الثيمات الأساسية وتشكلاتها بين نص قصة قطار الساعة الرابعة وثمان دقائق للكاتب الأمريكي رونالد لارسن وترجمته للمترجم السعودي عبد الله الطيب (دراسة موضوعاتية)

رفعة محمد الغامدي

المقدمة

تلعب الترجمة دورًا أساسيًا في تعزيز التواصل والتفاعل والانصهار بين الثقافات والشعوب؛ حيث تُسهم في تجاوز الحواجز اللغوية، مما يتيح تبادل الأفكار والمعارف والثقافات، وتُسهم في بناء روابط ودية ونفعية بين الأمم.

وعندما تقوم الترجمة بهذا الدور المؤثر؛ فإن ذلك يسلط الضوء على المسؤولية التي تقع على كاهل المترجم، ففي عالم الترجمة الأدبية يتعين على المترجم أن يكون فنانًا وساحرًا في آن واحد، حساسًا للتفاصيل والتراكيب اللغوية، محافظًا في الوقت ذاته على جوهر النص وسحره الأدبي المتمثل في الثيمات بكل أشكالها وتفرعاتها.

فعندما يقوم المترجم الأدبي بإعادة إنتاج لنص مماثل إلى حد ما للنسخة الأصل؛ فإن ذلك يتعلق بكيفية إدراكه لأفكار النص وثيماته من بدايته إلى نهايته، متسلحًا بالقراءة والاطلاع، متعرفًا على ظروف نشأة النص الأصلي وأبعاده الثقافية العامة والخاصة، مع احترام الروح الأصلية للنص الأصل.

يشير بيتر نيومارك إلى أن الترجمة قد يكون لها أهداف لدى المترجم، فعملية ترجمة معنى النص الأصلي إلى معنى مختلف وفقًا لنية المؤلف، وعدّ الترجمة ليست مجرد استبدال كلمات، بل هي نقل للمعاني بما يتناسب مع الخلفية الثقافية للقارئ[1] يقودنا هذا التلميح (بنية المترجم وهدفه من الترجمة) إلى ما يجب أن يتخذه كطريقٍ يقوده إلى ترجمة فنية تتحرى الصدق والأمانة، ولكن تتمتع بحرية ومرونة تفرضها الجماليات في النصوص الأدبية.

إن دور الكاتب أن يتبنى ثيماته الخاصة، لا يعبر عنها بصراحة، ولكنه يرتبط بها ويخلص في دسها بين السطور والمتلقي يستشعر وجودها ويكتشفها تدريجيًا من خلال قراءة النص ومعرفة شخوصه وأحداثه، بينما ينقل المترجم الثيمات من خلال الترجمة حسب هدفه، وبما يتناسب مع أفكاره وثقافته.

موضوع الدراسة

ستتناول الدراسة الثيمات الأساسية وتشكلاتها في القصة المترجمة إلى اللغة العربية (قطار الرابعة وثمان دقائق) للكاتب رونالد لارسن[2] من مجموعة الرجل الذي يحب العناق للمترجم السعودي عبد الله الطيب[3] أنموذجًا.

منهج الدراسة

تحليل الثيمات الأساسية في النص المترجم إلى اللغة العربية بالمنهج الموضوعاتي ومقارنتها بالثيمات في النص الأصلي (الإنجليزي).

أسئلة الدراسة

● ما الثيمات الأساسية في النص الأصلي (الإنجليزي)؟
● هل حافظ المترجم على شكل الثيمات في النص المترجم (العربي)؟
● ما الأسباب التي قد تدفعه للتغيير أو الحذف أو الإبداع في نقل الثيمات أثناء الترجمة؟

خطة الدراسة

أهدف في هذا البحث إلى استقراء الثيمات في العمل المترجم إلى اللغة العربية ومقارنتها بالثيمات الأصل في العمل المكتوب باللغة الإنجليزية؛ وذلك باستخدام المنهج الموضوعاتي من خلال تحليل الشواهد في مقاربة دلالية وتفسير مواضع الحذف والتغيير والإضافة والنقل اللغوي الحرفي.

ومن خلال هذه الدراسة سنتعرف على معنى مصطلح (الثيمة)، الثيمات هي الفكرة الأساسية وتفرعاتها في القصة، وتجدر الإشارة إلى أنه مصطلح يتقاطع مع مصطلح الموتيف Motive؛ حيث يعتقد البعض أنهما مصطلحان للمعنى نفسه.

ويميز محمد عناني[4] -اعتمادًا على جيرالد برنس[5] - بين الفكرة (Thème) والموضوع (Motif) (أو الموضوع الرئيس– Leimotif) على أن الفكرة مجردة والموضوع مجسد.

الثيمة هي التي تعطي للقصة معنى ومغزى، قد تكون الفكرة الأساسية، أو وجهة النظر، أو فرضية، أو شعورًا موحيًا بالحزن أو الشفقة أو التفاؤل وغيرها. إنها ما يكتشفه القارئ ويبقى عالقًا في نفسه بعد قراءة العمل الأدبي أو مشاهدة الفيلم أو المسرحية.

ليس من الضروري أن تكون الثيمة مثالية فقد تكون متشائمة أو ساخرة أو شريرة.

وأفضل الثيمات هي التي تكون أكثر تحديدًا وأشد ارتباطًا بالجمهور المستهدف، ويجب أن تكون حاضرة في السطور، لا يفقد القارئ الصلة بها في فترة ما أثناء قراءة النص. ستُقسم الدراسة إلى أربعة مباحث:

المباحث الأربعة

● المبحث الأول: ثيمة الحب والوفاء.
● المبحث الثاني: ثيمة الوقت والذاكرة.
● المبحث الثالث: ثيمة الموت والحياة الآخرة.
● المبحث الرابع: ثيمة آثار الحرب.

