“صندوق بعينين” لـ(مالك آل فتيل) رواية تعتمد على التداعي

جعفر البحراني

لمحة عامة

صدرت الرواية عام 2023 م، عن دار ريادة للنشر والتوزيع، في 163 صفحة من القطع الوسط، تتصدر الغلاف لوحة تشكيلية تنتمي للمدرسة التكعيبية، وتنطلق من التجريد اللوني القائم على تداخل الألوان.

تتناول الرواية حدثاً مدته ثلاث ساعات من حياة الشخصية الرئيسة، يظهر البطل قابعاً في غرفته، لكنه يعود بالذاكرة إلى سيل من الأحداث، حيث تتداخل الأزمنة والأمكنة، وينهمر في التعبير عن نظرته حول الأمكنة والشخصيات التي تمر بها ذاكرته، ومعها والداه ومكان إقامته، ومواضع أخرى أقام فيها، والأماكن التي يقيم فيها بعض الشخصيات، ثم يسهب الكاتب وعلى لسان الشخصية في تحليل الشخصيات ذاتها والأحداث التي مرت بها، فمن وجهة نظر بطل الرواية تتوالى الحكاية عن كل الظروف والملابسات، وما يحيط بها من انفعالات وتفاصيل.

العنوان

حملت الرواية عنوان "صندوق بعينين" وهو كناية عن بطل الرواية، فهو صندوق من الأسرار، أو هو كاميرا تلتقط عدستها الأحداث، ثم تعيد عرضها من جديد، بعد أن تضفي عليها شيئا من الانفعالات الشخصية.

هذا العنوان يكشف من أول وهلة عن الشخصية الرئيسية في النص، وكيف تسجل الأحداث المختلفة لأشخاص مختلفين ومتفاوتين، وكيف تقدم لنا صورة عنهم بالطريقة التي تريدها، فنحن نلحظ صورا تتحرك في الكادر، ثم يقدم لنا بطل الرواية تفسيراً لكل حركة نراها في المشهد.

وتعكس اللوحة التشكيلية – لم يتم الإشارة إلى الفنان الذي رسمها- على الغلاف هذا البعد عن العمل وعن شخصيته وأحداثه، فالمدرسة التكعيبية تقدم من خلال اللوحات التشكيلية مشاهد ذات منظور متعدد المساقط والأوجه والزوايا، وهذا التعقيد في التكعيبية جعلها ذات تأثير تعبيري يقدم دلالات عميقة توحي بإحساس جسدي ونفسي.

وقد تحدث ميتسينغر وغليزس في كتابهما "التكعيبية" بشكل صريح عن معنى الوقت من خلال المنظور المتعدد، وقدما تعبيراً رمزياً لمفهوم المدة الزمنية التي بحسبها يجري اختبار الحياة ذاتيا باعتبارها سلسلة متصلة لتدفق الماضي نحو الحاضر واندماج الحاضر بالمستقبل، حيث تتداخل الأبعاد، بعضها في بعض، زمانياً ومكانياً، وهذه هي زاوية النظر التي انحازت إليها الكاتبة في تقديم النص. وانطلاقاً من العنوان "صندوق بعينين" نجد التكعيبية حاضرة بوضوح، حيث إن الصندوق ما هو إلا شكل هندسي انطلقت منه التكعيبية باعتبار أن الشكل الهندسي يمثل أصولا للأجسام، وهو كذلك أساس البناء في العمل الفني. وهذا المكعب "الصندوق" يحيل إلى المادة الأساس، التي تتشابك فيها الأزمنة والأمكنة، ويحتمَل أن يشير إلى نموذج مادي آخر يحوي هذا التداخل الزماني والمكاني في ذات الوقت.

إضافة إلى أن هذا التداخل يكثفه أيضا تداخل الألوان والأشكال في اللوحة التي كانت تجريدية من جانب، وتجريدية لونية من جانب آخر، فنجد تداخل الألوان يمهد لتداخل الأزمنة والأمكنة ويدل عليه كذلك.

وأما مفردة "العينين" فهي إضافة هامة على هذه المادة الجامدة، توحي بالحركة وبتدفق الزمن على المادة التي تمثل المكان، فنحن إذن أمام عمل يعالج فرضية الزمان وفرضية المكان، باعتبارهما متلازمين، فإذا افترضنا أن الصندوق جسم الكاميرا ومنطقة التخزين فإن العينين هما العدسة التي تلتقط ما يدور أمام هذا الصندوق. وإذا افترضنا بأن "صندوق بعينين" يعبر عن نافذة مفتوحة، فهذه النافذة تكشف لنا عن عالم واسع تتحرك فيه أشكال مختلفة ومتباينة من الحياة، تنطلق في الرواح والمجيء عبر تعاقب وتتالي الزمن.

