أجراس الكنائس مع أصوات القنابل) وهو ما يرمز إلى عبثية الحروب وجنونها، فأصوات الأذان والكنائس تُشير إلى الرموز الدينية الدالة على السلام والوئام والروحانية، وتُشير أصوات القنابل إلى الصراع والدمار، فحدة المفارقة -على مستوى الأحداث والأصوات- تعمل على الارتقاء بالمشهد من مستوى الأحداث المألوفة إلى مستوى الأحداث الرمزية العميقة، من خلال الجمع بين أحداث وأصوات متضادة أشارت إلى دلالات متناقضة، كدلالة الحياة والموت، والحرب والسلام، والصراع والنظام، وهو تباين يعمل على إثارة الدهشة الدراميَّة، إضافةً إلى واقعية المشهد في استمرار سير الحياة رغم كل شيء، وظهور لحظات الأمل في أحلك الأوقات وأشدها، وهو ما يُجسد نواة الدهشة الدراميَّة التي تخاطب العقل والعاطفة معًا.

ومثال آخر في نص (محطة الأرواح الضالة): "يدخل مجموعة من الأشخاص يرتدون بدلًا رسمية وهم يحملون تابوتًا… ثم يسمع الخطوات ذاتها بشكل غير منتظم تختلط مع صوت ضحكات وأحاديث عابرة غير مسموعة"[35]، قدم النص مشهدين متناقضين، يتمثل الأول في دخول مجموعة من الأشخاص يرتدون لباسًا رسميًا حاملين تابوت الجنازة، يتزامن مع دخولهم موسيقى حزينة تتناسب مع مشاهد الموت والدفن والعزاء، أما الثاني فيتمثّل لحظة عودتهم وخروجهم ضاحكين وبملابس احتفالية! مما يخلق حالة من التناقض والتباين والمفاجأة للمتلقي، فلماذا هذا التحول السريع في أفعالهم؟ خاصةً أنه موقف جنائزي حزين!

كما وردت معلومة عن أزياء بعض الشخصيات في المشهد المسرحي، ففي غرفة انتظار القطار "يجلس رجل عجوز ... وبجانبه شابة في الثلاثينيات ... وبجانبها رجل ستيني ... وتجلس بجانبه سيدة في الخمسينيات ... والمشترك بين الجالسين أنهم كلهم يرتدون ملابس بيضاء على شكل كفن يلفهم ... يجلسون دون حراك"[36] فاللباس الأبيض يرمز إلى الموت والمقبرة، لكنه ظهر في سياق غير متوقع ولا منطقي، وهي غرفة انتظار القطار، مما يخلق عنصر الدهشة ويُعزز جو الغموض وإثارة التساؤلات لدى المتلقي، إضافةً إلى غموض سلوك الشخصيات من خلال جلوسها بالكفن الأبيض دون حراك، مما يثير القلق والفضول حولهم، ففي جمود حركتهم تعبير عن موت الجسد وانتظار المصير.

ويغلب الظن في اجتماع عدة شخصيات لانتظار القطار أنه مشهد عادي ومألوف عن محطات السفر والانتظار وغيرها، لكن حين تكون الشخصيات ترتدي الأكفان! يتحول المشهد من المألوف إلى المستنكر والمستغرب! فلماذا يرتدون الأكفان؟ ولماذا هذا الجمود؟ هل هم أحياء أم أموات؟ وما هذه الغرفة؟ هل هي غرفة انتظار القطار فعلًا؟ أم هي عالم آخر؟ فالدهشة في المشهد المسرحي نبع من كسر توقعات المتلقي والتباين بين توقعاته ورمزية النص، مما استوجب توقفه وإثارة تساؤلاته وتأمل الموقف.

o كسر الحائط الرابع:

يفصل بين خشبة المسرح والممثلين وبين القاعة والجمهور ما يُسمَّى (بالجدار الرابع)، وهو "جدار وهمي يفترض وجوده في مقدمة الخشبة أي في الحد الفاصل بين الخشبة الصالة. والجدار الرابع هو مفهوم له علاقة بشكل التلقي الذي يقوم على الإيهام"[37]، فعندما يوجه الممثل حديثه للجمهور مباشرة فهو بذلك يكسر ذلك الحائط الوهمي[38]، ويرجع الهدف في ذلك "لتعليم الناس وتوعيتهم، لخلق حالة من الوعي العام بين أفراد المجتمع، من خلال طرحه للقضايا السياسية المعيشة، التي يكون لها تأثيرها الواضح في حياة المجتمع والفرد والوطن والأمة، ومعالجة قضايا الطبقات الأوسع والشرائح الأكثر انتشارًا في المجتمع"[39]، فالمراد منها هو رفع الوعي لدى الجمهور ومنعه من الاستغراق في الوهم، بغية اتخاذ موقف ما تجاه ما يشاهد.

وجدت إرشادات (كسر الجدار الرابع) في نصوص الجمعان المسرحية، في (جراح) الذي "يلتفت إلى الجمهور ويقف متحدثًا إليهم مباشرة :أعلم أن الأضواء لا تبحث عن مسكين مثلي .. وأن أمر جراح الفقير لا يعنيكم .. أعلم ذلك!! فأنا مجرد (شيّال) مسكين .. أمتهن حمل البضائع من السفن الراسية هنا إلى تجار المدينة ...لكم أن تتصوروا كم سنة من العمر ضاعت وأنتم لا تشعرون بي .. ولكم أن تتصوروا كم حرق ملح البحر قدماي وكم قطع جلدي .. أتساءل كيف أنكم لم تلتفتوا إليّ!" [40]، فالشخصية حين توجه حديثها للجمهور تكسر استغراقهم في الإيهام المسرحي، (فجراح) يشكو للجمهور فقره وقسوة الحياة عليه، وضياع عمره في هذا الميناء دون أن يتلقى أدنى تقدير من الآخرين، فقد حرقت ملوحة تراب الشاطئ جلد أقدامه في سبيل استقبال سفن عديدة آتية من كل دول العالم؛ لأجل الناس ولخدمة مصالحهم.

إضافةً إلى استخدام (جراح) أسلوب الاستفهام الاستنكاري، في: "كم سنة من العمر ضاعت وأنتم لا تشعرون بي... أتساءل كيف أنكم لم تلتفتوا إليّ!!" [41] وهي تساؤلات غاضبة ومستنكرة وجهتها الشخصية بشكل مباشر ومفاجئ للجمهور -من خلال كسر الحائط الرابع- مما يثير لدى المتلقي شعور الدهشة لخروج الشخصية عن المتوقع وكسرها للحائط الرابع وتحدثها معه مباشرة، وهو ما يعزّز عنصر المفاجأة، كما أضافت تلك الأسئلة نقدًا لاذعًا للمجتمعات التي لا تُبالي بأحوال الأفراد الذين يعيشون على الهامش وكشفت عن حالة النسيان والإهمال الجماعي من المجتمع للشخصيات البسيطة أو الفقيرة، ذلك النقد الذي يباغت المتلقي بالإدهاش؛ لكونه أحد أفراد المجتمع الذي تجاهل هذه الشخصيات ومعاناتها اليومية.

كما وُجِد كسر للجدار الرابع في نص (محطة الأرواح الضالة)، من خلال اجتماع الشخصيات في مرحلة ما بعد الموت، مذعورة من طول الانتظار في هذه المرحلة من حياتها (البرزخ)، يسألون (الحارس) باستمرار عن لحظة خروجهم من هذ المكان، لكنه يكرر إجابته الوحيدة التي مفادها أن الإشارة لم تحن بعد، إلى أن ظهرت تقنية كسر الجدار الرابع في آخر النص المسرحي:

"شروق: لن أقف هكذا، سأصعد للحافلة..

تتحرك باتجاه الخارج لكن تجمد حركتها، إيمان تلحقها فتجمد حركتها، تجمد حركة الجميع.. يدور الحارس عليهم واحدًا واحدًا وهو ينظر لوجوههم وأجسادهم الساكنة. ويقف مواجهًا الجمهور وفي يده الدفتر، دفتر الأسرار.

