اللص والكلاب (الرواية المصوَّرة) سَعيد مَهران يظهر مِن جديد

محمد عبد النبي

هزَّت المجتمع المصري، في 1960، الجرائم المثيرة للص والقاتل محمود أمين سليمان، الذي قيلَ إنَّه مَن سَطا على فيلّا أمير الشعراء أحمد شوقي ومنزل أم كلثوم وغيرهما، ولشكّه في سلوك زوجته حاول قتلها هي ومحاميه، وقد قتلَ على سبيل الخطأ أكثر من شخص، وظلَّ مُطارَدًا مِن الشرطة، بعد نجاحه في الهروب من السِجن، نحو شهرين قتل فيهما خطأ أكثر من ضحية، قبلَ أن يلقى مصرعه برصاص الشرطة في صحراء حلوان.

كان مِن بين مَن تابعوا أخبار هذا السفَّاح بشغف وتأمُّل نجيب محفوظ، والمكلل بنوبل للآداب عام 1988، والذي مرَّت ذكرى رحيلة الثامنة عشرة في الثلاثين من أغسطس الماضي. وما كادت تمضي سنةٌ واحدة على قضية السفَّاح، حتَّى بدأ ينشر روايته المثيرة للجدل اللص والكلاب، مُسلسلة على صفحات جريدة الأهرام، في عدد الجمعة الأسبوعي بداية من 11 أغسطس 1961.

عبرَ استخدامٍ رشيق لتقنية تَيَّار الوعي، اختارَ الانحياز إلى "واحدٍ، خَسرَ الكثير"، كَما ورد في الرواية عن سعيد مهران؛ فَوَضعَ جرائمه في سياق اختلال موازين مجتمعي واسع النطاق، وانعدام للعدالة وغياب للمعنى بالأساس. في أكثر من موضع أعربَ سعيد مهران عن سعيه الدؤوب للعثور على معنى لعذابه وجرائمه ثم موته. تَكرَّر هذا صراحةً في أكثر من موضع، منها مثلًا: "وأنتَ هل لحياتك التالفة معنى إلَّا أن تقضي على أعدائك."، ثم عندما يجد نفسَه قريبًا مِن المصير المحتوم: "ولستُ أطمع في أكثر من أن أموتَ موتًا له معنى."

وسرعان ما التقطت السينما الرواية، في السنة التالية مباشرةً، وقد وجدَت فيها مادة درامية لا تفتقر إلى أغلب عناصر الإثارة والتشويق المعتادة، اللص النبيل المطارَد مِن الجميع، يختفي عن الأعين في كنف فتاة ليل طيّبة تعشقه، وتربطه صلةٌ قديمة بشيخٍ متصوّف هائم في ملكوت ذي الجلال والإكرام.

المفارَقة أنَّ هذه هي نفسها الخطوط العريضة لفيلم آخَر أقدم قليلًا كتب قصته فريد شوقي ولعب دور بطولته، وشارك نجيب محفوظ نفسه في كتابة السيناريو الخاص به، وهو فيلم جعلوني مجرمًا (عاطف سالم، 1945). لهذا لم تكن التركيبة ككل بعيدة عن الحِس الدرامي لدى محفوظ، غير أنَّه ابتعدَ بها بقدر المُستطاع عن أن تكون مجرد حكاية مشوقة تُسرَد ببراعة فنية، وحَفرَ عميقًا في شخصيته الأساسية، سعيد مهران، صانعًا منه أيقونة أدبية لا تُنسى.

لكنَّ فيلم اللص والكلاب (كمال الشيخ، 1962) كان أشدّ صراحة ووضوحًا، من فيلم فريد شوقي وعاطف سالم، في انتقاده للنظام الاجتماعي، وللخَونة على اختلاف طبقاتهم ودرجاتهم، وكذلك لاستغلال الجميع لقصة اللص القاتل سعيد مهران، كلٌ بحسب هواه، لا سيما الصحافة ونجوم المجتمع، ما يُذكّرنا بجملة قالها أحد الصحافيين في الفيلم على سبيل الدُعابة: "أيها السَفَّاح، كَم من جرائم تُرتَكب باسمك!".

