ابتسام التويجري
المقدمة
موضوع الإذلال العائلي في الأدب هو موضوع شائك ويثير الاهتمام، وفي السياق الروائي والأدبي يُعَدُّ واحدًا من الموضوعات الحساسة والمهمة التي تفتح أبوابًا للدراسة والتحليل العميق؛ إذْ يُمثِّل نقطة تلاقٍ بين الواقع والخيال. يمكن أن تكون له تأثيرات عميقة وسلبية في الأفراد، وهذا ما يؤثر في تفكير الشخص وسلوكه وعلاقاته مع الآخرين. يتضمن هذا المفهوم مجموعة متنوعة من التجارب والتصرفات داخل بيئة الأسرة، مثل: السيطرة الزائدة، والتهميش، والإهمال، إضافة إلى العنف النفسي أو الجسدي. تُعدّ رواية "أغلال عرفة" مادة خصبة لدراسة هذا الموضوع، خاصةً في ظل عدم وجود دراسات سابقة عليها. سنعتمد في دراستنا على منهج التحليل النفسي للأدب، الذي يتيح فهم الدوافع النفسية والشعورية الكامنة وراء سلوكيات الشخصيات في الرواية، وفقًا لنظرية سيغموند فرويد عن منهج التحليل النفسي، التي تركز على كشف الانفعالات الراسخة في اللاشعور أو أعماق العقل الباطن"[1]. لذلك، يمكن لنظرية فرويد أن تكون أداة قوية لتحليل هذا الموضوع. على صعيد آخر، يمكن الاستعانة بأفكار الناقد الأدبي عباس محمود العقاد الذي اهتم بتحليل الشخصيات الأدبية[2]، واستكشاف الأعماق النفسية للكتّاب والأبطال على حد سواء في أعمالهم.
بهذه الطريقة، يمكّننا الدمج بين منهج فرويد النفسي ومنهج العقاد النقدي من تقديم تحليل متكامل ومعمق لموضوع الإذلال العائلي في رواية "أغلال عرفة"، وكيفية تفاعلها مع بيئتها الأسرية والظروف المحيطة بها.
أهمية هذه الدراسة تتجلى في تقديم تحليل متكامل ومعمق لموضوع الإذلال العائلي في رواية "أغلال عرفة"، وكيفية تفاعلها مع بيئتها الأسرية والظروف المحيطة بها. وعلى الرغم من وجود دراسات نقدية سابقة تناولت صور الإذلال العائلي وآثاره في الشخصيات ضمن السياقات الروائية والأدبية، على سبيل المثال لا الحصر، غادة البياضي. "النقد النفسي والرواية العربية: دراسة تحليلية لمسارات الشخصية الروائية"[3]. نور سليم. "النقد النفسي في الأدب العربي: مبادئ وتطبيقات[4].
يظهر في بعض هذه الدراسات تركيزٌ على الجنس الأنثوي. وفي هذه الورقة النقدية، سنتجاوز الحدود المألوفة لنستكشف بعمق وعناية جانبًا مهمًا وغالبًا ما يجري تجاهله: البعد النفسي على الجنس الآخر (الرجل) في شخصيات رواية "أغلال عرفة" للكاتب السعودي عبد الرحمن سفر، بتركيز نقدي، مستخدمة أدوات المنهج النفسي، والمقارنة بين الشخصيات مع التركيز على جوانبها النفسية والعاطفية في سياق الرواية؛ بهدف فهم كيفية تأثير الإذلال العائلي في تطور الشخصيات وتشكيل الرواية.
ستتكون الدراسة من مبحثين رئيسين:
المبحث الأول: دراسة الإذلال العائلي من منظور نفسي، وتعريفه، وأنماطه، وآثاره.
المبحث الثاني: إظهار الآثار النفسية للإذلال العائلي في تحولات الشخصيات في الرواية.
ختامًا، ستقدم هذه الدراسة نقدًا شاملًا لرواية "أغلال عرفة"، مسلطة الضوء على التأثيرات النفسية العميقة ومخرجاتها النفسية، مما يعزز فهمنا لهذا النوع من الأدب في السياق السعودي الحديث.