الحارس: لم تأت الإشارة بعد".[42]

في نهاية النص المسرحي، بعد أن أجاب حارس الأرواح عدة مرات على شخصيات النص المسرحي بأن إشارة خروجهم من هذا المكان لم تأت بعد، توجه إلى الجمهور ووقف أمامهم وحدثهم قائلًا: "لم تأت الإشارة بعد"[43] مما يُحدث صدمة درامية قوية ويخلق جوًا من الدهشة، فالحارس أشرك الجمهور في الحدث لحظة توجيه الحديث إليهم، وحوَّل عرض المسرحية من مجرد عرض درامي إلى تأمل فلسفي حول ماهية الحياة بعد الموت، فأحداث المسرحية ليست محصورة على شخصياتها فقط، بل ستواجه الجميع بلا أدنى شك ومن ضمنهم الجمهور.

o التلاعب الصوتي:

يُعدّ التلاعب الصوتي من التقنيات الفعالة في إحداث تأثيرات درامية قوية في العمل المسرحي، وتتجلى في العديد من الأشكال، كالانتقالات المُفاجئة بين الهدوء والصخب، أو دخول أصوات غير متوقعة كصوت مرور القطار أو قرع الطبول المفاجئ، أو الصرخات الغربية المُفاجئة، أو تداخل الأصوات بعضها ببعض، مما يولد الذهول والدهشة لدى المتلقي.

ففي المنظر المسرحي لنص (جراح بن ساطي):"تتداخل أصوات الرياح العنيفة مع صوت البرق والرعد مع صوت تساقط الأمطار. مع ارتفاع حدة الأصوات السابقة تبدأ الغرفة في التساقط بدءًا بالسقف ثم السرير ثم الصحون حتى تتكوم جميعها، إضافة إلى تطاير بعض أوراق صوت الأشجار في فضاء المسرح الفارغ. تهدأ العاصفة وتتوقف الأمطار ويهدأ المكان فيسيطر صوت موج البحر الهادئ على المكان".[44]

يظهر (التداخل الصوتي) في أصوات الطبيعة الصاخبة (الرياح، والرعد، وتساقط الأمطار) وذلك من خلال الأجهزة الصوتية الحديثة التي أنتَجت تنوعًا كبيرًا في المؤثرات الصوتية التي استفاد منها المسرح للإيحاء بالأحداث والمواقف المسرحية فللأصوات قدرة على تعزيز توتر المشاهد وصنع تأثيرات تمنح شعورًا بالقلق والارتياب والترقب مُثيرة للدهشة [45]، كما أن لها القدرة قدرة في توجيه انتباه المتلقي إلى تطور الحدث وتحولاته القادمة.

ويتزامن مع أصوات الطبيعة الصاخبة تحولًا مفاجئًا تمثّل في تحطيم المنظر المسرحي وانهيار عناصره قطعة تلو الأخرى، فيسقط سقف الغرفة وتتناثر حاجياتها بشكل فوضوي مجتاحةً للفضاء المسرحي، وهو ما يُشكّل ذروة الدهشة الدرامية، فالمتلقي أصبح في حالة ذهول ودهشة عالية، إلا أنه يُفاجأ (بالتباين الصوتي) من خلال التحول المُفاجئ من العاصفة الصاخبة إلى الهدوء والصمت التام، فالتغيرات والتحولات المفاجئة في الإيقاع الصوتي تُسهم في التأثير في المتلقي والتمكن من إدهاشه.