كما توسَّع السيناريو في تعامله مع النص الروائي، وأضاف بعض المواقف المشوّقة بما يلائم مِزاج المخرج كمال الشيخ واللون الذي يميل إليه، كما تَحرَّر مِن الخط الزمني للرواية وبدأ من نقطة أسبق وهي المؤامرة التي أودت بالبطل للسجن. وابتعدَت حتَّى كادت تتوارى تمامًا تساؤلات سعيد مهران الوجودية، وسَعيه المُمض لأن يجد معنى ما؛ معنى لحياته ثم لموته المحتوم ومِن قَبلهما لِموت أبرياء بلا ذنب على يده، أو الآلاف مِمَّن لا يعرفهم في حروب لا ذنب لهم فيها أو سواها من كوارث طبيعية. في خيالاته للدفاع عن نفسه أمام القضاة، يقول سعيد مهران: "أنا لم أقتل خادم رؤوف علوان، كيف أقتل رجلًا لا أعرفه ولا يعرفني؟ إنَّ خادم رؤوف علوان قُتلَ لأنه بكل بساطة خادم رؤوف علوان، وأمس زارتني روحه فتواريتُ خجلًا، ولكنه قال لي ملايين هُم الذين يُقتَلون خطأ وبلا سبب."

تحوَّلت الرواية إلى دراما تليفزيونية مرتين على الأقل، وإلى فيلم (ليل وخَوَنة - 1990) للمخرج أشرف فهمي وسيناريو أحمد صالح، مع تغيير أسماء الشخصيات وبتصرُّف شديد في القصة المحفوظية، حتَّى لم يبق منها غير ظلٍ بعيد وأفكار غامضة. لم يكن لأي من تلك النُسَخ تأثير يُذكَر، على الأقل مقارنةً بفيلم كمال الشيخ ذي الطابع الكلاسيكي.

في عامنا هذا (2024) تحوَّلت الرواية إلى وسيط فني جديد وعصري لطالما فتنَ الملايين حول العالَم؛ وسيط يقترب من عالَم نجيب محفوظ للمرة الأولى؛ وهو الرواية المصوّرة أو Graphic Novel ، ما يَعِدُ بجذب جمهورٍ من نوع مختلف إلى عالَم محفوظ، سواء من الشباب صغار السِن أو مِن عشاق الرواية المصوّرة في جميع الأعمار، غيرَ أنَّ النص الأدبي يبقى منبعًا أصليًا جديرًا بالرجوع إليه وإعادة تأمُّله، من آنٍ إلى آخَر، لا سيما عند إعادة إنتاجه في وسيط جديد.

صَدَرت الرواية المُصوَّرة بالتعاون بين أكثر من جهة؛ أولًا الناشر الأساسي الذي يملك حقوق أعمال محفوظ في الوقت الراهن وهي دار ديوان الشابَّة التي أعادت إصدار الأعمال الكاملة للأستاذ بعد استحواذها عليها، وحرصت على تقديمها في صيغة بصرية جديدة ومغايرة، لا سيما في الأغلفة الجديدة التي أثارت بعض الانتقادات في حينها، ربما لأنَّها كانت صادمة قليلًا وغريبة على العالَم المحفوظي المعهود.

إلى جانب دار المحروسة التي تبنت منذ فترة مشروعًا لتحويل بعض كُتب محفوظ الأدبية إلى كُتب مصوّرة، بالتعاون مع الفنان البصري والمُصمم ميجو (محمد علاء)، وهو على ما يبدو رأس الحربة في هذا المشروع، وصاحب الفكرة الأساسية. وفي هذا الكتاب صمَّم الشخصيات ورسم الكادرات وشارك الآخرين في التحرير والتحبير، بغير تقليل من دور جميع شركائه الفنانين: الرسَّام الشريك معه جمال قبطان، وكاتب سيناريو هذه الرواية محمد إسماعيل أمين، وشاركَ الرسَّامَين في التحبير حسين محمد، ورسمت الخطوط مها عيداروس، وصمم العنوان علي جلال وجرافيك: ريهام السيد.

