عمر الجضعي
أبدعَ بعض الكتاب في اختيار عناوين فصولهم بدلالات ذكية تشوق القارئ وتزيده تعلقًا بما سيأتي، دون إفصاح كبير عما سيُحكى في الفصول، ولا اتباع للتقليد بذكر عناوين تخلو من التجديد أو تتبع النمط السائد في عناوين الفصول التي تعلن عن أي من هذه الانتقالات السردية.
يلجأ الروائي إلى إبراز الانتقالات في حكايته وإشهارها بوضوح؛ أكان الانتقال في الزمان أو في المكان أو إلى حدث جديد، أو غيرها من دواعي الانتقال في السرد. ويعظُم أثر إعلان هذه الانتقالات إذا كانت عناوين الفصول تدل عليها؛ بأن يكون العنوان فيه تاريخ أو وقت ينقل القارئ ليعرف أن ما يُحكى في هذا الفصل قد وقع في ذلك الزمان، أو يذكر المكان بأن يضع اسم مدينة أو موضع في العنوان للفصل لنتخيل ما ستشهده الشخصيات هناك، أو أن يكون العنوان كاشفًا لحدث في الفصل ويختصر أمرًا سيفعله البطل أو سيراه. هذه الدلالات العادية للزمان والمكان والحدث في عناوين الفصول لا تضيف جمالية ولا تُشرك العناوين بالسرد نفسه. بل التصريح في العنوان بذكر الدلالة مجردة من رمزية أو ربط ذكي أو صبغة درامية لطيفة، يجعل القارئ يُقبل على قراءة الفصل بديناميكية بعيدة عن الروح المفترضة من قراءة نص أدبي متخيل.
ابتدأ الكاتب السويدي (فريدريك باكمان) عناوين فصول روايته الأولى (رجل يدعى أوف[1]) بعبارتين: الأولى هي "رجل يدعى أوف. . ." وفيها دلالة على الزمن الحاضر في حياة البطل (أوف)، نعرف بها أن ما سيُحكى في هذا الفصل هو من حاضر حكاية هذا البطل. وأما العبارة الأخرى فهي "رجل كان أوف. . ." وهي دلالة للانتقال إلى ماضي البطل لنعرف خلفية حياته، وما الذي كان عليه (أوف) قبل أن تصل به الحال إلى هذه الحكاية التي تُروى لنا وهو في ذروة يأسه وغضبه وانزعاجه من كل شيء حوله.
ألحق (باكمان) دلالة الحدث بدلالة الزمان في عناوين فصول روايته؛ فمثلًا: "رجل يدعى أوف يشتري حاسوبًا ليس بحاسوب". نعرف من العنوان أن هذا الفصل يسرد الزمنَ الحاضر من حياة (أوف) (لأنه قال رجل يدعى أوف)، وأن الحدث هو عن شراء ذلك الحاسوب الذي كان يجهل كنهه. وفصل آخر عنوانه: "رجل كان أوف وبيت بناه"، ومن العنوان نستدل بأن الفصل عن زمن ماض من حياة البطل، وفيه سرد عن بيت قد بناه قديمًا. استمر (باكمان) في التنقل بين فصوله بعناوين مثل الأول أو الثاني، يتنقل بين الأحداث وبين خلفية حياة بطله وحاضره.
عادة ما يعيب دلالة الحدث في عناوين الفصول كشفُها وفضحها لما سيُحكى في الفصل؛ بأن يذكر الكاتب في العنوان حدثًا هاما تفقدنا معرفته منذ بدء القراءة عنصرَ المفاجأة. لكن (باكمان) في روايته هذه جعل الدلالات الحَدَثية في عناوين فصوله ترتبط بصلب الحكاية؛ كأن يقول: "رجل يدعى أوف ومهرج اسمه بيبو"، وهذا المهرج متطوع لإبهاج الأطفال المرضى أو الذين يزورون أحدًا من أهاليهم في المستشفى. لم يكن العنوان عن مرض أحد في الحكاية أو من قد أصيب أو كيف تضرر، بل عن مهرج اسمه بيبو! حتى اسمه لا يعنينا بشيء.