وكذلك نص (محطة الأرواح الضالة) حين "نسمع صوت خطوات أرجل تقترب من خشبة المسرح ممزوجة بصوت موسيقى جنائزية، يدخل مجموعة من الأشخاص … وهم يحملون تابوتًا ... لحظات ونسمع الخطوات ذاتها بشكل غير منتظم تختلط مع صوت ضحكات وأحاديث عابرة غير مسموعة ... وكأنهم خرجوا من حفلة، يتحدثون، يضحكون"[46]، فيظهر (التداخل الصوتي) من خلال تداخل خطوات الأرجل مرةً مع الموسيقى الحزينة، ومرةً مع أصوات الأحاديث العابرة وأصوات الضحكات، ويظهر (التباين الصوتي) من خلال خطوات الأرجل المثقلة من تأثير الفقد، التي يتزامن معها وجود موسيقى حزينة تتناسب مع مشاهد الأسى، وهو ما يصنع جوًا دراميًا حزينًا ومأساويًا، ثم التحول السريع في تلك الخطوات إلى خطوات أرجل نشيطة مع همهمة ضحك خفيف ومتقطع، وهو ما يتناقض تمامًا مع الأجواء السابقة، فالمتلقي يواجه تحول غير منطقي يُخرجه من الحالة الشعورية التي بُنيت في بداية المشهد، فالمتوقع أن تستمر حالة الحزن إلى نهاية المشهد، إلا أن كسر التوقعات ولَّدَت ارتباكًا وتساؤلات حول أسباب تناقض المشهد في وقت زمني قصير، ويكشف التأمل العميق لهذا التناقض عن سرعة تشتت أهل الميت وعودتهم للانشغال بأمور حياتهم الخاصة والحديث عنها، وهو ما يرمز إلى واقع عزلة الميت وحيدًا مع عمله.

حمل المشهد رسالة عميقة من خلال التلاعب الصوتي تمثّل في استمرار الحياة وسرعة انشغال البشر بحياتهم الشخصية مهما كان الفقد عظيمًا، وأن عمل الإنسان هو الرفيق الحقيقي والوحيد الذي يظل معه في وحدته الأبدية، فالانتقال السريع من الحزن إلى الضحك توقـظ المتلقي من غفلته مندهشًا وتدفعه للتفكير حول ما سيبقى معه بعد الموت.

o شخصنة الجمادات:

وهو ما يُعرف بمنح بعض الصفات البشرية للجمادات، والتعامل معها كما لو أنها شخصيات حقيقية وبأسلوب يُظهرها بمظهر الكائنات الحية القادرة على التفكير أو التفاعل أو الشعور، (كجراح) الذي تفاعل مع إكسسوارات غرفته المتدهورة، يقول: "لا جديد.. أرجو أن لا تنزعج يا سريري المسكين أنت متهالك وأنا متهالك مثلك ... (يلتفت إلى القنديل ويحدثه بدلال): لا عليك يا قنديلي الخافت ... أعلم أن الحياة أصبحت قاسية"[47] فحديثه مع السرير والقنديل وكأنهما شخصان حقيقيان يمتلكان مشاعر يكشف الوضع النفسي الذي تمر به الشخصية ويعكس شعورها بالوحدة، ومخاطبته الحنونة مع قنديله الخافت أظهر جانبًا رقيقًا وحساسًا من شخصيته، فكأن (جراح) يشعر من خلال الحديث مع حاجياته بالدعم العاطفي، إذ تظهر بعد شخصنتها وكأنها شريكة في المعاناة ومُتـألمة معه، وهو ما يُفجر دهشة المتلقي الذي يرى كسرًا للحدود المُعتـادة بين الإنسان والأشيـاء، ويرى كيف تُمنح الجمادات أدوارًا حيوية.

وختامًا للمحور الثاني يتبين الآتي: عُد نص (جراح بن ساطي) مثالًا بارزًا في توظيفه لتفاعل تقنياته اللغوية مع تقنيات المسرح وعناصره لإحداث الدهشة في مشاهد العمل الدرامي، من خلال تباين ورمزية منظره المسرحي الأولي، فمن خلال تضاد المنظر عُزِّزَ شعور الغموض والترقب لدى المتلقي، وأضافت الإضاءة الخافتة جوًا من التوتر والانتظار، أما سواد أرضية المسرح والإكسسوارات المسرحية القديمة فقد أضافت بُعدًا من العزلة، وتُسهم جميعها في البناء المتصاعد لإحداث دهشة المتلقي، انتقالًا لتقنية كسر الإيهام المسرحي من خلال طرح التساؤلات الغاضبة والمُستنكِرة للجمهور وهو ما يُعزز عنصر الذهول والدهشة لدى المتلقي، إضافةً إلى ذلك وجد بالعمل المسرحي تحولات صوتية مفاجئة أحدثت تأثيرات درامية قوية من خلال تداخل الأصوات ثم تحولها المُفاجئ ثم هدوئها المُفاجئ، علاوةً على ذلك منحَ (جراح) بعض الصفات البشرية لحاجياته، مما أثار دهشة المتلقي واستغرابه. يليه نص (الحرب حُبًّا) الذي تضمن تبايُنًا ورمزيةً في المنظر المسرحي من خلال اختزاله للعديد من التقنيات التي أسهمت في إحداث مفارقة درامية مُدهشة للمتلقي، وذلك من خلال الانتقال بالمشهد الذي يعج بالتداخلات الصوتية الصاخبة بفعل الحرب إلى صمت وسكون مُفاجئ يتسلل منه صوت صرخات مولود جديد، إضافةً إلى الجمع بين أحداث وأصوات متضادة، ولَّدت دلالات متناقضة تمكنت من إثارة الدهشة الدراميَّة.