الشخصيات

يرتكز النص على شخصية الراوي، وهو راوٍ عليم، وقد ساق هذا الراوي عرضاً لمجموعة من الأشخاص، تتفاوت في الحضور ومستويات الظهور، بعضها يتحرك في المشهد بحرية، رغم أن جميع الشخصيات كانت غائبة إلا من خلال الاغتياب، ولم نسمعها تتحدث؛ وإنما كان الراوي ينقل لنا عنهم كل شيء. ترد في الرواية مجموعة من الأسماء مثل ساجدة، وفاطمة، وخالد، وأبو ناصر، وياسر، ومحمد، وأبو جاسم والد طارق وأم جاسم والدة طارق، ووالد الراوي ووالدته ولكنهم جميعا كانوا في الظل.

وأما الذين وجدناهم يتحركون في المشهد، فهم أبو جمال، وطارق، وكارلو، وحبيب، لكن الناقل لنا عنهم كان الراوي وهو بطل النص. لأن الأحداث والمواقف وقعت في الزمن الماضي، ونتجت عنها أحداث مسؤولة عن حالة التداعي التي يعيشها البطل؛ ولهذا فالحوارات ما هي إلا نقل عن الشخصيات على لسان الراوي، فنحن لم نجد شخصية تتحدث بشكل مباشر في زمن حاضر، وإنما كانت الأحداث والحوارات كلها في زمن الماضي. ويبدو أن البطل في النص يعاني من اضطراب نفسي، ويحمل تصورات سلبية تجاه الآخرين، يصدر الأحكام بشكل سريع، مسكون بشعور المؤامرة، لديه نزعة اندفاعية ويضمر قدرا كبيرا من العدوانية، تنتابه الشكوك والظنون، يحسب حسابا لكل شاردة وواردة بمجرد سماعه لنبرة صوت، أو رؤيته لسلوك ما، يبني مواقفه وسلوكه تجاه الشخصية، وفقا لما يحمله من معتقدات وتصورات وظنون تجاه الآخرين. لذا نجد البطل دائم التيقظ، مستعدا لتفسير الأمور بطريقته الخاصة، من منطلق كونه مستهدفا من الآخرين، الذين يعتبرهم مجرد أعداء. لقد غاص الكاتب في أعماق شخصية البطل، واستطاع أن يكشف لنا علاقته بمحيطه وناسه الذين صنعوا شخصية المكان الذي ينتمي إليه، وذلك من خلال حالة التداعي التي عاشتها الشخصية من بداية النص حتى نهايته، وعبرها قدمت لنا صورة عن كل شخصية، سواء كانت في الظل أو في ضوء المشهد، وقد لعب الكاتب دور التحليل النفسي على شخص ملتبس ومتذبذب نفسياً، وقدم تقريرا وافيا عن حالة المريض، عن انهماكه في مساءلة الشخصيات ومحاولة وتفسيرها وفق الهوى، وقراءاتها جزافا بدون أدنى مجال للمنطق، يتساءل البطل بحيرة، حول ما إذا كان الأشخاص الذين أمامه يمثلون تهديدا له أم لا؟ وما إذا كانوا يستهدفونه أم لا؟ وإذا كان الكاتب قد لجأ إلى أسلوب التداعي الحر ليكشف لنا عن الشخصية، فهذه الممارسة يقوم بها أيضا الاختصاصي النفسي في عيادته كأحد أساليب التعرف على المشكلات التي يعاني منها المريض النفسي، فيترك له المجال للتداعي الحر، ليصل من خلال ذلك إلى أهم العقد والمشكلات النفسية التي يعيشها المريض النفسي.

وبهذا يكون التداعي في النص نظيراً للوحة التكعيبية التي تتداخل فيها الأزمنة والأمكنة، وتتساوى فيها الأحداث زمانياً ومكانياً في آن، وتعبر عن مجموعة من الألوان والأجسام كما تعبر الشخصية عن مجموعة من الشخصيات المختلفة.