المبحث الأول
دراسة الإذلال العائلي من منظور نفسي والتعرف على أنماطه وآثاره:
الإذلال العائلي هو مصطلح يشير إلى السلوكيات أو الأنماط في العلاقات العائلية التي تسبب الشعور بالإذلال أو الإهانة لأحد أفراد العائلة. من أوائل الذين تحدثوا عن هذا الموضوع هو الطبيب النفسي النمساوي ألفريد أدلر، الذي اهتم بدراسة الديناميات العائلية وأثرها في الأفراد. من المعروف أن الإذلال العائلي له تأثيرات سلبية في الأفراد، خاصة الأطفال، حيث يمكن أن يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية والعاطفية، وقد يؤثر في تطورهم الاجتماعي والعاطفي بصورة سلبية. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الإذلال العائلي إلى نمط سلوكي يتكرر مع الأجيال اللاحقة، مما يؤدي إلى تكرار دائرة العنف والإهانة في الأسرة. "إذلال الأطفال: الاستبداد والتعليم" للمفكر الأمريكي أليسون ميلر، أحد الكتب المهمة التي تناولت هذا الموضوع، حيث يقدم هذا الكتاب نظرة عميقة إلى كيفية تأثير سلوك الآباء والأمهات في نمو الأطفال وتطورهم النفسي. ويسلط الضوء على العلاقة بين السلطة والتعليم في العائلة وكيف يمكن أن يؤثر ذلك في شخصية الأطفال وثقتهم بأنفسهم. كما يمكن الاطلاع على كتاب "الإذلال العائلي: كيف تنشأ الأسرة الدموية وكيف تدمر الأشخاص" للمؤلفة سوزان فوروارد، الذي يقدم تحليلًا شاملًا لتأثير العلاقات الأسرية في الأفراد، وكيف يمكن التغلب على هذه السلوكيات الضارة.
يستخدم مصطلح الإذلال العائلي في الأدب بوصفه وسيلة لإبراز صراعات الشخصيات الداخلية؛ إذْ يكشف النقاب عن الأبعاد النفسية، ويعرض نتائج الإساءات العاطفية والنفسية على نموهم وتطورهم. تُعدّ الرواية مجالًا غنيًا لاستكشاف العواطف الإنسانية وتحليل العلاقات الاجتماعية، ومن بين القضايا الرئيسة التي يتناولها الكاتب[5] في روايته "أغلال عرفة" هي قضية الإذلال العائلي، فالرواية تبرز العديد من أشكاله المتنوعة، مثل: الإساءة اللفظية، والتجاهل العاطفي، والتحكم المفرط، وهذا يعكس تجارب حقيقية يعيشها الكثير من الأفراد في حياتهم اليومية.
سيدرس في هذا المبحث ظاهرة الإذلال العائلي من منظور نفسي، مع إلقاء الضوء على أنماطه الشائعة في العلاقات الأسرية وكيفية تأثيرها في الأفراد، ويهدف هذا التحليل إلى فهم تأثيرات الإذلال العائلي النفسية والعاطفية في الشخصيات الأدبية وتكوينها فهمًا عميقًا، وذلك من خلال الدراسات النفسية وتحليل الرواية نفسيًّا، ويمكننا من خلاله تعرف أنماط هذا الإذلال المختلفة، مثل: الإهمال العاطفي، والتحكم المفرط، والعنف اللفظي أو الجسدي، وسنستكشف آثار الأنماط النفسية في الشخصيات، مثل: انخفاض الثقة بالنفس، والاكتئاب، والصراعات الداخلية، وأيضًا سنسعى إلى فهم الإذلال العائلي كظاهرة نفسية معقدة تؤثر في نمو الشخصيات الأدبية وتطورها في الرواية.
الإذلال العائلي: مفهومه وأشكاله
بما أن العائلة هي أول بيئة اجتماعية يتفاعل معها الفرد، وتشكل أساسًا مهمًّا في بناء شخصيته وتكوينه النفسي، فقد تواجه العديد من الأسر التحديات والصعوبات التي تؤثر في ديناميكيتها الداخلية، ومن بين هذه التحديات تبرز مشكلة الإذلال العائلي.