يليه نص (محطة الأرواح الضالة) الذي عُثر في المنظر المسرحي الأولي تبايُنًا ورمزيةً أثارت دهشة المتلقي، تمثّلت في التحول السريع في أفعال الشخصيات (أهل الميت) والانتقال من حالة الفقد والحزن إلى الكلام والضحك، وهو ما يرمز إلى واقع الحياة وسرعة انشغال الأشخاص بها، وأن عمل الإنسان هو الرفيق الحقيقي الذي يظل معه في وحدته الأبدية، انتقالًا لتقنية كسر الإيهام المسرحي من خلال التفاتة (الحارس) للجمهور وتوجيه حديثه إليهم وإشراكهم في الحدث، وهو ما ولّدَ إدهاشًا دراميًا قويًا لديه، إضافةً إلى وجود التلاعب الصوتي في النص، تمثّل في اختلاف أصوات خطوات أهل الميت، ففي قدومهم كانت ثقيلة وفي عودتهم كانت سريعة ورشيقة مع همهمات من الضحك وبعض العبارات غير المفهومة، فالتناقض السريع في المشهد أربك المتلقي وجعله في حالة دهشة واستغراب.

الخاتمة

- أثبتت التِّقنياتِ اللُّغويـَّة والمتفاعلة مع تقنيات المسرح وعناصره المُستخدمة في النصوص المسرحيَّة السعُودية -عينة البحث- قدرتها على إحداث مشاهد الدهشة الدراميَّة.

- تنافست النصوص المسرحيَّة السعُودية -عينة البحث- في إحداث مشهد الدهشة الأخير عبر توظيف نهايات مفتوحة بطرق متنوعة، كاستمرار الصراع دون الوصول إلى حل في نص (جراح بن ساطي)، وغياب الإجابات الصريحة وتعمد الغموض في (الحرب حُبًّا)، وإشراك الجمهور في الحدث المسرحي ليُصبح جزءًا من الصراع الدرامي في (محطة الأرواح الضالة)، وهو ما يُبرز نجاح النصوص في تحويل النهاية إلى مساحة غنية بالتساؤلات والتفسيرات العميقة حول المعنى والغاية.

- تَمَكَّنَ التناقض بين توقع الشخصية وواقعها في النصوص المسرحيَّة على إحداث مشاهد الدهشة الدراميَّة، كخيبة أمل (جراح) وإحباطه لحظة اكتشاف عدم تقدير مجتمعه لجهوده وتفانيه ووفائه لأرضه، بل بالعكس قوبل بالظلم والتجاهل. وكذلك في إدراك الحقيقة واستيعابها في نص (محطة الأرواح الضالة)؛ حيث تُصوَّر الشخصيات في حالة صدمة من الانتظار الطويل في حياة ما بعد الموت، فهي لم تصل إلى مصيرها على الفور كما كانت تتوقع.

- عملت تقنية كسر الحائط الرابع في نصي (جراح بن ساطي) و(محطة الأرواح الضالة) على إحداث الدهشة الدراميَّة، من خلال تحدث (الشخصية) مع الجمهور مباشرة، ففي النص الأول قدم (جراح) نقدًا لاذعًا للمجتمعات التي لا تُبالي بأحوال الأفراد الذين يعيشون على الهامش وكشفت عن حالة النسيان والإهمال الجماعي من المجتمع للشخصيات البسيطة أو الفقيرة، أما في النص الثاني تَمَكَّنَ (الحارس) من إشراك الجمهور في الحدث المسرحي وصراعات الحياة بعد الموت.

