ابتسام البلوي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، وبعد:
فقد قرأت هذه السيرة العلمية (من الألف إلى الدال)، المطبوعة في كتاب صدر عن نادي الأحساء الأدبي عام 1444ه، حين طُلب مني بدعوة كريمة من القائمين على (قيصرية الكتاب) أن أدير حوارًا مع صاحبها د. سعد الرفاعي، وضيوف القيصرية؛ لإحياء فعالية بعنوان (كتابي الأول: القصة كاملة)، في يوم الثلاثاء الموافق 17-8-1445هـ، فكانت هذه القراءة الأولية قبسًا من نور جعلني أتشوق للبحث عن المزيد المختبئ بين سطورها.
وبعد مضي أشهر قليلة يسر الله لي الانضمام إلى برنامج (ناقد 2) التابع لجمعية الأدب المقارن في جامعة الملك سعود، فألحت علي الفكرة بإعادة قراءة هذه السيرة قراءة فاحصة، وتقديم معالجة نقدية لها، وفق المنهج البنيوي التكويني بتشجيع من مشرفي د/ أحمد العطوي.
وكان اختيار المنهج البنيوي التكويني هو الأقرب لدراسة هذه السيرة؛ لمرونته فهو يربط داخل النص بخارجه، فيجمع بين البحث في خبايا النص ذاته واستنطاق ما يحيط به من ملابسات وظروف اجتماعية أو تاريخية أو نفسية، وبذلك يغدو النص قابلًا للانفتاح على مستويات عالية من التحليل والوعي.
أهداف الدراسة
- تقديم دراسة في ضوء منهج حديث (البنيوية التكوينية) لعلها تُسهم في خدمة الأدب السعودي، ومواكبة المستجدات النقدية.
- إبراز ملامح السيرة العلمية للدكتور سعد الرفاعي سلبًا وإيجابًا.
- الكشف عن ملامح التحول والتطور الاجتماعي في بلادنا المملكة العربية السعودية من خلال سرد السيرة.
ولذلك فإن الدراسة تجيب عن الأسئلة الآتية:
- ما مدى تمكن كاتب هذه السيرة من رصد ملامح الواقع الذي عاشه؟ وكيف كانت رؤيته لواقعه ولمجتمعه؟ وما البنية الدالة التي عبر بها عن ذلك؟
- ما أبرز السمات الفنية التي اتسمت بها تجربته؟ وما مدى تجسيدها للبنيات الموضوعية التي عبرت عنها؟ وكيف تواشجت معها؟
أهمية الموضوع وأسباب اختياره
- قلة الدراسات العلمية المنهجية التي طبقت هذا المنهج على نماذج من الأدب خصوصًا الأدب السعودي.
- خدمة الأدب السعودي من خلال العناية بدراسة إنتاج أدبائه، والاستفادة من تجاربهم الحياتية والإبداعية على السواء.
- كون الدراسة لا تنحصر في الجانب الأدبي؛ بل تتعالق مع حقول عديدة، منها: الاجتماعي والنفسي والتاريخي.
وأما الدراسات السابقة: فقد تركز بحثي فيما وُثق ونُشر في المجلات والصحف الرسمية، وهي كالآتي:
- الإنساني والاجتماعي في سيرة د. سعد الرفاعي سيرة علمية، صالح الحسيني، مجلة فرقد الإبداعية، 22-4-1445هـ.
وصف كاتب المقالة هذه السيرة وصفًا تقريريًا موجزًا ورصد فيها بعض القيم الاجتماعية الإيجابية، دون التعرض للقيم السلبية. - من الألف إلى الدال لسعد الرفاعي، عبد الله الحيدري، مجلة الجوبة العدد 81، 1445هـ-202.
قدم الدكتور عبد الله الحيدري لمقالته بضرب أمثلة لبعض السير التي اختار أصحابها أن يوثقوا مرحلة أو مراحل من حياتهم في سياق واحد كما في سيرة الرفاعي، ثم حلل العنوان وذكر دوافع الكتابة وعوائق البوح، كما تخلل ذلك بعض النقودات التي توجهت صوب أسلوب الكتابة بإلماحات سريعة. - معاناة وعقبات ودراسات عليا بالانتساب، لمحمد عبد الرزاق القشعمي، اليمامة، العدد 2751، 16 مارس 2023م.
بدا القشعمي وكأنه يلخص أحداث السيرة ويختصر الطريق على من لم يتمكن من اقتناء الكتاب أو الاطلاع عليه كاملًا، بعرض مضمونها عرضًا سريعًا ليصل في النهاية إلى تأكيد فكرة مقالته بأن بعد المعاناة والصبر سيكون الظفر.
وتختلف دراستي هذه عما سبقها من دراسات في أنها تتناول ملامح السيرة العلمية وفق معطيات المنهج البنيوي التكويني، فالدراسة تمثل شهادة الرفاعي من خلال سيرته على واقعه الاجتماعي والتاريخي والفكري وتمثل نظرته للواقع، مع الاهتمام بالبنية الداخلية والقالب الذي اختار أن يقدم فيه هذه السيرة.