بعد رحلة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، درسَ فيها فن صناعة الكومِكس إلى جانب التصميم المعماري، استقرَّ ميجو في مصر، وأسس استوديو (واي إيه) لإنتاج القصص المصوَّرة، وقد عمل رسَّامًا للقصص والروايات المصوَّرة منذ أكثر من عشر سنوات حتَّى الآن، ومنذ ذلك الحين ظلَّ يراوده حلم تحويل روايات محفوظ إلى كوميكس، وبدأ فعلًا بالعمل على رواية أولاد حارتنا، وظهرَ جزءٌ يسيرٌ منها في مجلة توكتوك (المتخصصة في القصص المصورة)، قبل نحو عشرة أعوام، لكنَّ المشروع تعثر فترةً ثمَّ انتعشَ من جديد، وكانت باكورة أعمال مشروع نجيب محفوظ، هي روايته اللص والكلاب، ولم يزل العمل جاريًا على ميرامار (بحسب ما فهمت) وبالطبع المشروع الملحمي الضخم أولاد حارتنا، تليهما أعمالٌ أخرى مختارة.

قد يشعرُ المرء في بعض الأحيان مع تَصفحه للكتاب المُصوّر، وتعرّفه على الشخصيات، أنَّ فيلم كمال الشيخ يلوح في الخلفية، ولو بدرجة خفيضة للغاية. مثلًا، شخصية عليش بحسب وصف محفوظ لها، بعد خروج سعيد مهران من السجن: "ودخلَ عليش سدرة في جلباب فضفاض منتفخ حول جسم برميلي، رافعًا وجهًا مستديرًا ممتلئ اللغد..."، بينما يبدو عليش في الكتاب نحيلًا بوجه كوجوه الذئاب، في صورة تُذكّر بالممثل زين العشماوي الذي لعبَ دوره في الفيلم.

حتى شخصية رؤوف علوان، ورغم محاولة إبراز وجهه المستدير الممتلئ وأنفه الأفطس قليلًا، فَمِن الصَعب عدم استحضار كمال الشناوي عند النظر إليه، خصوصًا مع شاربه الرفيع المُنمق. لكن حتَّى شكري سرحان في الفيلم لم يكن بجسمه المربَّع المتين فيه أدنى شبه بسعيد مهران في رواية محفوظ؛ سعيد الرشيق مثل القِردة والقادر على القفز من الطابق الثالث للأرض دون أن يصاب بسوء، والذي عمل فترة بهلوانًا في سيرك جوَّال.

لعلَّ هذه فرصة مواتية للتفكير في توالُد الصُور بعضها عن بعض، نفكر أولًا بشأن الصور الفوتوغرافية الأصلية للسفَّاح محمود أمين سليمان، عند ظهورها لأوَّل مرة في الصحف، بنظرته الذكية الجريئة واستفزازه للاستقرار المجتمعي. وكيف ترجمَ نجيب محفوظ وجهه ونظرته وأفعاله إلى خطاب أدبي متماسك ينتصر للسفَّاح بقدر ما يدينه ويكشف اختياله بنفسه وانتشاءه بنظرات الإعجاب والتقديس ممَّن حوله، في مزيج مِن الضحية والجلَّاد.

ومِن ثم في تَرجمة كاتب السيناريو صبري عِزَّت لسطور محفوظ، بالاشتراك مع المخرج، ثم الممثلين، إلى صورة وصوت وإيقاع. والآنَ هذا المولود الجديد، في صيغة ربما ما كان محفوظ ليتخيّل أن يتحوّل إليها بطله المنبوذ المطارَد، وإن كان سوف يسعد بها كثيرًا ولربما شاركَ فيها بالنُصح والتشجيع، كما عبَّر ميجو عن الأمر في لقاءٍ معه.

قدَّمت هذه الرواية المُصوّرة رؤيتها البصرية المتميزة لرواية اللص والكلاب، عبرَ تَرجمتها لبعض المعاني المتضمَّنة في النص بشكل مشهدي وبصري، كما في الكادر الذي يبدو فيه منزل الشيخ علي الجنيدي مفتوحًا على السماء تتداخل تحت سقفه السُحب وكأنه صارَ قِطعةً منها، مع الانتباه لرمزية الشيخ ومنزله في حياة اللص سعيد مهران، ملاذًا روحيًا ولَمحة مِن ماضيه البريء حيث ليالي الذِكر والإنشاد وخيالات الجنَّة.