- ظهر عنصر التلاعب الصوتي في نصي (جراح بن ساطي) و(محطة الأرواح الضالة)، من خلال التحول المُفاجئ من أصوات الصخب إلى صوت الصمت والسكون، ومن أصوات خطوات الأرجُل الثقيلة التي تعكس تأثير الفقد، إلى خطوات نشيطة وسريعة يُصاحبها همهمات الضحك، وقد أسهمت هذه التداخلات الصوتية والتحولات المفاجئة في التأثير في المتلقي وعزّزت من مشاهد الدهشة الدرامية.

- تميّز نص (جراح بن ساطي) بغناه بمشاهد الدهشة الدراميَّة، وذلك من خلال توظيفه للعديد من التِّقنياتِ اللُّغويـَّة، كالحوار الداخلي، والمجاز اللغوي، وترك نهايات النص مفتوحة، إلى جانب توظيفه لتفاعل اللغة مع تقنيات المسرح وعناصره، كالتباين والرمزية في المنظر المسرحي، والتلاعب الصوتي، وكسر الحائط الرابع، وشخصنة الجمادات، وهو ما يجعله نصًا متفردًا بثراء مشاهد الدهشة الدراميَّة.


    المصادر و المراجع
    - إدل، ليون (١٩٥٩م،): القصة السيكولوجية دراسة في علاقة علم النفس بفن القصة، تر: محمود السمرة، ط١، بيروت، منشورات المكتبة الأهلية.
    - بافي، باتريس (٢٠١٥م): معجم المسرح، ترجمة: ميشال ف. خطار، مراجعة: نبيل أبو مراد ، ط١، بيروت، مكتبة الفكر الجديد، توزيع: مركز دراسات الوحدة العربية.
    - البقمي، لطيفة عايض (٢٠١٤م): المسرح السعودي المعاصر موضوعاته واتجاهاته- دراسة فنية، نادي الأحساء الأدبي.
    - الجمعان، سامي (٢٠٠٣م): نصوص مسرحية مسرحيات للكبار والأطفال، المجموعة الأولى، مركز القوس لخدمات الطباعة، عمان-الأردن.
    - الحايك، عباس: صفحته الرسمية، نص محطة الأرواح الضالة، مُسترجع من: https://abbashayek.com/2022/02/24/محطة-الأرواح-الضالة/ .
    - الحصيف، منى صالح (١٤٤٥هـ): سيميائية لغة الجسد، دراسة في القصة السعودية القصيرة، دار أدب للنشر والتوزيع، ط1، الرياض.
    - ديكارت، رينيه (١٤١٣هـ/١٩٩٣م): انفعالات النفس، تر: جورج زيناتي، ط١، دار المنتخب العربي للدراسات والنشر، لبنان.
    - الصلعاوي، التيجاني، العوري، رمضان: معجم اللغة المسرحية مع ثبت في المصطلح عربي-فرنسي-إنجليزي، الرياض، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية.
    - عباس، وصال عبد المحسن (2023م): لغة النص المسرحي ودورها في خلق الصورة البصرية: صورتا الصدمة والدهشة أنموذجًا دراسة في نصوص مختارة من مسرح الطفل العربي المعاصر، مجلة نابو للبحوث والدراسات، مج:1، ع:41.
    - العظمة، نذير (١٩٩٢م-١٤١٣هـ): المسرح السعودي دراسة نقدية، الرياض: نادي الرياض الأدبي.
    - عمر، أحمد مختار (٢٠٠٨م): معجم اللغة العربية المعاصرة، القاهرة، عالم الكتاب.
    - عمر، محمد قيس (٢٠١٢م، ١٤٣٣هـ): البنية الحوارية في النص المسرحي ناهض الرمضاني أنموذجًا، ط١، عمان، دار غيداء للنشر والتوزيع.
    - غنيم، غسان (1996م): المسرح السياسي في سوريا ١٩٦٧-١٩٩٠، ط١، دمشق، سوريا، منشورات دار علاء الدين.
    - لوليدي، يونس (١٩٩٨م): الميثولوجيا الإغريقية في المسرح العربي المعاصر، د. ن، مسترجع من: https://archive.org/details/20201130_20201130_2350/mode/2up .
    - مدخلي، ياسر (1440 هـ،): عزف اليمام - مجموعة مسرحية، النادي الأدبي الثقافي بجدة.
    - المعيقل، الزهراني، عبد الله بن حامد، معجب بن سعيد (١٤٢٢هـ،٢٠٠١م): ‏مؤسسة الأدب العربي السعودي الحديث نصوص مختارة والدراسات المسرحية، المجلد السابع، دار المفردات للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الرياض.
    - هلتون، جوليان (٢٠٠٠م): ‏نظرية العرض المسرحي ترجمة نهاد صليحة، هلا للنشر والتوزيع مصر، القاهرة.
    - هوايتنج، فرانك (١٩٧٠م): المدخل إلى الفنون المسرحية، ترجمة: كامل يوسف وآخرون، القاهرة، دار المعرفة.
    - الياس، ماري، حسن، حنان (١٩٩٧م): المعجم المسرحي مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض، عربي-إنجليزي-فرنسي، بيروت، لبنان، مكتبة لبنان ناشرون.