ومن المعلوم أن أي عمل مثمر لا يخلو من صعوبات، وأبرز الصعوبات التي واجهتني في هذا البحث هي ضيق الوقت المحدد لتسليم أعمالنا، وكذلك ندرة الأبحاث التي طبقت منهج البنيوية التكوينية في مجال نقد السيرة السعودية خصوصًا، وانفتاح دراستي على مجالات وتخصصات خارج نطاق التخصص الأدبي.
وأما عن تقسيم البحث: فستبدأ دراستي -بحول الله وقوته- بتقديم تعريف مكثف بالمنهج البنيوي التكويني، وأهم إستراتيجياته التطبيقية، ثم سأقدم تعريفًا موجزًا بصاحب السيرة العلمية (د. سعد الرفاعي)، وسأنتقل بعد ذلك إلى التطبيق من خلال مبحثين: أحدهما يدرس البنية الاجتماعية، والآخر يدرس البنية الداخلية.
يليهما الخاتمة: وتشمل أهم النتائج، وأبرز التوصيات التي توصلت إليها الدراسة.
التمهيد
أ- البنيوية التكوينية وأهم إستراتيجياتها التطبيقية:
اتجهت المناهج النقدية السياقية صوب المبدع أو مجتمعه وأهملت النص، وتسببت في قصور في بعض زوايا تحليله، فظهرت أصوات تنادي (بموت المؤلف) والتعمق في بنية النص دون النظر إلى سياقاته، وهذا ما تمثله المناهج النصية كالبنيوية التشكيلية، تلا ذلك تشكل ردود فعل أخرى تنادي بتحليل النصوص ومراعاة ظروف سياقاتها، وهذا ما يميز البنيوية التكوينية.
ويُعدّ (غولدمان) مؤسس هذا المنهج، تأثر بأستاذه لوكاتش حيث بدأ (لوكاتش) بتنظيرات للمنهج ثم اكتمل على يد (لوسيان غولدمان) الذي وضع آليات اشتغاله؛ لتحليل البنى الداخلية للنصوص الدالة وفهمها، ثم العمل على إبراز الذهنية للجماعة في بنية أوسع هي بنية المجال الاجتماعي والثقافي[1].
تتكئ البنيوية التكوينية على جملة من الأدوات المتضافرة في قراءة النص واستبطانه، ودراسة طرق تشكله من خلال الغوص في السياقات المحيطة به، ولكن دون إهمال لبنية النص وعوالمه الداخلية.
ومن الممكن حصر المعالم الرئيسة التي قامت عليها تكوينية غولدمان في خمسة معالم، هي: رؤية العالم، والفهم والتفسير، والبنية الدالة، والوعي القائم والوعي الممكن، والتماثل (التناظر)[2].
وتسعى هذه الدراسة إلى مقاربة السيرة العلمية في ضوء المنهج البنيوي التكويني؛ لإضاءة جوانب عديدة تتعلق بالبنية الداخلية أو السياق الخارجي.
ب- التعريف بصاحب السيرة:
هو سعد بن سعيد الرفاعي، له إسهامات نقدية، ولد في محافظة ينبع وفيها تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط إلى نهاية المرحلة الثانوية، والتحق بعد ذلك بالكلية المتوسطة بالمدينة المنورة وحصل على الدبلوم التربوي، ثم انخرط في العمل التربوي معلمًا، ثم وكيلًا في المرحلة الابتدائية.
كُلّف بإدارة مدرسة معاوية بن أبي سفيان الثانوية منذ تأسيسها عام 1422هـ، بعدها تفرغ للحصول على درجة الماجستير في الإدارة التعليمية في ينبع؛ ليعمل مشرفًا للتدريب ثم مديرًا للتخطيط والتطوير التربوي منذ 1427هـ، ثم حصل على الدكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عن رسالته (الأدب في ينبع في العهد السعودي موضوعاته وسماته).
له نشاط ثقافي وتربوي؛ فقد شارك في تأسيس مهرجان ينبع السياحي، وأسهم في الإشراف على النشاط الثقافي بنادي رضوى الرياضي بينبع، وله مشاركات نقدية في الملتقيات الثقافية، وهو مؤسس ورئيس جمعية أدب الطفل وثقافته، وله أكثر من عشرين كتابًا مطبوعًا منها خمسة دواوين، هي: نزيف الجرح، والعشق ينبع، وأناشيد عمر (شعر للأطفال)، ولما بعد، وصلوات.
ومن مؤلفاته:
ينبع بعيون غربية، وينبع بعيون عربية، وعين ثالثة، ولقاء رضوى الثقافي الأول، والحوراء في عيون الرحالة، والأدب في ينبع في العهد السعودي، وكتاب السيرة العلمية من الألف إلى الدال وهو موضوع دراستي[3].
- [1] ينظر: العنبر، عمر عبدالله، تاريخ النشر(2019م)، المنهج البنيوي التكويني (مفاهيمه وأدواته وإشكالياته)، مجلة جرش للبحوث والدراسات المجلد 20، ع 2، ص405.
- [2] ينظر: سعيدي عادل، وبختي عبد القادر، السنة (2019م)، مرتكزات بنيوية غولدمان التكوينية، مجلة آفاق العلمية، المجلد 11، ع4، ص504-510.
- [3] دارة الملك عبدالعزيز، عام (1435ه)، قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية ،الرياض ،ج1، ص 609-610.