مفهوم الإذلال العائلي[6]
الإذلال العائلي هو شكل من أشكال الإساءة النفسية والعاطفية التي يمارسها أحد أفراد العائلة، غالبًا الأبوين، على أحد أفراد الأسرة. هذا النوع من الإساءة يهدف إلى تحطيم كرامة الضحية، وإشعارها بالدونية والاحتقار من خلال مجموعة من الأساليب التي تتعرض لها الشخصيات الأدبية مثل: الانتقاد المستمر، والتقليل من قيمة الإنجازات، والسخرية، والتحكم المفرط، فيترك أثرًا عميقًا في نفسياتهم وتكوين شخصياتهم.
أنماط الإذلال العائلي[7]
تُعدّ أنماط الإذلال العائلي ظاهرة متنوعة وشائعة في العديد من الثقافات، وتتجلى في مجموعة متنوعة من السلوكيات والأنماط التي تنطوي على السيطرة والقسوة داخل الأسرة، ويمكن أن تدمر العلاقات الأسرية، وتسبب تأثيرات نفسية وعاطفية خطيرة في أفراد العائلة. إذن، من المهم فهم أن الإذلال العائلي ليس ظاهرة محددة بنمط واحد، بل يمكن أن يتجلى بأشكال متعددة وفقًا لظروف كل أسرة وديناميكياتها الفردية، وفهم أنماطه يتطلب النظر إلى العديد من العوامل، بما في ذلك الثقافة، والقيم الاجتماعية، وتاريخ الأسرة، والتفاعلات بين أفرادها. وإليك بعض أنماطه الشائعة على سبيل المثال لا الحصر:
- التحكم المفرط: يتميز هذا النمط بسيطرة الوالدين أو شخص معين داخل الأسرة بصورة مفرطة على حياة باقي أفراد الأسرة. يتخذ المسيطر قرارات من دون مراعاة رغباتهم أو احتياجاتهم، وتحديد سلوكياتهم وأنشطتهم بطريقة قاسية ومستبدة، فيؤدي الأمر إلى شعور الأفراد بالقهر والإرهاق وفقدان الثقة بالنفس.
- الإهمال العاطفي: يُعدّ من الأنماط الأكثر شيوعًا، ويتمثل في نقص الاهتمام والرعاية العاطفية من أحد الوالدين أو كليهما، ويمكن أن يتسبب بشعور الأطفال بالوحدة والعزلة وعدم الانتماء، ويؤثر سلبًا في تطورهم النفسي والعاطفي.
- الإذلال اللفظي والجسدي: يتعرض الشخص للتعنيف الجسدي أو استخدام الكلمات الجارحة والمهيمنة، أو التهديد بالعنف كوسيلة للسيطرة على الآخرين داخل الأسرة. يمكن أن يسبب العنف اللفظي تأثيرات نفسية عميقة في الأفراد، مثل: انخفاض الثقة بالنفس وزيادة مستويات القلق والاكتئاب.
- التقدير غير المناسب: يشمل هذا النمط عدم تقدير أعمال الأفراد داخل الأسرة، سواء أكان ذلك بسبب التقليل من قيمة إسهاماتهم أم تقديم تقدير غير ملائم لجهودهم.[*] يمكن أن يؤدي إلى شعورهم بعدم الاهتمام، والاستهانة بمشاركتهم وإسهاماتهم، فيؤثر في الثقة بالنفس والحالة العاطفية.
- [1] https://www.filsof.com/2022/08/freuds-psychoanalytic-theory.html
- [2] https://www.hindawi.org/books/83160620/4/
- [3] عمّان: دار اليازوري الدولية، 2017.¹، (تحليل نفسي نقدي لرواية "ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور).
- [4] القاهرة: دار الشروق، 2017. (تحليل نفسي نقدي لرواية "الأب" لكمال الجندي).
- [6] نظرية فرويد.
- [7] كتاب النقد والنقاد المعاصرون، محمد مندور، مؤسسة الهنداوي للتعليم والثقافة، 2022- المراجع.
- [*] مظاهر العنف السري ضد الأطفال وأثــره علـى المجتمع وإستراتيجيات الحد من هـــذه الظاهرة د. ابتســـام ســـالم خليفـة -كلية التربية العجيلات- جامعة الزاوية. المراجع.
- [*] "العنف الأسري والعدوان وتوكيد الذات لدى الأبناء" مجلة بحوث التربية النوعية، علاء محمود جاد الشعراوي، وليد محمد أبو المعاطي، محمد أحمد أحمد عيسى، 2013م، المراجع.