حبكة القصة

تدور حول فتاة أمريكية مسيحية تقع في غرام شاب أثناء حفل راقص، ولكنه لا يلبث أن يغادر إلى المعركة بسبب الحرب الأهلية بين الولايات الأمريكية ويغيب عنها تقريبًا ثلاث سنوات برغم وعده المتشدد في العودة، وبالذات على قطار يصل في الساعة الرابعة وثمان دقائق، يتكرر مشهد انتظار الفتاة في محطة القطار، ولكنها لا تجد حبيبها وتستمر بالذهاب موفية بعهدها موقنة بوفائه هو الآخر بعهده، حتى بعد أن أصبحت عجوزًا، وبعد نهاية الحرب تجده في النهاية ينزل من القطار ويلتقيان ويرى كل منهما الآخر لتتفاجأ الفتاة بأنها ميتة وروحها هي التي ترى حبيبها الذي صار روحًا بلا جسد منذ سنوات طويلة، وكان يحوم حولها ولكنها لا تراه.

المبحث الأول:

ثيمة الحب والوفاء

تعرض القصة حب دلتا الذي لا يتزعزع والتزامها بالوفاء لجوشو؛ حيث تنتظره لسنوات طويلة برغم وجود الفرص الكثيرة للاقتران بشاب آخر لما تتمتع به من جمال، مؤمنة بوعده بالعودة، كما آمن هو بحبها لها ووفائها بانتظاره. يستكشف هذا الموضوع عمق التفاني، وكيف يمكن للحب أن يتجاوز الزمن وحتى الموت، إذا وفى الحبيبان بالوعود بينهما.

أنواع الحب والوفاء في القصة:

أول أنواع الحب في القصة هو حب الوالد لابنته، وحرصه على نشأتها وتربيتها تربية صالحة حسب التعاليم المسيحية، ودلاله لها عندما سماها (أميرة الدلتا)، والمقصود بها الفتاة الجميلة صاحبة الشخصية المميزة والذكاء العالي، ودلتا تعود نسبة إلى آلهة الحكمة الإغريقية أثينا. بل وأقام لابنته المدللة حفلًا خاصًا (Cotillion[6]) ليتسنى لها أن تجد زوجًا مناسبًا.

“Her daddy called her his Delta Princess.”

وحيث إن المؤلف لم يذكر شيئًا عن الأم، فإن وجود الأب كان قويًا ومؤثرًا في حياة ابنته؛ فقد حرص هذا الأب لشدة حبه لابنته أن يترك لها منزلًا ومالًا وفيرًا استطاعت به أن تعيش جل حياتها

“Her daddy died, leaving her the house and money”

لقد تناول المترجم هذه الجمل بنقل حرفيّ لا يتجاوز النقل المحايد الذي لا يهتم بما يخالف العقيدة الإسلامية من الأديان الأخرى المشركة؛ فاسم الفتاة الثلاثي (إليزابيث كاترين هولت) هو من تعاليم عقيدة الثالوث والتعميد أيضًا الذي يجهز الإنسان للتوبة المستمرة وتفريغه من الخطايا.

“She had been christened…”

أما في ترجمة (daddy) إلى "والدها" فقد قللت من ذلك الدلال الذي كانت تعيشه دلتا تحت كنف أب محب حنون إلى علاقة تبدو والدية رسمية. كما تعمد أن يحذف مفردة (cotillion) ربما لذات السبب الذي تجاهل لأجله المفردات المسيحية. فوصفه بقوله “حفلًا خاصًا لها" فأظهر ذلك جانبًا من رغد العيش الذي عاشته مع والدها المحب.

الحب الثاني الذي غيّر حياة دلتا هو حبها لجوشو الشاب الوسيم الذي التقت به في حفل موسيقي وقد قررا الزواج.

“They fell in love and would have married”

وعندما تطوع جوشو للحرب ودعته في محطة القطار وقد تشبث كل منهما بالآخر وتشاركا قبلة طويلة.

“Delta and Joshua clung tightly to each other and shared a long, lingering kiss”

تجنب المترجم وصف الحبيبين أثناء العناق كما ورد في النص الأصلي بأنهما تشبثا ببعضهما بإحكام ربما باليدين فقط، مراعاة لنظرات المارة وعادات المجتمع، ولكن المترجم استعان بوصف العناق بأنه حار ذاب فيه العاشقان مما أضاف لمسة رومانسية وجعل المعنى يتماشى بين حرارة القبلة وحرارة الجو في المحطة، وبرغم أن المترجم يعمد إلى التغيير والحذف أحيانًا لكن تغييره هنا جاء واصفًا الحب ولحظات الوداع بين العاشقين بشاعرية وحميمية تفوق ما جاء في النص الأصلي؛ تماشيًا مع اندفاع الشابين وحماسهما وافتتان كل منهما بالآخر.

وها هي تودعه وتصيح عاليًا بوعد أن تنتظره في المحطة عندما يعود

"Goodbye, Joshua,”she cried. “I’ll be here when you come back”

لم يذكر المترجم ذلك الصياح والبكاء؛ سواء أكان بكاء حارًا أم صاحت بصوت عال؛ مما أعطى دلالة البرود والهدوء على الفتاة في وداعها، وهذا ناسب الأسلوب المحافظ المتشدد الذي تعيشه المنطقة ولكثرة الحشود في المحطة آنذاك.

يظهر الحب جليًا شغوفًا من جوشو وهو ينادي دلتا بألفاظ الحب (حبيبتي وعزيزتي) أثناء الوداع

See you soon, my love.”
“Wait for me, darling

لا أجمل من تلك الرسائل المستمرة التي كانت تصل إلى دلتا يبث فيها جوشو أشواقه وحبه، التي تعمد فيها ألا يذكر شيئًا من أهوال الحرب التي يمر بها رأفة بها وخوفًا عليها.

Letters from Joshua arrived periodically, all pouring out his love”"

ولكن المترجم قلل من كمية المشاعر التي في الرسائل عندما وصفها بالمليئة بينما النص الأصلي عبر عنها بما هو أكثر من الامتلاء “pouring out” بمعنى تفيض.

“I can’t wait to hold you once more"

يغير المترجم مرة أخرى في ترجمة مفردة أخرى “hold” التي ذكرها المؤلف على لسان جوشو في رسالته لمحبوبته بشكل كلاسيكي حذر خشية وقوع الرسائل في يد أحدهم، فتصبح في الترجمة " أضمك إلى صدري".