  • [1] عمر، أحمد مختار: معجم اللغة العربية المعاصرة، ط١، ج١، القاهرة، عالم الكتاب، ٢٠٠٨م، مادة- د ه ش- ص٧٧٧.
  • [2] ديكارت، رينيه: انفعالات النفس، تر: جورج زيناتي، ط١، دار المنتخب العربي للدراسات والنشر، لبنان، ١٤١٣هـ/١٩٩٣م،ص٥٢.
  • [3] عبد المحسن، وصال عباس: لغة النص المسرحي ودورها في خلق الصورة البصرية صورتا الصدمة والدهشة أنموذجًا دراسة في نصوص مختارة من مسرح الطفل العربي المعاصر، مجلة نابو للبحوث والدراسات، مج:1، ع:41، ص342.
  • [4] ينظر: العظمة، نذير: المسرح السعودي دراسة نقدية ١٩٩٢م-١٤١٣هـ، الرياض: نادي الرياض الأدبي، ص69.
  • [5] ينظر: المعيقل، الزهراني، عبد الله بن حامد، معجب بن سعيد: مؤسسة الأدب العربي السعودي الحديث نصوص مختارة والدراسات المسرحية، المجلد السابع، دار المفردات للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الرياض، ١٤٢٢هـ،٢٠٠١م، ص ٩ - ٤٩.
  • [6] المرجع نفسه.
  • [7] مؤسسة الأدب العربي السعودي الحديث نصوص مختارة والدراسات المسرحية، مرجع سابق، ص ٩- ٤٩.
  • [8] مؤسسة الأدب العربي السعودي الحديث نصوص مختارة والدراسات المسرحية، مرجع سابق، ص ٩- ٤٩.
  • [9] يُنظر: بافي، باتريس: معجم المسرح، ترجمة: ميشال ف. خطار، مراجعة: نبيل أبو مراد ، ط١، بيروت، مكتبة الفكر الجديد، توزيع: مركز دراسات الوحدة العربية، ٢٠١٥م، ص ٣٤٣.
  • [10] يُنظر: عمر، محمد قيس: البنية الحوارية في النص المسرحي ناهض الرمضاني أنموذجًا، ط١، عمان، دار غيداء للنشر والتوزيع، ٢٠١٢م، ١٤٣٣هـ، ص٥٧.
  • [11] إدل، ليون: القصة السيكولوجية دراسة في علاقة علم النفس بفن القصة، تر: محمود السمرة، ط١، بيروت، منشورات المكتبة الأهلية، ١٩٥٩م، ص١١٦.
  • [12] الجمعان، سامي: نصوص مسرحية مسرحيات للكبار والأطفال، المجموعة الأولى، مركز القوس لخدمات الطباعة، عمان-الأردن، ٢٠٠٣م، ص٢٧.
  • [13] المرجع نفسه.
  • [14] المرجع السابق، ص٢٩.
  • [15] الحايك، عباس: صفحته الرسمية، نص محطة الأرواح الضالة، مُسترجع من: https://abbashayek.com/2022/02/24/محطة-الأرواح-الضالة/ ، تاريخ الاطلاع: 26 نوفمبر، 2024م.
  • [16] نصوص مسرحية مسرحيات للكبار والأطفال، مرجع سابق، ص١٨.
  • [17] نص محطة الأرواح الضالة، مرجع سابق.
  • [18] نصوص مسرحية مسرحيات للكبار والأطفال، مرجع سابق، ص١٩.
  • [19] المرجع السابق، ص٢٠.
  • [20] مدخلي، ياسر: عزف اليمام مجموعة مسرحية، النادي الأدبي الثقافي بجدة، 1440 هـ، ص٤٣.
