صدمة “الجوكر“.. كيف تحوِّل فيلماً ناجحاً إلى عمل رديء؟!

حسن عبد الموجود

"الصدمة" كانت عنواناً لردود أفعال الناس على فيلم "الجوكر" في جزئه الثاني، وأنا منهم بالطبع. فالمطربة "ليدي جاجا" لم تكن الممثلة الأفضل للقيام بدور "لي" حبيبة "آرثر فليك"، الذي يلقِّب نفسه بـ"الجوكر"، فقد كان وجهُها بارداً كالرخام طوال ظهورها على الشاشة، ولم تعبِّر عن الجنون الذي يناسب شخصيتها أو شخصية حبيبها.

كما أن المكان في الفيلم ضيِّق للغاية، وانحصرتْ غالبية مشاهده بين (المستشفى) الذي يعالج به "آرثر فليك"، و(القاعة) التي تُعاد محاكمتُه فيها، وحتى حين فجَّر أتباعُه تلك القاعة وهرب، لم يظهر الشارعُ إلا في لقطةٍ قصيرة، واختفى بانتهاء مغامرة الجوكر، وانكسار قلبه حين صدَّته حبيبته "لي"، وعودته إلى المستشفى لمواجهة مصيره.

اعتمد الفيلم في جزئه الأول، على إظهار كلِّ الأسباب التي أدَّت إلى تشويه نفسية آرثر، فأقرانه يتنمَّرون عليه، والغرباء يكرهونه ويعاملونه بعنف، ومقدِّم البرنامج الحواري موراي فرانكلين "روبرت دي نيرو" يؤدي دوراً في هزِّ صورته، وحتى أمه تسخر منه، وبالتالي يغادر الوحش جسد آرثر، ولا يتردد في قتل مقدم البرنامج برصاصة على الهواء مباشرة، أو قتل الفتيان الذين ضايقوه في محطة المترو، أو حتى قتل أمه، ليصبح في نظر الناس، داخل المدينة الملعونة "جوثام"، مسخاً لا يجب مؤاخذته بالرحمة أو الشفقة، بينما يصبح، في وجهة نظر المشاهدين، فتىً مغلوباً على أمره، لم يكن قادراً على إخافة دجاجة، فالكراهية حاصرته وآلمتْ روحه وغيَّرت طباعه!

أما الجزء الثاني من الفيلم فلم يقدِّم أي جديد، ومضى يحاول شرح ما شرحه الجزء الأول، على لسان محامية آرثر، أمام القاضي وهيئة المحلفين، وتأكيدها على أن آرثر مصابٌ بالشيزوفرانيا، فهو (شخصان) في (جسد واحد)، هما آرثر، والجوكر، وبالتالي أحدهما ارتكب الجرائم، والآخر بريء يجب إخراجه حالاً من المستشفى، لأنه أشدَّ بشاعة من السجن، بحرَّاسه الأجلاف الذين لا يرحمون!

هناك كذلك مشهد اغتصاب الحرَّاس لـ"آرثر" انتقاماً منه على خلفية سخريته منهم في محاكمةٍ يشاهدها كلُّ سكان جوثام، وقد بدا لي ذلك المشهد مفرطاً في القسوة، ولا يمكن تبريره فنياً، فآرثر يحظى بحماية آلاف الأتباع في هذا التوقيت، وكذلك بحماية المحكمة، وبالتالي

فالمنطقي أن يخشى الحراَّسُ إيذاءه، خوفاً من التشهير بهم، ثم إن سكوت آرثر عن هذه الفظاعة غير مفهوم بالمرة، وكذلك عودته إلى طبيعته، وتعامله بعادية مع الجميع!

لا يمكن أيضاً فهمُ إقدام القاضي على منحه الإذن بالظهور في المحاكمة بملابس المهرِّج ومكياجه الثقيل، مع أن ذلك القاضي صدَّعنا وهو يطلب منه، في كل جلسة، ألا يحوِّلها إلى سيرك وإلا سيأمر بمعاقبته. كما أنَّ انقلاب آرثر المفاجئ على محاميته وطردها، بعد أن لعبتْ حبيبته "لي" في دماغه، وأوعزتْ إليه أن تلك المرأة ستقوده لحبل المشنقة، كان مفاجئاً وغير منطقي ولا يمكن تصديقه، ثم إن كاتب السيناريو وصنَّاع الفيلم جميعاً على ما يبدو شعروا بأن الأحداث تجرفهم نحو اللاشيء، فقرروا تفجير قاعة المحاكمة بالكامل، ربما لكي يغطُّوا على كلِّ الثغرات، لكنهم مع الأسف أضافوا ثغرة جديدة، إذ أن الجوكر لم يهتم بفكرة الهروب أكثر من اهتمامه بإيجاد حبيبته "لي" وحين تركته استسلم لقدره، وترك شرطة "جوثام" تقبض عليه من جديد، ليعود الفيلم إلى نقطة الصفر، ويتسرَّب إلينا الملل، من تكرار ألوان "المستشفى- السجن" الكالحة والكئيبة، ومحاولات الحرَّاس لاستفزازه، أو حتى دفعه لإلقاء الدعابات السخيفة!

وقد انقلب أتباع الجوكر عليه، بعد أن اعترف بجرائمه وأضاف إليها جريمة قتل أمه، التي لم تكن المدينةُ تعرف بها، وبعد أن اعترف كذلك بأنه يرغب في الحياة كآرثر وليس الجوكر. لقد صُدِم أتباعُه لا بسبب جرائمه، ولكن لأنهم آمنوا بالجوكر كبطلٍ تحدَّى سلطة "جوثام" ورفع حذاءه في وجهها، لكن ها هو يعلن انسحابه، ومعه ينسحب الحلم والأمل في كسر عين السلطة والإفلات من قبضتها المرعبة!

انتظره أحد هؤلاء الأتباع، ذات صباح رمادي، ثم طعنه عدداً هائلاً من الطعنات في بطنه، فتسرَّب دمه وتخبَّط في الحوائط كالحيوان الذبيح، وتسرَّبت روحه خارج جسده إلى الأبد. وقد تكون الحسنة الوحيدة للفيلم أنه أنهى حياة الجوكر، وبالتالي لا يكون بإمكان صنَّاعه مضايقتنا بجزءٍ ثالثٍ منه، إلا لو بدأوا في نبش ماضي آرثر وإعادتنا إليه مرغمين!