كما وجدَ رسَّامو العمل فرصة ثمينة أخرى في المشاهد ذات الطبيعة الحُلمية والفانتازية، مثل الكوابيس التي رآها سعيد مهران في نومته القلقة بعد جريمته الأولى، والحوار العَبثي الذي دار في حلمه بينه وبين الشيخ علي الجنيدي. رسم مشاهد الحُلم جمال قبطان. هذه إحدى نقاط قُوّة الروايات المُصوَّرة؛ أي قدرتها على تجسيد أشد الخيالات الأدبية جموحًا، في صُور وكادرات مُتحررة من قوانين المنطق وقيود الواقع، والتي لا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة أو تقنيات معقَّدة شأن صناعة السينما. لكنَّ نقطة ضعفها المفهومة هو انصرافها عن قدرٍ كبير من التأمُّلات الباطنية للشخصيات، واكتفاؤها منها بأقل القليل، وهو المنعطف الذي تبتعد فيه عن الأدب بطبيعة الحال.

انطلقت الرواية المصوَّرة، اللص والكلاب، مِن النقطة الزمنية ذاتها التي تفتتح بها الرواية الأدبية لنجيب محفوظ، ويستعين السيناريست بتقنية (الفلاش باك)، في لحظات مُحددة محسوبة جيدًا ومُتسقة في أغلب مواضعها مع النص الأصلي، لكي يعرض ماضي سعيد مهران وخلفية علاقته بالشخصيات الأخرى.

يُحدَّد الزمن والمكان بعبارة من ثلاث كلمات في الصفحة الأولى، (ليمان طرة، خريف 1961)، ثم نطّلع على مناجاة سعيد مهران لنفسه، في جملة مقتبسة من الصفحة الأولى من الرواية: "آنَ للغضب أن ينفجر ويحرق، لن أقع في الفخ، ولكن سأنقضّ في الوقت المناسب كالقَدَر.". الجملة لم تَرد بهذا الترتيب أو بهذه الصيغة في النص المحفوظي، فقد تعامل كاتب السيناريو، بطبيعة الحال، بتحرر في تصرفه مع النص، وانتقى الجمل الحوارية الأنسب له والأوثق صلة بالصورة والمشهد والحالة الدرامية، وما كاد يغيّر فيها شيئًا، فتركَ الحوارَ بلا مساس تقريبًا، ربما لأنَّ جملة الحوار المحفوظية، في مرحلة اللص والكلاب على الأقل، كانت مُشرَّبة بالعامية المصرية رغم سلامتها وفصاحتها، وهي جملة سلسة سهلة.

هذا الالتزام البالغ بالنص المحفوظي لم يكن في صالح الكتاب على الدوام، فكلمة مثل "ألبتة" كانت أثقل قليلًا، بحسب ذوقي على الأقل، مِن أن تَرد في رواية مصورّة. ثمَّة ارتباكات في جمل حوارية أخرى، وردت في النص الأصلي على لسان شخصية لكنها ترد هُنا في الرواية المصوَّرة على لسان شخصية أخرى غيرها، ولا أحسبُ هذا من باب التصرُّف أو المعالَجة، إن لم يكن خطأ في تنسيق السيناريو داخل بالونات الحوار، وليس خطأ مِن جانب كاتب السيناريو، من ذلك جملة: "أوافقكَ على ما قلتَ حرفًا بحرف"، التي يقولها سعيد مهران لغريمه عليش، في مجاراة تَكتمُ سخريته وتَشي بتوعده، في أول لقاءٍ لهما بعد خروج سعيد من السجن، لكنها ترد في أحد كادرات الرواية المصورة على لسان أحد رجال عليش، ربما المعلّم بياظة القهوجي.