Delta kept writing, kept hoping, kept praying""

يستمر التغيير في كلمات القصة وهذه المرة لسبب لغوي بحت؛ فكلمة “kept” تتكرر ثلاث مرات؛ اعتمدها الكاتب ليحافظ على رتم الجملة بتكرار الكلمة مما يعطي موسيقى خاصة، لكن المترجم يغير الفعل ليناسب ما بعده "مستمرة بالكتابة، متمسكة بالأمل، متصبرة بالصلاة"، مما سلط الضوء على قوة الوفاء لدى دلتا واتزانها في انتظار الحبيب الغائب، وقدرتها على تنوع مظاهر هذا الوفاء، فهي تكتب باستمرار وتتمسك بالأمل وتصلي لتصبر نفسها.

إن هذا التغيير عند المترجم جاء نتيجة براعته وتمكنه من اللغة العربية الثرية التي تمده بمفردات معبرة تخدم المعنى وتزيده جمالًا.

Joshua will keep his promise to me, and I’ll keep my promise to him”"

وظّف المؤلف المنولوج الداخلي؛ فها هي دلتا تحدث نفسها وتذكرها بوعد جوشو لها ووعدها له، وعندما تلتقي معه كأشباح تتساءل بغرابة ودهشة كيف استمر في الوفاء لها حتى بعد أن فارق الحياة!

فيخبرها أنه هو الآخر كان يراها وهي تنتظره في كل مرة ويحوم حولها مرددًا لها عبارات الحب

You came here every day as a ghost for me?"”

“I came every day because you were here waiting for me”

" and tell you how much I love you”

لقد تلاقت أرواح العاشقين في المحطة؛ أحدهما ميت والثاني على قيد الحياة، وهذا أمر بالغ العذوبة والروعة، وتأكدًا من ذلك بعد أن ماتت دلتا وصارت شبحًا مثله وراح يذكرها، فتأكدت أنها لطالما شعرت به في كل مرة يحوم فيها حولها.

“I think sometimes you might have felt me here”

“I think I did. I really think I did”

الحب الثالث في القصة هو حب جوشو لمدينته ووفائه لها بالدفاع عنها، والتضحية بروحه من أجلها.

Joshua heeded the call to defend his beloved south”"

لبى جوشو نداء الحرب دفاعًا عن موطنه الولايات الجنوبية. استبدل المترجم وصف (المحبوب/ beloved) بكلمة (موطنه)؛ مما جعل المشاركة في الحرب تبدو كواجب وطني مفروض عليه بينما تبدو في النص الأصلي أكثر شغفًا وفداءً وحبًا.

لقد نالت هذه الثيمة (الحب والوفاء) من المترجم عناية فائقة، وسخاء ملحوظًا، في توظيف اللغة العربية بالاستبدال أو الزيادة أو الحذف أثناء الترجمة، لقد ظهرت ثيمة الحب وكأنها العمود الفقري لحبكة القصة، فالحب الساخن بين العاشقين نال حظًا وافرًا من النقل والوصف بما يناسب بيئة الأحداث وظروف الأبطال.

المبحث الثاني

ثيمة الوقت والذاكرة

يُعدّ موضوع الوقت أمرًا بالغ الأهمية؛ حيث إن الوقت برغم دقته ومعناه الصريح الذي لا يؤول، صار في القصة يحمل قيمة نسبية تطول وتقصر حسب ظروف بطلي القصة، فيمتد التزام دلتا ووفائها لسنوات طويلة؛ فيعتريها الكبر وتنتقل إلى مراحل في عمرها مما يظهر تناقضًا صارخًا بين رويتنها المستمر وحتمية الشيخوخة. بينما يبقى جوشو على حاله وكأن الوقت توقف عند لحظة موته.

تلعب الذاكرة دورًا في كيفية بقاء الشخصيتين متصلتين من خلال حبهما وتجاربهما المشتركة، حتى بعد الموت.

(Waiting For The 4:08)

لقد ترأس الوقت المشهد منذ البداية فجاء في عنوان القصة؛ وقتًا محددًا دقيقًا لا يكتفي بذكر الساعات، ولكن الدقائق نالت نصيبها من الاهتمام، ولولا الذاكرة لنسي المسافرون وقت وصول القطار.

لا يستطيع المترجم سوى أن يذكر الوقت كما هو، فالرقم لا يحتمل الحذف والتغيير، ولكنه حدد وسيلة المواصلات بالقطار برغم أن الصيغة باللغة الإنجليزية تحتمل أي مواصلات أرضية دورية منتظمة كالقطار والحافلة.

ارتبط الوقت ببطلة القصة دلتا منذ ولادتها ونشأتها وهي طفلة، ثم بلوغها سن الشباب اليافع الذي نالت فيه الكثير من الدلال والحب وأقيمت خلاله الحفلات لأجلها. واشتهرت بجمالها، فقد كانت تملك عيون زرقاء متلألئة، وبشرة بيضاء خالية من العيوب، وشعر أسود داكن، وجسد رشيق كغزال.

"Delta grew up to be the prettiest girl in Littlefield: raven hair, flawless white skin, twinkling blue eyes, lithe as a deer”

هنا، تصرف المترجم بحرية أكثر وخاصة في وصف ملامح دلتا وجمالها، فوصف المترجم شعر الفتاة بالأسود فقط، ولكنه في النسخة الأصل كان وصفًا دقيقًا بأن شعر الفتاة يشبه سواد ريش الغراب وهو سوادٌ لامع ممزوج بزرقة كل ذلك بمفردة واحدة “raven”؛ حيث تُقال هذه المفردة خصيصًا عند وصف هذه الدرجة من اللون، وكما هو معروف أن سواد الشعر في مجتمع الولايات الجنوبية كان من علامات الجمال لندرته، وربما تجاهل المترجم الإشارة إلى الغراب لما يحتمله الوصف من قبح.

أما في وصف ضحكة الفتاة المدللة الشابة فقد شبهها المؤلف بصوت خاص، ترجم بأجراس الكنيسة سيما وبداية القصة وصفت نشأة الفتاة في أجواء دينية مسيحية لكن النص الأصلي لا يمكن أن يصف ضحكة الفتاة بصوت أجراس الكنيسة المخيف، بل ذكر نوع معين من الأجراس يسمى أجراس الرنين[7] تصدر صوتًا ناعمًا عند هزها، وهذا ينسجم مع بقية الصفات، مثل: الجمال، والأدب، والتربية المحافظة لفتاة شابة خجولة.

