خيرية رفعت
شهد عالم الفن في السنوات الأخيرة ظهور اتجاه نحو تجارب تفاعلية تستخدم التكنولوجيا لتجذب الجمهور بطرق غير مسبوقة. يتضح هذا الاتجاه في المعارض الشهيرة مثل تجربة فان غوخ التفاعلية، التي تستخدم الواقع الافتراضي والعناصر متعددة الحواس لإنشاء بيئة ديناميكية تمكّن الزوار من تجربة الفن خارج الحدود التقليدية. تظهر مبادرات مماثلة في المملكة العربية السعودية، ولا سيما في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، حيث تعزز التكنولوجيا التفاعلية تقدير الفن، ومعرض “تخيل مونيه” في موسم جدة 2024.
ما سبب ظهور هذا الاتجاه؟ أرى أن السبب هو قدرة تجارب الفن التفاعلية على تغيير الطريقة التي نتلقّى بها الأعمال الفنية، فهي تبدّل دور الجمهور من مجرّد متلقِّ أو مراقب إلى مشارك حقيقي وجزء في العملية الفنية. تعزز هذه المعارض الروابط العاطفية وزيادة تفاعل الجمهور، مما يجعل الفن أكثر سهولة وقابلية للتواصل. يثير هذا لديّ أسئلة حاسمة حول الأبعاد النفسية للتفاعل في الفن. مع نشوء الأطفال في بيئة رقمية مليئة بالتجارب التفاعلية، قد يعتمد تقديرهم للفن الكلاسيكي على طريقة تقديمه في شكل أكثر جاذبية. هل يستطيع طفل نشأ على الفن الرقمي والتجارب التفاعلية في الفن أن يستمتع بأعمال فنية كلاسيكية في المتحف أيضًا؟
علاوة على ذلك، لا يمكن تجاهل الآثار الثقافية لهذه التجارب التفاعلية. إنها تتحدى العلاقات التقليدية بين الفن والتكنولوجيا والمجتمع، مما يدفعنا إلى إعادة التفكير فيما إذا كانت التكنولوجيا قوة غريبة داخل المتاحف أم أداة قيمة توسع فهمنا للفن خارج حدود العروض التقليدية. من خلال دراسة التجارب التي تقدمها معارض مثل "فريمليس" في لندن ومتحف تيم لاب بلا حدود في جدة، يهدف هذا المقال إلى تقييم القيمة المتطورة لتجارب الفن التفاعلية في تشكيل تقدير الفن المعاصر.
تُعد التجربة التفاعلية نتاجًا لاندماج الثقافة والتكنولوجيا؛ فهي تخلق نظم إدراك مختلفة، وتجربة مميّزة تلامس أجزاء مختلفة من الذاكرة، صنعت من خلال أحدث التقنيات. يمكن أن تأخذ التجربة التفاعلية أشكالًا عديدة، من منظور الفن، تُعتبر التجربة التفاعلية محفزًا كبيرًا للشعور بتحقيق الذات، من خلال توجيه الجمهور للمشاركة والتواصل والإبداع، يمكن للفنان تلبية الاحتياجات العاطفية للجمهور وإدراك قيمة الذات لديهم. يمكن للجمهور أيضًا أن يرى أن التعبير عن الذات له طبيعة مزدوجة، حيث يمثل أحد الجانبين قيمة الذات للفنان صانع التجربة والجانب الآخر يمثل قيمة الذات لمن يعيش التجربة. ونتيجة لذلك، يرتبط الجانبان ارتباطًا وثيقًا من خلال هذه العلاقة الحميمة والفريدة، والتي لن تحصل إن غاب أحد الطرفين.
لقد سعى البشر إلى التجارب التفاعلية منذ العصور القديمة، ووسائطها تتغير باستمرار. منذ العصور السحيقة، كانت التجربة التفاعلية الأكثر بدائية هي التمثيل أو لعب الأدوار، والارتجال. كان أسلافنا يتحدثون حول الموقد، يستمعون إلى الجيل الأكبر يروي تجارب مثيرة في الصيد، ويبتكرون صورًا خيالية خاصة بهم ويستمتعون بذلك. وفي دراسات لاحقة، اكتشف الباحثون أن الإنسان القديم استخدم المواقد والمصابيح لخلق تأثير الوميض للكائنات الخيالية.
تُعبر التجربة التفاعلية عن قيمة إنسانية عالية. كما ورد في "تاريخ موجز للبشرية": "كانت القدرة على سرد القصص الخيالية قفزة مهمة للغاية في تطور البشرية..." كوسيلة فنية، تزدهر التجارب التفاعلية مع تطور التكنولوجيا، التي تعزز من مدى القصص الافتراضية وتقدم للناس تجارب غير مسبوقة وصادمة. في الوقت الحاضر، لم تعد التجارب التفاعلية متاحة فقط كوسيلة ترفيهية. بالاعتماد على مستوى التطور الحالي، يمكن تطبيق التقنيات والمنتجات التفاعلية في الهندسة والطب والتدريب والزراعة والإنقاذ والعديد من المجالات الأخرى. (يو، 2022)
كما أظهرت الدراسات مؤخرًا حول الأعمال التركيبية التي تُعرض باستخدام الواقع المعزز المكاني (SAR) عدة نتائج رئيسة تتعلق بتجارب الزوار في المساحات المعرضة للإسقاط. أفاد المشاركون أن دمج الإسقاطات الرقمية مع الأجسام الواقعية في المساحة- خلق بيئة عززت تفاعلهم مع الأعمال الفنية. ووُصفت الأعمال التركيبية بأنها حالمة وقادرة على محاكاة البيئة الطبيعية، مما أدى إلى دمج فعال بين المرئيات والصوت لتحفيز تجربة حسية غنية. أبرزت الأبحاث أن هذا النهج المبتكر كان له صدى خاص لدى الجمهور الشاب، مما يشير إلى أن هذه التقنية يمكن أن تكون أداة قوية للمعارض الفنية الحديثة لجذب وإلهام الزوار.