وعندما يكون النص كصندوق كاميرا يحتفظ بالمشاهد ويخزنها من خلال العين التي تمثل في النص عدسة تلتقط كل حركة وكل ومضة، تصبح ذاكرة البطل مثل الإطار المدولب الذي يلف الشريط السينمائي ليستعرض وينقل الحدث كما بدا في نفسه ولحظته الانفعالية، وكما رسمها موقفه من الأشياء والأشخاص من حوله.

تظهر في النص شخصية أخرى، قدمها لنا البطل في سياق المشاعر التي يكنها لها، وهي شخصية صديقه حبيب، وكان صديقه حبيب يتميز بوعي كبير رغم صغر سنه، وكان البطل كذلك، ولهذا تتزيا نبرته بلغة احتفالية، في مجال الحديث عن مجايليهم، وعن المجتمع الذي ترعرعوا فيه، فهم يتمتعون بوعي أرفع وثقافة أرقى من أقرانهم، ثقافة عالية جدا، وتتجاوز ثقافة المجتمع بمراحل. فقد وجدنا الوعي واللغة التي يتحدث بها البطل وصديقه حبيب ذات مستوى واحد، لا تتفاوت بتفاوت المراحل العمرية التي يقطعونها في الحياة، سواء عندما كان صبيا في المرحلة الثانوية أو عندما كبر وصار موظفا يعمل في إحدى الشركات، فقد وجدناه ذا ثقافة عالية، ولم نجد في المراحل العمرية أي فرق بين الشخصيتين، شخصية الكبير الناضج صاحب العلم والتجربة والقراءات العميقة المختلفة والمعرفة المتقدمة، وبين الصبي الذي لا يزال في مرحلة المراهقة ولم يتجاوز مرحلة الثانوية. نجد الكاتب يقدم لنا البطل وصديقه حبيب، وهما يناقشان أفكاراً وقضايا فلسفية ودينية وسياسية كبيرة، على أشخاص في عمر المراهقة.

فضلا عن ذلك كانت الأفكار التي تُناقش أفكاراً حديثة وعصرية، بل هي أفكار آنية من واقعنا المعاش، علما بأن الشخصيتين تتحدثان عن أفكار وقضايا كبيرة تتعلق بالدين والسلطة والإله، وفي فترة أخرى وجدناهما يتحدثان عن قضايا تتعلق بتطور المجتمع والمسار الحضاري، وعن الدولة ووظائفها والهوية وغيرها. لقد خاضا نقاشات حول قضايا كبيرة بلغة المثقفين الكبار، ولا أظن أن أشخاصاً تخرجوا من المرحلة المتوسطة وبعد سنة من القراءة أصبحوا يتحدثون كمفكرين قادرين على النقاش في أمور عميقة ودقيقة.

كما أظهر لنا الحوار بين البطل وصديقه حبيب مثقفَين خبرا الحياة والسياسة، يمتلكان ثقافة عالية في هذا الجانب، وكأنهما قادمان من مجتمع آخر غير مجتمعنا، يقول: "كنت في آخر سني المرحلة المتوسطة، وحينها قرأت معه مجموعة من الكتب، قرأنا في البداية الروايات البوليسية الشهيرة، ثم انتقلنا إلى الروايات القصيرة الكلاسيكية، ثم انعطفنا منعطفاً مفاجئاً نحو المحتوى الديني.... الخ (آل فتيل. 2023. ص 85).

تقول ذات الشخصية أيضا: " قلبنا بين يدينا عدداً من الكتب المهتمة بنقد المحتوى والفكر والممارسات الدينية، كانت رحلة شيقةً ومفعمةً بالحماس، اقتربنا من حدود كنا نعتبرها خطرةً حمراء قبل عام واحد، وأصبحنا ننظر إلى الأمور بشكل مختلف لما هو سائد... الخ" (آل فتيل. 2023. ص 86).

فالكاتب يتحدث لنا عن انشغال الصديقين بقراءة فكرية عالية تقوم على نقد المحتوى الفكري والممارسات الدينية، ويصف لنا البطل أنه وصديقه حبيباً كانا يناقشان شؤونا وقضايا كبيرة، يقول: "لم يكن هذا الحديث في أول قراءتنا، بل بعد سنين منها، كنا قد تخرجنا من الثانوية العامة، وكل منا كان يتوجه إلى طريقه الخاص في الصباح" (آل فتيل. 2023. ص 87).