وعند الحديث عن الرشاقة أضاف المترجم كلمة "جسد" فحوّل الرشاقة إلى دلالة فيزيقية مرتبطة بحركة الفتاة، وربما قصد الكاتب الأصلي رشاقة في الرقص والحديث والابتسام والتعامل، مما كان يعجب المجتمع ويجعل الفتاة مرغوبة للزواج.

ولا ننسى أن كل هذا الجمال مرت عليه عقارب الساعة فبات مختلفًا يصوّر امرأة عجوز.

Tall, handsome, flaxen-haired youth” "

إن وقت الشباب يتقاسمه جوشو مع حبيبته دلتا؛ فهما من ذات السن كما يظهر من حضورهما حفلات الموسيقى الاجتماعية؛ وهذا بدا جليًا واضحًا عندما استعان المترجم بمفردة (الكتان) لوصف مفردة أمريكية دارجة توضح لون الشعر الأشقر الباهت والمائل للون البني وبرغم أن لفظة الكتان لم ترد في النص الأصلي لكنها أقرب إلى وصف درجة اللون فهو شاب لم يغزُ الشيب شعره بعد، تمامًا كما وصف شعر دلتا بالأسود واكتفى؛ فهو شعر فتاة لا زالت فتية

الوقت لم يكن في صالح دلتا، فها هي تكبر في العمر وتظهر عليها علامات التقدم في العمر: شعر رمادي وبقع الشيخوخة على بشرتها وأصيبت يداها بالتهاب المفاصل.

“Delta’s hair turned gray, her face became lined, her skin became wrinkled and covered with age spots, her hands started to become arthritic”.

ولكن عند وصف الخطوط على وجهها قال المترجم "غزت التجاعيد وجهها". لو ترجم المعنى حرفيًا لأصبح غريبًا مضحكًا (أصبح وجهها مخططًا!) ولكن التغير جاء أقرب للطبيعة البشرية؛ بل وأضاف مفردة (غزت) لتناسب ظروف الغزو والحرب في وقت القصة وتطور وتسارع الأحداث.

“Every day Delta donned a yellow frock and bonnet”

لا شيء من علامات التقدم في العمر يحول دون ارتداء دلتا نفس الملابس التي ودعت بها حبيبها، الفستان الأصفر وغطاء الرأس، لا بد أنها عالقة في ذاكرة جوشو وسوف يتعرف عليها بمجرد أن يراها.

“On a sultry day in May 1861”

ورد الوقت بدلالة عظيمة الأهمية ففي العام 61 قامت الحرب الأهلية بين الولايات الشمالية والجنوبية وانتهت بعد أربع سنوات “Finally, in April 1865...The war is over” وأجزم بأن هذا التاريخ محفوظ في ذاكرة الولايات الأمريكية، وبرغم أن الوقت يبدو قصيرًا بالنسبة لحرب أهلية إلا أنه بدا لدلتا كأعوام لا نهاية لها.

had a cup of tea at 3:30, left her home at 3:40"”

أولى المؤلف عناية ودقة بالوقت؛ فهو يذكره بالساعات والدقائق عندما يصف روتين دلتا اليومي الصارم الذي دأبت على ممارسته دون كلل أو ملل في مرات كثيرة متكررة، برغم أن قطار الجنرال بوريجارد كان يصل متأخرًا.

“Sometimes the decrepit old train limped into town on time, but most days it arrived late, when it arrived at all”

وفي أحيان لا يصل أبدًا؛ لقد تغلبت دلتا في دقتها والتزامها بالوقت إلى حد فاق انضباط القطار نفسه. علمًا أن المترجم لم يفوت بدقته أن يصف وضع القطار المتدهور كما ورد في النص الأصلي ليجد له عذرًا في التأخير.

An ugly-looking, bright red stain covered the breast of his gray jacket”"

"وغطت بقعة حمراء قبيحة المنظر صدر سترته الرمادية"

عندما مات الجندي بعد إصابته برصاصة في صدره وخرجت روحه وصار شبحًا خارج الجسد، احتفظ بشكله حين وفاته وتوقف الوقت، فبقي سنوات على مظهره وقت الموت. وهذا ما فقد في الترجمة التي لم تشر إلى مفردة (bright) وتعني أن البقعة ما زالت قانية اللون طازجة، وأظهر هذا الحذف طيف الجندي بشكل متقادم باهت وأهمل هدف المؤلف في بناء نسيح عالم الأموات الذي يقف فيه الوقت.

“الوقت لا يعني الكثير لشبح مثلي”

Time doesn’t mean much to a ghost”"

الوقت أصبح نسبيًا غير دقيق؛ لا يشعر به جوشو منذ وفاته عام 64. كان لا يعرف متى يحل المساء إلا إذا طلع القمر “The moon came out. I realized I was floating”.

يجد نفسه يدور في حلقة مفرغة يستمدها من ذاكرة الطفولة فيجد نفسه جالسًا حول شجرة المنغوليا التي عرفها في مزرعة جده، ثم شابًا سائرًا مع أفراد فرقته الأشباح في كتيبة عسكرية، ثم في المقبرة الجماعية حيث انتهت حياته.

يركب القطار ويعود الى المحطة كل يوم في ذات الوقت تكرار الفعل في ذات الوقت؛ فهو يجد نفسه في قطار (الأشباح) عائدًا إلى ليتلفيلد في تمام الساعة الرابعة وثمان دقائق.

إن تباين مرور سمة الوقت للبطلين أمر لافت عجيب؛ فدلتا كانت شابة تحلت بجميع صفات الجمال، ولكن جسدها فقط ساير الطبيعة البشرية في التقدم في العمر ظاهريًا، بينما كانت في قرارة نفسها ما زالت تعيش في ذاكرتها الشابة. إن الحب أبقى دلتا شابة فتية بروح لا تشيخ؛ ورمزية ثيمة الحب هنا تتصارع مع ثيمة الوقت فينتصر الحب.

بينما جوشو بقي على نفس المظهر والحالة الجسدية التي مات عليها، شابًا بشعر أشقر داكن يرتدي ملابس الجنود وعلى صدره بقعة دم قانية.