  • [21] عزف اليمام مجموعة مسرحية، مرجع سابق، ص43.
  • [22] نصوص مسرحية مسرحيات للكبار والأطفال، مرجع سابق، ص٤٨.
  • [23] المرجع نفسه.
  • [24] معجم المسرح، مرجع سابق، ص ١٠٦.
  • [25] يُنظر: البقمي، لطيفة: المسرح السعودي المعاصر موضوعاته واتجاهاته- دراسة فنية، نادي الأحساء الأدبي، ٢٠١٤، ١٤٣٦م،ص٢٥٨.
  • [26] نص محطة الأرواح الضالة، مرجع سابق.
  • [27] عزف اليمام مجموعة مسرحية، مرجع سابق، ص٥٩.
  • [28] عزف اليمام مجموعة مسرحية، مرجع سابق، ص٥٩.
  • [29] نصوص مسرحية مسرحيات للكبار والأطفال، مرجع سابق، ص١٧.
  • [30] هوايتنج، فرانك: المدخل إلى الفنون المسرحية، ترجمة: كامل يوسف وآخرون، القاهرة، دار المعرفة، ١٩٧٠م، ص٣٧٩.
  • [31] إلياس، ماري، حسن، حنان: ‏المعجم المسرحي مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض، عربي-إنجليزي-فرنسي، بيروت، لبنان، مكتبة لبنان ناشرون، ص٥٠.
  • [32] يُنظر: لوليدي، يونس، الميثولوجيا الإغريقية في المسرح العربي المعاصر، ١٩٩٨م، د.ن، ص٢٢٥.
  • [33] الحصيف، منى صالح: سيميائية لغة الجسد، دراسة في القصة السعودية القصيرة، دار أدب للنشر والتوزيع، ط1، ١٤٤٥هـ، الرياض، ص٧٧.
  • [34] عزف اليمام مجموعة مسرحية، مرجع سابق، ص٤٠.
  • [35] نص محطة الأرواح الضالة، مرجع سابق.
  • [36] المرجع نفسه.
  • [37] المعجم المسرحي مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض، مرجع سابق، ص ١٥٩.
  • [38] يُنظر: الصلعاوي، التيجاني-العوري، رمضان: معحم اللغة المسرحية مع ثبت في المصطلح عربي-فرنسي-إنجليزي، الرياض، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، ص١٠٦.
  • [39] غنيم، غسان: المسرح السياسي في سوريا ١٩٦٧-١٩٩٠، ط١، دمشق، سوريا، منشورات دار علاء الدين، ١٩٩٦م، ص277.
  • [40] نصوص مسرحية مسرحيات للكبار والأطفال، مرجع سابق، ص١٨-١٩.
  • [41] المرجع السابق، ص١٩.
  • [42] نص محطة الأرواح الضالة، مرجع سابق.
  • [43] نص محطة الأرواح الضالة، مرجع سابق.
  • [44] نصوص مسرحية مسرحيات للكبار والأطفال، مرجع سابق، ص١٧.
  • [45] يُنظر: هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، ترجمة: نهاد صليحة، دار هلا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط١، ٢٠٠٠م، ص٢٣٦-ص ٢٣٨.
  • [46] نص محطة الأرواح الضالة، مرجع سابق.
  • [47] نصوص مسرحية مسرحيات للكبار والأطفال، مرجع سابق، ص١٨.