ثم نجد الكاتب يصف لنا حبيبا بأنه ليس شخصاً عادياً أبداً، فهو رغم صغر سنه قرأ جميع شعراء العربية في جميع العصور وقرأ شعراء لغات أخرى: "هذا الذي قرأ جميع شعراء العربية، في جميع عصور الشعر، وجاوزها إلى اللغات الأخرى، والذي يمتلك عينا فاحصة كعين جواهري تكشف بسليقتها جيده من رديئه، لا يقبل بهذا المستوى من الشعر، هذا ما أعرفه عنه" (آل فتيل. 2023. ص 100).

هنا نجد الكاتب تحدث عن شخصيات تمتلك من الفكر والثقافة ما يجعلها رغم صغر سنها قادرة على النقد الفكري والنقدي الديني والنقد الثقافي والنقد الأدبي، رغم أن هؤلاء الأشخاص لم يتجاوزوا الثامنة عشرة من أعمارهم. ربما يهتم المرء بجانب محدد من الجوانب الثقافية أو الفكرية أو الدينية أو اللغوية، لكنه لن يكون بهذا المستوى من الثقافة المتعددة التي تحتاج إلى وقت وجهد ومثابرة وتجربة لكي تتبلور كل هذه المعارف وتُستَوعب في ملكة النقد. كيف فهموا وهضموا مختلف المصطلحات؟ كيف استطاعوا التجاوب مع بعض الكتابات الجافة التي تتناول الفكر سواء الديني أو السياسي أو الأدبي؟ هذه استفهامات يطرحها المنطق، لكن الرواية تنجو من مآخذها، لأنها منذ أول وهلة، راهنت على اللا منطق.

الراوي

يرتكز النص على الراوي العليم وهو بطل النص، الذي يقدم لنا الشخصيات، من خلال الاسترسال في التداعي، حيث تدخل الشخصيات المشهد تباعاً كلما استُدعيت، وأما الحوار فكان غالبا منقولا عن الشخصيات التي استدعاها البطل، ولهذا تنعدم الحوارات المباشرة بين الشخصيات في وقت حاضر إلا نادرا، فالراوي يقدم لنا سرداً عن الأحداث، كما يقدم لنا الحوار مع الشخصيات، وكل ذلك ضمن حدث سابق، أي أن الراوي العليم يسيطر على النص ويوجهه حيثما أراد.

الأحداث

هيمن على النص حدث بارز هو ترشح البطل لمنصب مدير الموارد البشرية في الشركة، ودارت الأحداث حول هذا الترشح، وحول المدير السابق، وكيفية إقالته من منصبه، وتفرع عن الحدث الرئيس أحداث وقضايا أخرى، برزت في النص من خلال حالة التداعي التي التزمها البطل طوال الرواية.

المكان

يذكر البطل أسماء للأماكن دون التعمق فيما يميز مكانا عن آخر، إلا لماماً، عندما تحدث عن قلعة تاروت وحي الرابعة، لكنه في النص ذكر الربيعية وسنابس، كما ذكر حارة الحسينية والفسيل في تاروت.

وقد أشار الراوي إلى أنه كان يقيم في حارة الفسيل ثم انتقل لاحقا إلى حي الرابعة وسكن في غرفة في الدور الأرضي بإحدى البنايات.

الزمن

غلبت على الزمن في النص صيغة الماضي، لكن هذا الزمن كان متشظيا، يتراوح بين القرب والبعد، حسب ظهور الشخصيات، لكن الزمن الأصلي للنص حدده الراوي بثلاث ساعات، هي زمن انتخاب رئيس القسم من قبل لجنة مخصصة لهذا الغرض.

جوانب لا تخدم النص ولا تضيف للمتلقي

- استعرض الكاتب على لسان الشخصية الأعمال والمهام الوظيفية التي كان يقوم بها، رغم الدقة في الإشارة والتفصيل، وقد بسط للقارئ ماهية الوظيفة والقسم الذي يعمل فيه البطل، وهو قسم الموارد البشرية، لكنه بعد أن ذكر تسمية الوظيفة والقسم الذي يعمل فيه انهمك في شروح أرهقت كاهل النص، مثل الحشو في عبارة: لون فاحم أسود. حيث يفترض أن يورد الفاحم أو يورد الأسود، وليس الاثنين معا.