“Won’t be long"

"لن أغيب طويلًا"

يطلب جوشو من محبوبته انتظاره مؤكدًا أن الانتظار (أو المعركة) لن تطول بينما يقول المترجم على لسانه في الترجمة: لن أغيب طويلًا. فنسب نفي الغياب الطويل للشخص وليس للحدث. وإن كان غياب البطل يتوقف على طول المعركة أو قصرها، والمعنى سيان؛ فقد أوحى بثقة زائفة من شاب صغير طائش يوقن أنه سيعود منتصرًا ولن يطيل الغياب، بينما تبادله فتاة صغيرة عديمة الخبرة وعدًا بالانتظار.

بالرغم من أن هذه الثيمة (الوقت والذاكرة) قد لا تبدو منطقية في بعض جوانبها، ولا يعتد بها في ثقافة المترجم؛ ولكنه أجاد في نقلها وترجمة معانيها الحساسة الدقيقة. لقد تفاعلنا مع زمنين متناقضين: أحدهما يتحرك ويترك آثاره في البطلة، والآخر يقف فيبقى البطل كما هو لا يتغير. إن هذه البراعة في الترجمة، برغم حذر المترجم وتجاهله لبعض السياقات التي لا تهمه. ولكن الوقت كان مميزًا لا يشبه أي وقت.

المبحث الثالث

ثيمة الموت والحياة الآخرة

الحياة والموت حقيقتان ثابتتان في الدورة البشرية إحداهما تستجلب الأخرى. هذه الثنائية استولت على الذهن الإنساني، وأثارت الكثير من التساؤلات حول الموت، فما هو الموت؟ ولماذا نموت؟ وماذا بعد الموت؟

إن الموت حق قاطع يقع على الماديات من كائنات بشرية وغيرها، وعلى المعنويات، مثل: موت الأمل والطموح والكراهية.

ولكن الحياة الآخرة عبارة عن عوالم خفية، يستثمر المتحدثون عنها الخيال والأسطورة، وهي رائجة في بيئة المؤلف (الولايات المتحدة) وإلا ما كان كتب فيها المؤلفون وأنتجت أفلام كثيرة حول ذات القضية، وتجد جمهورًا عريضًا يتابعها ويتبنى أفكارها.

تتعمق القصة في مفهوم الحياة بعد الموت، وخاصة كيف تستمر الشخصيات في التواصل مع بعضها البعض حتى عندما يفرقهم الموت. إن فكرة أن الحب يمكن أن يستمر خارج العالم المادي هي فكرة مركزية.

الموت في حياة دلتا:

● الموت الأول:

هو موت والدها الذي مر بهدوء من خلال السرد برغم طبيعة الحب التي تربطها به.

“Months passed, then years. Her daddy died, leaving her the house and money”

تتقاطع ثيمتان في هذا الجزء: ثيمة الوقت الذي يمر في شهور وسنوات وثيمة الموت الذي يحل بالبشر بعد مرور السنوات فيرتبط معنى مرور الوقت بموت الجسد.

● الموت الثاني:

موت دلتا في محطة القطار وعدم إدراكها بذلك؛ حيث تعتقد أنها تعثرت فقط والتقطت أنفاسها وقامت لتكمل المشي إلى رصيف المحطة وكأنها على قيد الحياة، فلما سمعت الضجة خلفها وشاهدت امرأة ملقاة على الأرض لم تشعر للحظة أنها هي وما ذاك إلا جسدها. وهذا عالم الأموات في الحياة الآخرة -حسب معتقداتهم- فالروح تخرج من الجسد وتبقى في حركة دائمة وتنقل حتى تستطيع المرور إلى حياة الآخرة.

"Indeed, you are. Only the body dies. We go on"

“I never noticed an old woman coming here every day”

“حدثت نفسها” تغير أسلوب الكلام لدى دلتا من الحديث بضمير المتكلم في النص الأصلي إلى الحديث بضمير الغائب في الترجمة، وهنا نتوقف قليلًا أمام هذا التغيير الذي ربما أحدثه المترجم ليتناسب مع وضع البطلة التي سقطت قبل قليل وماتت، وحديث النفس في الجملة ما هو إلا صادر من شبح الفتاة، فأصبح ضمير الغائب أنسب، فهي فعلًا غائبة عن الحياة الحقيقية، هي مجرد شبح لا أحد يراه إلا الموتى مثلها.

إنها تنتمي الآن إلى مشهد لعالم الأموات الموازي الذي يتمثل في محطة قطار ضبابية وقطار بخاري قديم وظهور طيف الجندي جوشو بهيئته التي مات عليها ودلتا الميتة منذ لحظات والتقاء روح العاشقين.

المترجم تجاهل هذا العالم المتكامل بإغفال ترجمة بعض الكلمات مما أفقد الصورة جماليتها؛ فإذا كان المؤلف يصف عالم الأموات بهويته الخاصة ويرسم سير الأحداث في تطورها ووصولها إلى ذروة متقنة تنفك فيها الألغاز ويجد العاشقان الإجابات عن التساؤلات، ويقودنا إلى الدخول إلى هذا العالم الموازي بذكر بعض مظاهره التي تمثلت في مشهد محطة القطار الذي يشبه تمامًا ذلك الذي هو في عالم الأحياء باستثناء بعض العلامات؛ فدلتا عندما قدمت للمحطة كان الوقت من اليوم هو الظهيرة، بينما يصف المؤلف مشهد قدوم القطار إلى محطة الأموات بضبابية في الجو جعلت القطار يبدو ويختفي.

The shadowy old engine faded in and out as it pulled up to the platform"."

وجود قطار مماثل للجنيرال بوريجارد في عالم الأموات لكن باسم (قطار الأشباح).

“وجدت نفسي في قطار الأشباح قادمًا إلى (ليتلفيلد) في تمام الساعة 4:08 بالضبط”.

شاع في الماضي أنه حين يُدفن الميت يقوم محبيه وعائلته بوضع بعض مقتنياته الثمينة والمهمة ظنًا منهم أن الميت سيحتاجها في الحياة الآخرة، فربما كان الجنيرال بوريجارد هو ما احتاجه جوشو ليصل إلى دلتا، فالقطار جزء مهم من الوعد الذي تشبث به الحبيبان فيمكن القول إن القطار كان حائرًا هو الآخر حتى أتم مهمته في جمع الحبيبين ببعضهما.