تكرر هذا اللبس نفسه أكثر من مرة، مع جملٍ حوارية أخرى، منها ما قد يخل بالمعنى المقصود تمامًا، مِن ذلك جملة سعيد مهران "أجلس دون استئذان، لأني أذكر أنك تحب ذلك"، التي وجهها إلى الشيخ علي الجنيدي، حيث ترد في الرواية المصوّرة على لسان الشيخ نفسه، موحية بفعل الأمر: "اجلس..." كأن الشيخ يطلب من سعيد الجلوس بلا استئذان لأنه يذكر أنه يحب ذلك، وهو عكس ما ورد في الرواية تمامًا.

مثل تلك الأخطاء التي تبدو صغيرة والمتكررة للأسف، مع صِغر حجم الكلمات، ربما تقلل من جودة تجربة قراءة هذا العمل وتنتقص من روعة المنتَج النهائي وكل الجهد الجماعي المبذول فيه. في نهاية الكتاب ملحق ألبوم بتصميم شخصيات الرواية، وأيضًا خريطة نجيب محفوظ، وهي خريطة بالأماكن الجغرافية المذكورة في أعمال محفوظ، بعضها اندثر وأصبح مجرد رسوم وصور مثل تكايا الدراويش القديمة، مع الرجوع لهذه الخريطة وتطويرها وتوسيعها، مع كل عمل محفوظي جديد يتحوَّل لرواية مصورة، وربما تحويلها إلى تطبيق أو ألعاب أو ما شابه في المستقل.

ساعد فريقَ الشباب في إعداد خريطة محفوظ كلٌ من الناقد الأدبي الكبير د.حسين حمودة والكاتبة والمعمارية المتخصصة في الحضارة الإسلامية د.رضوى زكي، وأعدَّها الكاتب وصانع الكومكس محمد سرساوي وهاجر المهدوي، والخريطة ببساطة كأنها صورة جانبية لنجيب محفوظ، تحوي قطعًا من لغز، بعضها موجود وبعضها لم يظهر بعد، كوسيلة بالأساس لربط الجمهور بسلسلة الأعمال وعالَم محفوظ المصوَّر.

قد لا تكون اللص والكلاب هي الرواية المُصوَّرة الأولى من نوعها في سوق الكتاب المصري، فقد أصدرت دار الشروق، في سنة 2009، رواية المحاكمة لكافكا، في صيغة جرافيك نوفل، برسوم لا تُنسَى لشانتال مونتلييه، وإعداد النص ديفيد زين ميروفيتز، بعد ترجمتها على يد فادي عوض. ثم أتت مِن بعدها تجربة شحاذون نبلاء، سنة 2018، عن رواية الروائي المصري الفرانكفوني ألبير قصيري، ولرسَّام الكومكس الفرنسي المعروف جولو، وصدرت عن مطبوعات الفن التاسع، مترجَمَةً بقلم د. منى صبري.

لكنَّ اللص والكلاب، في حدود معرفتي، هي أوَّل نَص أدبي مصري مكتوب باللغة العربية يُحوَّل كاملًا إلى رواية مصوَّرة وتصدر في كتاب منفصل، بمشاركة جهات وفنانين مصريين تمامًا، لذلك وجبت التحية لهم جميعًا، ولسياق كامل متواصل خرجَ هذا العمل كثمرة طبيعية له، في تطوير الكومكس والروايات المصوَّرة في مصر منذ نحو عشر سنوات، سواء بمجهودات فنانين مستقلين أو مشاريع جماعية وإصدارات دورية، أو مهرجانات تحتفي به وجوائز مخصصه لصنَّاعه.

لم تزل تجربة أعمال نجيب محفوظ المُصوَّرة في بدايتها، ولم نزل ننتظر أعمالًا أخرى ستصدر قريبًا هي الآن قيد التحرير والنشر، ثم بقية المختارات، ننتظر أن ينفخ هؤلاء المبدعون الشباب من نفوسهم الفتية ورؤيتهم المغايرة في روائع نجيب محفوظ روحًا جديدة ويمنحوها حياة أخرى موازية. لذلك تحديدًا نتمنى أن يتحرّوا مزيدًا مِن الدِقة والحِرص في صياغة النص وتركيبه على الصور، وأن ينطلقوا وراء خيالهم بجموح وبلا قيد، في استكشاف آفاقٍ جديد لعالَم محفوظ المترامي حتَّى لَيبدو كأنَّه بلا نهاية.