يقول: "قبل هذا الوقت بساعتين على الأقل، اعتدت أن أكون في مكتبي – قبل الجميع تقريباً- أدير شؤونه، أو بعبارة أخرى أسير شؤون العاملين المتعلقة بالإجازات والمكافآت والحسومات، وإخلاءات طرف المستغنى عنهم... الخ" (آل فتيل. 2023. ص 5، 6)، وهذا يوضح بدقة عمل البطل، ويحدد لنا القسم الذي يعمل فيه.

2- طيلة ثلاث صفحات يتحدث الراوي عن أنه سيرسل رسالة نصية ويبرر لماذا سيرسل رسالته؟ ثم يشرح النظام وطريقة الترشح من خلال النظام، وطريقة استجابة النظام، يقول: "سأرسل رسالة نصية لنظام الترشح أطلب فيها الترشح من جديد، فإن لم يستجب النظام لرسالتي أو جاءتني رسالة غير متوقعة فالنظام بلا شك مخترق.... الخ" (آل فتيل. 2023. ص 147، 148).

بعد ذلك في الصفحة التالية يقدم تفاصيل متشعبة من خلال الاسترسال في شرح كيفية صياغة الرسالة، يقول: "سأرسل رسالة إلى الرقم الخاص بالخدمة الالكترونية تحمل الرقم [560] وهو الرمز الخاص بطلب الترشح، وسيتبعه رمز المنصب [1025] في سطر جديد، ثم رقمي الوظيفي [1019952] في سطر ثالث. هكذا يعمل النظام: سيستلم الرسالة النصية، سيحلل بياناتها، يتعرف على رمز طلب الترشح المخزن في مستودعات البيانات السحابية.... الخ" (آل فتيل. 2023. ص 148، 149).

ونجد أن كل ما تقدم به الراوي لا يخدم النص في شيء ولا يقدم إضافة للقارئ فلو اكتفى مثلا بعبارة: سأرسل رسالة لأعرف ما إذا كان النظام يعمل بكفاءة أو تم العبث به...الخ ثم اكتفى بالجملة التي أوردها: "ها أنا ذا أرسلت رسالتي.... الخ" (آل فتيل. 2023. ص 149، 150)، لكان ذلك أفضل وأجدى؛ لأن حذف هذ الشروح من النص لا يخل بالنص.

3- شرح آخر مخل وقع فيه الراوي عندما كان يشرح كلمة [صغيرة]، وهو شرح استهلك فقرة كاملة أكثر من 9 أسطر يقول: "استخدمت معه كلمة صغيرة لتوصيف البيانات البسيطة قليلة الكمية، وهي الكلمة المقابلة لكلمة ضخمة.... الخ" (آل فتيل. 2023. ص 157).

مناقشة عامة

لقد بدأ الكاتب روايته بفقرة وأنهاها بنفس الفقرة، لكنه أثبت في المقدمة السبب وحذفه في النهاية، يقول في المقدمة: "أراني أقف على حافة مبنىً عالٍ، يدفعني أعدائي للسقوط ولا أقوى الدفاع عن نفسي، جسدي جرةٌ خاوية؛ إن سقطت فلن يتبقى مني شيء، سأتشظى إلى قطع صغيرة متباعدة، سيتوقف قلبي قبل أن أصل إلى القاع؛ بسبب الخوف مرة، ومئة مرة بسبب الهوان ونظراتهم الشامتة (آل فتيل. 2023. ص 3). بينما في النهاية كتب: "أراني أقف على حافة مبنىً عالٍ، يدفعني أعدائي للسقوط ولا أقوى الدفاع عن نفسي، جسدي جرةٌ خاوية؛ إن سقطت فلن يتبقى مني شيء، سأتشظى إلى قطع صغيرة متباعدة، سيتوقف قلبي قبل أن أصل إلى القاع (آل فتيل. 2023. ص 163). هذا النص الذي بدأ به الكاتب وختم به روايته يحيلنا لتساؤل عن إصراره لإيراد هذا النص في البداية والنهاية مع حذف السبب في النهاية، مع أننا في العنوان أمام صندوق، لكننا هنا أمام جرة خاوية، ولعل الصندوق خاوٍ أيضاً كالجرة لكنه يتميز بعينين. وبينما نجده في المقدمة يُرجع فكرة توقف قلبه إلى الخوف ونظرات الهوان والصغار الشامتة له، نجده في النهاية يستبعد السبب دون أن يتطرق له ولو بأدنى إشارة.