من الممكن أيضًا القول إن الحياة الآخرة هي المكان الذي تذهب إليه الأشياء لتموت، فجاء موت القطار حين استُبدل بقطار الديزل الحديث؛ حيث كان وصف القطار موحيًا بالكبر والإرهاق.

“بتنهيدة متعبة ونفثة بخار توقف المحرك القديم"

● الموت الثالث:

هو موت جوشو منذ سنوات عديدة في العام الذي سبق نهاية الحرب، ولكني أورده هنا لعدم معرفة دلتا به ويقينها التام طوال السنوات السابقة بعودة جوشو لأنه سيفي بوعده.

And a ghostly Confederate soldier — Joshua! — stepped onto the platform”"

“ونزل طيف جندي اتحادي إلى المحطة”

لأول مرة ترى دلتا جوشو وتعرفه، ولكنها تتفاجأ من الهيئة التي كان عليها؛

“He was wearing dirty, ragged gray trousers and a beat-up, faded gray slouch hat. An ugly-looking, bright red stain covered the breast of his gray jacket”

كانت دلتا منذ سنوات طويلة تعيش أملًا عريضًا بأن جوشو سيعود منتصرًا في بدلته العسكرية الأنيقة وطلته الوسيمة، ولكنها لا ترى سوى بدلة رمادية باهتة قذرة وعلى صدر السترة بقعة دم قبيحة، مما جعلها تقف مكانها ولا تكمل اللقاء المتوقع بين عاشقين افترقا لسنوات طويلة.

تتقاطع مرة أخرى ثيمتان عميقتان: ثيمة الوفاء بالوعد من الحبيبين، وثيمة حياة ما بعد الموت فتتاح لهما ميزة الحوار فيشرح كل منهما لرفيقه ما بذله من جهد وحضور مستمر للوفاء بالوعد، ولكن دلتا كانت تقف على طرف الحياة الحقيقة وجوشو كان على الطرف الآخر: الحياة بعد الموت.

I’ve been here every day waiting for you"" تقولها دلتا

I’ve been coming here every day for years"" يقولها جوشو

حوار يدور بينهما يصوّر فيه جوشو صراعه مع الموت.

“I realized I was floating and looked down... And there I was on the ground with a big red stain on my jacket. I was really scared. I tried to get back in my body, but I couldn’t. Then I noticed a couple of other guys leaving their bodies and realized we were all dead.”

● الموت الرابع:

موت الجنود في أرض المعركة ليس بأقل أهمية عن موت جوشو؛ فهم أشخاص ضحوا بحيواتهم الفتية فداء لوطنهم

“"carrying its cargo of eager volunteers off to war

وصف المؤلف الجنود المحملين على القطار بأنهم جنود متطوعين متحمسين، في حين يصفهم المترجم “بحمولته الثمينة من المتطوعين المتحمسين” إنهم ثروة ثمينة فعلًا؛ فأعمارهم شابة قوية تمتاز بالطموح والتفاعل السريع، ولكن هذه الثروة بددت في الحرب وذهبت الأرواح في معركة وصفت بأنها الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة.

"I found myself back on the battlefield; sometimes by the mass grave on the farm where the Yankees buried a bunch of us” للأسف تلك (الحمولة الثمينة) لم تعن الكثير للشماليين، فبعد يوم طويل من إزهاق الأرواح في ساحة الحرب، كان يمر الجنود الاتحاديون بساحة المعركة بناقلات للجرحى ينتشلون الجنود الذين يمكن استخدامهم لاحقًا كأسرى، أما البقية فتمتهن كرامة جثثهم ويدفنون أكوامًا كالقمامة في حفرة واحدة في مزرعة في الشمال.

ليس للموتى في هذه العقيدة بوصلة معينة، هم يتجهون إلى حياة آخرة تلي الموت وخروج الروح، جل ما يعرفونه أنهم سيكونون في مكان أفضل.

يقول جوشو ردًا على دلتا عندما سألته عن الوجهة التي سيذهبون إليها:

“لا أعرف بالضبط. أنا فقط أعلم أن الجنيرال (بوريجارد) سيأخذنا إلى حيث نشاء؛ مهما كان ذلك المكان وأينما كان، فإننا سنذهب إليه معًا.”

"I don’t know exactly. I only know that the General Beauregard will take us wherever we need to go next. And wherever it is, we’ll go there together”

من المؤكد في العقيدة المسيحية أن الأخيار ينتهي بهم المطاف بالذهاب للجنة، وليس من الجيد أن تحوم أرواحهم كثيرًا لأنهم يظنون أن في ذلك عذاب للروح وأنه لا تضيع إلا الروح التي قد ضلت سبيلها في الحياة، غالبًا روحيًا أو أخلاقيًا، ففي الأساطير الإغريقية، يرتبط هذا المفهوم بالرحلات للعالم السفلي حيث تسعى النفوس للخلاص.

في النص الأصلي يقول جوشو لدلتا: إن القطار سيأخذهما حيث (يحتاجان) أن يكونا، في المقابل استبدل المترجم ذلك بـ(حيث نشاء)؛ مما يشير إلى أن الحياة بعد الموت هي عالم عبثي وحر يفعل فيه الأموات ما يشاؤون، وهذا ينافي أساطير ومعتقدات عالم الحياة الآخرة الذي يشير إليه المؤلف، فليس من صالح البطلين أن يبقيا تائهين إذ كانا من الأخيار.

برع المترجم في نقل ثيمة (الموت والحياة الآخرة) برغم أن أحدهما حقيقيًا لا جدال فيه، والثاني فنتازيا خارجًا على الطبيعة، فتناول عدد مرات الموت وخسارة الأرواح بترجمة جادة نقلت الفاجعة بكل ما يتعلق بها من حزن وفقد، لكن البراعة الحقيقية جاءت عند ترجمة كل ما يتعلق بعوالم الغيب المخالف للحقائق الكونية، فصوّرت لنا عالمًا افتراضيًا متكاملًا ينبض بالحياة والحركة. لقد تحمل المترجم مسؤولية النقل بصدق.

