محمد الحميدي
"جئتكم ألبس قصيدتي على كتفَي[1]"، كلمات افتتح بها الشاعر جاسم الصحيح قصيدة "البشت الحساوي..ملك الأكتاف" ضمن برنامج "المعلقة"[2]، مستحضراً ما يمتلك من تاريخ وثقافة وامتداد شعري يهتم بإبراز الرمز الشعبي والمسكوت عنه، إذ "الرمز، عادة ما يكون تراثاً شعبيًّا أو أسطوريًّا"[3]، فاختياره للبشت نابع من تاريخه الملتصق بالأحساء، حيث قربه من القائمين على حياكته ونسجه يؤهله لوصفه والحديث عنه، وهذا ما اشتغل عليه وعمل على توسيعه عبر إعطائه أبعاداً جعلته رمزاً لكل العرب.
"النص الأدبي ليس نتاجاً، بل هو إشارة إلى شيء يقع وراءه، لتصبح مهمة الناقد هي تفسير هذه الإشارات والأيقونات، واستكشاف حدودها وتأويلها، وبخاصة الحد الخفي، أو المعنى العميق."[4]، فعبره يمكن تبيُّن مقدار ارتباطها بعالمها، وأيضاً دلالتها على العوالم المحيطة بها، كما تنبني إشاريتها كذلك على إدراك المتلقي وانجذابه إليها؛ حيث الرموز تعمل ضمن بيئة تقبلها وتتوافق حولها، وهو ما يعني إشراكه في استقبالها؛ ليكون ضامناً لنجاحها وديمومتها، إذ ستموت حينما تتوقف عن النمو، وهذا ما سعى إليه جاسم الصحيح حين منح البشت أبعاداً ثقافية واجتماعية، واعتبره أحد أهم مظاهر الوجاهة والمكانة.
مكانة المرء لا تكتمل إلا به، وهو ما يمكن رؤيته أثناء المناسبات الاجتماعية واللقاءات الرسمية، إذ يرتديه أشخاص ينتمون لطبقات متعددة؛ دلالةً على مكانتهم الحقيقية أو التي توهموا بلوغها، فـ"منذ العصور القديمة كانت الرموز التي استعملها البشر لتعينهم على التفكير ولتسجِّل منجزاتهم مصدراً مستمرًّا للأعاجيب والأوهام"[5]، والبشت في الموروث الشعبي يعد أحد أهم ألبسة العرب؛ فقد يُشير للاستعلاء والتفوق والمكانة، وهذا ما افتتح به الصحيح قصيدته إذ ربطَ البشت بـ"الملك والحكم":
مليكٌ إلى غيرِ العُروبة لا يُنمى
أقامَ على الأكتاف دَولته العُظمى
تعرَّش قاماتِ الملوك مهابةً
فشاطرهم من عرشهِ الملك والحُكما
تجسِّد فيه الكبرياءُ كيانها
فنلبسُه معنى ونلبسُه جسما
نعم، كان يُسمَى بردةً غير أنَّنا
خلعنا عليه من بشَاشته اسما
هو البشت تاريخُ الجدود مطرزا
على لوحةٍ تجلو تراثهم الضَّخما
يسيرُ به الساري وحيداً وذاتُه
تُساير من أجدادنا موكباً فخما