المبحث الرابع

ثيمة تأثير الحرب

يسلط السرد الضوء على التكاليف الشخصية والمجتمعية للحرب، ليس فقط على الاقتصاد والجنود، ولكن أيضًا لأولئك الذين يتركون وراءهم أحبة وعائلات. إن ثيمة الحرب وما بعد الحرب تركزت في المشاعر أكثر من غيرها؛ الخوف، القلق، الحزن، الاشتياق وغيرها من المشاعر السلبية لكنها أيضًا تشمل مشاعر الفرح والراحة والرغبة في البناء وإعادة الحياة بعد الحرب.

تُظهر تجارب جوشو وشعوره بالرعب عند القتال، بينما تعكس تجربة دلتا العبء العاطفي للانتظار والشك الذي تسرب إلى نفسها في فترة ما وأضعفها حتى عن أداء أعمالها.

لقد تنوعت آثار الحرب وما يتصل بها من ثيمات لا تكون إلا بعد دمار القتل...

● فرقت الحرب بين حبيبين كانا على وشك الزواج

"They fell in love and would have married, except that the War Between the States — called the Civil War by some — broke out”

● لقد زرعت الحرب الكراهية بين المتقاتلين؛ وما الكراهية والاختلاف إلا المحرك الحقيقي لهذه الحرب، وتأخذ هذه العلاقة أبعادًا كثيرة كالنظرة الفوقية (العنصرية) والثقة بالنفس والتهديد بإيقاع الهزيمة النكراء بالعدو.

“As soon as our boys have whipped the damn Yankees”

“بمجرد أن ننتصر على الشماليين الملاعين “

برغم أن الكلام في النص الأصلي كان لا يبدو راقيًا يناسب الحديث مع فتاة مهذبة، فالشاب يبدو متهورًا متحمسًا , وصف فرقته بالفتيان وتحدث بثقة عن جلدهم للعدو والذين وصفهم بمفردة عنصرية (Yankees)، لكن المترجم أضاف بعض التحديد إلى الترجمة، فاستبدل كلمة (الجلد والضرب) بكلمة ننتصر, مما أضفى قوة على الجنود, ولم يذكر الوصف العنصري الخاص بسكان الولايات الشمالية (يانكيز) وعوضه بوصف الشماليين، مما أفقد النص أصالته في الإشارة إلى سبب خطير لهذه الحرب وهو نظرة الشماليين إلى الولايات الجنوبية التي يقوم اقتصادها على العبودية.

● موت الكثير من الشبان في أرض المعركة وشعور الخوف والرعب الذي أصاب جوشو والجنود الذين معه؛ فكانوا يسمعون الآهات والصراخ وهم مستلقين على الأرض لا يقدرون على شيء بسبب إصاباتهم، ترى كيف يستطيع هؤلاء متابعة حياتهم بعد الحروب؟ هل يستطيعون التخلص من آثار تلك المناظر الدامية والأصوات المخيفة؟

“I could hear the sounds of shooting and yelling and screaming; but I was hurt bad, and there was nothing I could do”

● امتهان كرامة الجنود وإنسانيتهم بعد إصابتهم وتجاهلهم وعدم إنقاذهم وكأنهم أدوات للقتل فقط.

“They looked at me, but must have figured I was dead or so far gone it didn’t matter, so they left me lying there”

● استمرار أهوال الحرب وتأثيرها في الجنود حتى بعد موتهم وتحولهم إلى أشباح حائرة تبقى في عالم خاص بها حتى تتمكن من العبور إلى الحياة الأبدية.

“I don’t exactly know where I went after that”

لقد كان الاستسلام نقطة حاسمة أكدت انتهاء الحرب وتنفس الناس الصعداء

“الجنرال لي استسلم“

“General Lee has surrendered”

كعادة المترجم في نقل الأعلام فهو يوردها كماهي، ولكن الجنرال لي كان مشهورًا بشهرة الحرب ذاتها (روبرت لي)، وقد شارك في حرب الولايات المتحدة مع المكسيك. عرف برفضه للعبودية. وإذا كان المؤلف ذكر اسمًا مختصرًا لشخصية معروفة في المجتمع الأمريكي، فهي غير معروفة في النص العربي المترجم سوى أنه اسم لجنرال قاد الحرب؛ مما سيحرك فضول القارئ ليذهب للبحث عنه.

● تسمية القطار بالجنيرال بوريجارد

لم يذكر تاريخيًا وجود قطار باسم جنيرال معين في الولايات المتحدة الأمريكية، إنما شاعت تسمية القطارات آنذاك بأسماء ترمز للقوة والقيادة كـ(الجنيرال)، وفيكتوريا (أي النصر)، لكن المؤلف اختار أن يسمى القطار بـ(بوريجارد) نسبة للجنيرال (بيير غوستاف بوريجارد) وهو شخصية عسكرية كونفدرالية مهمة، فهو من بدأ الحرب الأهلية دفاعًا عن الولايات الجنوبية ضد ضغوطات الولايات المتحدة السياسية. من الممكن الترجيع أن المؤلف قصد بهذه التسمية أن يسلط الضوء على القوة العسكرية التي كانت تسيطر على الولايات الكونفدرالية آنذاك.

● سعادة الناس بالأنباء التي أعلنت توقف الحرب، سرى الخبر مثل زوبعة، لقد انتشر الخبر بسرعة عظيمة وساد شعور بالراحة وتلاشت مشاعر القلق والخوف، حتى دلتا تبخر قلقها وخيم عليها الهدوء.

"Finally, in April 1865, word spread through Littlefield like a whirlwind: “The war is over

“That day, something snapped in Delta’s mind. Upon hearing the news, her anxiety evaporated”

● نهاية الحرب أخرجت الناس من الكساد بصعوبة، وحاولوا بناء مدينتهم ببطء بسبب موت الكثير من الرجال في الحرب ودمار الكثير من معالم المدينة، مثل: سكة القطار.

“The General Beauregard was replaced by a newer, modern diesel locomotive; the old weather-beaten, dingy passenger cars were replaced by newer rolling stock; and the town very slowly changed”

الحرب أمر قطعي له تاريخ ومكان وزمان وأسباب وآثار، وعند نقل هذه الثيمة إلى اللغة العربية، نلاحظ أن الترجمة لم تنتقص من أهميتها، فقد تلمس القارئ جميع ما خلفته الحرب وراءها من تغيرات سواء إيجابية أو سلبية، شعر بالدمار والفقر والموت، ولكن فرح بعودة الحياة من جديد.

الخاتمة

تضمن هذا العمل الأدبي (قطار الساعة الرابعة وثمان دقائق) ثيمات أساسية هي: الحب والوفاء، الوقت والذاكرة، الموت والحياة الآخرة، وآثار الحرب.

لقد تفاوت ظهور الثيمات بين النصين الأصل (باللغة الإنجليزية) والمترجم إلى (اللغة العربية)، وحيث إن النص المترجم هو أنموذج الدراسة، فقد جاء مقاربًا إلى حد ما فيما يخص الحبكة والشخوص وتواتر الأحداث.

لكن برزت الثيمات وتوارت، قويت وضعفت، في النص المترجم لا محالة، ولكن ليس بالقوة والوضوح المرجو كما حدث في النص الأصلي، فالقارئ يضع يده على ثيمة الحب العاطفية متأرجحًا بين اليقين والشك أن يكون الحب هو المحرك لجميع تفاصيل القصة، ولكنه يلمسه منذ بداية القصة حتى آخرها؛ حتى يتأكد أن الوفاء كان رافدًا قويًا للحب ودافعًا له للاستمرار.

وهل تسير الحياة هكذا بدون وقت وأزمنة؛ طالت أو قصرت؟ تواترت أو تفرقت؟ لا، طبعًا؛ فالوقت كان ثيمة مفصلية جعلت النص متماسكًا منذ البداية وحتى آخر مقطع في القصة برغم مرور السنوات الطويلة تغذيها الذكريات السعيدة والحزينة على حد سواء.

ثم يكوّن القارئ لمحة شاملة عن ثيمة الموت ومظاهره المؤلمة الحزينة مهما تغيرت الأماكن؛ في المدينة أو في أرض المعركة، يبقى الموت موجعًا، ولكن الأمل المنشود بحياة أبدية جميلة وادعة يستمر يداعب الأشباح وحتى الأحياء لتجد الأرواح خلاصها وراحتها فيما بعد الموت.

أما ثيمة آثار الحرب فقد ظهرت دون شك، برغم أنها تدور حول الحرب الأهلية بين الولايات الأمريكية، ولكن آثارها عمت جميع مرافق الحياة العامة والخاصة وما أحدثته من تغيير جدري في نظام الحكومة، لقد طالت حتى النفوس والمشاعر وغيرت الأفكار وقلبت القيم.

لقد تبنى المترجم جميع أفكار وموضوعات القصص التي ترجمها في مجموعته، بما فيها القصة موضع البحث، فهي تعبر عن رؤيته كما عبرت عن رؤية المؤلف، ومع أن علاقة المؤلف بالنص علاقة وطيدة هي علاقة الخلق، وعلاقة المترجم هي علاقة النقل؛ فإن المترجم يجب أن يحسن اختيار النص الذي يترجمه ويتماهى معه، ويغوص في أفكاره وبعد ذلك يترجمه بنوع من (التوطين) بما يناسب ثقافته.

إن هذا التطويع والتغيير من المترجم يُعدّ تأليفًا يدعم الترجمة، بما يناسب أهداف المترجم دون الإخلال بحبكة العمل الأدبي.

إن المترجم لم يتجاوز آفاق الثيمات الثلاث أو يلونها بغير دلالتها، إلا فيما يخص ثيمة الحياة الآخرة وأجزاء من ثيمة الوقت وذلك لأسباب شخصية أو ثقافية.

إذا كان المترجم قد نقل لنا نصًا مؤلفًا قريب الشبه أو بعيدًا عن الأصل؛ فهو عمل لا يقل روعة وجمالًا عن أصله.


    المصادر و المراجع
    ● Riim Saleh, نظرية بيتر نيومارك في الترجمة, October 22, 2024, الرابط الإلكتروني November 22, 2024.
    ● Larsen, Ronald. “Ronald Larsen Bewildering Stories biography” www.bewilderingstories.com , Bewildering Stories, March 2011.
    ● Wikipedia contributors. (2024b, October 12). Cotillion. Wikipedia. https://en.wikipedia.org/wiki/Cotillion
    ● Pavielle. (2024, June 11). Overcoming Deception: Why I had to denounce Delta sigma Theta sorority. Pavielle the Purpose Coach.
    ● Wikipedia contributors. (2024d, November 9). P. G. T. Beauregard. Wikipedia. https://en.wikipedia.org/wiki/P._G._T._Beauregard
    ● حمداوي، د. جميل، "المقاربة الموضوعاتية في النقد الأدبي" ندوة، September 2022.
    ● وغليسي، د. يوسف، إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي، الدار العربية للعلوم ناشرون، ٢٠٢٢.
    ● شني، د. فيروز، علم الترجمة من النظرية إلى التطبيق، دكتوراة جامعة الإخوة منتوري- قسنطينة.
    ● الحاج، مايا، "مترجمون عرب يتحدثون عن مشاكل الترجمة من الأجنبية إلى العربية... ويطرحون تصورات"، صحيفة إندبندنت العربية، 3 سبتمبر 2019، الرابط الإلكتروني.

  • [1] نظرية بيتر نيومارك في الترجمة.
  • [2] قاص أمريكي ومهندس كهربائي متقاعد. نشر الكثير من القصص القصيرة.
  • [3] السيرة الذاتية والأدبية للمترجم.
  • [4] محمد عناني هو مترجم وأديب وكاتب مسرحي وناقد وأكاديمي مصري، لُقّب بــ "عميد المترجمين" و"شيخ المترجمين العرب".
  • [5] جيرالد برنس هو مؤرخ أدبي أمريكي.
  • [6] كوتليون: قصة الريف الفرنسي هي رقصة اجتماعية شاعت في القرن الثامن عشر.
  • [7] أجراس الرنين: أجراس صغيرة توضع في الزاوية العليا لأبواب المحلات القديمة، وتستخدمها السيدات لنداء الخادمات قديمًا.