يوسف العنزي
المقدمة
يُعدّ الحوار جزءًا مهمًا في بنية القصة عمومًا، فهو إلى جانب كسره لرتابة السرد يرسم جانبًا غامضًا من ملامح الشخصية لا يجرؤ على الإتيان به الوصف، وهذا القول ليس حكرًا على نوع محدد من القصص، فهو ينطلي على الحوار في القصص الموجهة للكبار وللأطفال، سوى أنه يختلف في بنيته ومضامينه بحسب الفئة الموجه إليها.
ونظرًا إلى حساسية مرحلة الطفولة، فإن الحوار فيها يُبنى بطريقة تناسبُ هذه الفئة العمرية، لذلك اخترتُ هذا الموضوع لأقف على خصائص الحوار الموجه إليهم من حيث البنية اللغوية أولًا، ومن حيث المضامين التي ينطوي عليها، متناولًا إياها بالتحليل والمقارنة، ومنطلقًا من التساؤلات الآتية:
- كيف يُبنى الحوار في قصص الأطفال؟
- وهل تتشابه أو تشترك بنيته بوجه عام في معظم القصص؟
- وما المضامين التي يشتمل عليها الحوار في قصص الأطفال؟
ومن خلال التساؤلات السابقة يتبين لي أن أسلَكَ الطرق إلى هذه الدراسة سيكون ميسورًا باستعمالي لأدوات المنهج البنيوي، أما مدونتي فهي أكثر قصص الأطفال انتشارًا، وأعني القصص العالمية، وقد حددت أربع قصص من سلسلة "ليدبيرد" العالمية، وهي:
1 – قصة "سندريلا".
2 – قصة "الجميلة والوحش".
3- قصة "الأميرة وحبة الفول".
4 – قصة "ثوب الإمبراطور".
تمهيد
عن الحوار:
يتفق النقاد على أن الحوار هو "الأقوال المتبادلة بين شخصيتين فأكثر منذ لحظة الالتقاء إلى لحظة الافتراق مع ما يصحب هذه الأقوال من هيئات وإيماءات وحركات وكل ما يخبر عن ظروف التواصل"[1].
وتأتي أهمية الحوار القصصي في أنه إحدى "الأدوات المهمة والرئيسة التي يستخدمها الأديب في نقل أفكار القصة عن طريق المحاورة بين الشخصيات، فمن خلاله تكون الفكرة واضحة"[2]، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الحوار في فن القصة عامة يؤدي دورًا رئيسًا لا يقل أهمية عن سرد الأحداث، فهو يمثل عنصر إضاءة في النص القصصي، إذ يكشف عن طبيعة تكوين الشخصيات وتناقضاتها[3]، وهو إلى جانب ذلك يمنح الشخصية القصصية فرصة لأداء دورها في مجرى الأحداث[4]، أما أهمية الحوار من الجانب الآخر/ جانب القارئ فتكمن في نزع نمطية السرد[5]، حيث لا يشعر القارئ بتناوب السرد والحوار بالرتابة والملل.
وينقسم الحوار إلى قسمين:
الأول– حوار داخلي: وهو الذي يعمد فيه السارد إلى "إيراد أفكار الشخصية إيرادًا حرفيًا مثلما تم تلفظها (verbalization) في ذهن الشخصية"[6]، فالسارد لا يتحدث مع شخصية أخرى في النص، بل يخاطب نفسه.
الثاني– حوار خارجي: وهو شكل من أشكال التواصل الإنساني يحدث بين طرفين وسيلته الكلام[7]، فهو حديث بين شخصيتين[8]، أو أكثر.
- عن قصص الأطفال العالمية:
1 – قصة "سندريلا":
تدور أحداثها حول فتاة صغيرة اسمها سندريلا، ماتت أمها، وعاشت مع والدها وأختين أكبر منها، سيئتي الطباع، كانتا تجبرانها على القيام بأعمال المنزل كاملة، فكانت تنام فوق الرماد؛ مما جعلها تبدو قذرة. أقام ملك البلدة احتفالًا كبيرًا لابنه لمدة ثلاثة أيام، دُعيت إليه جميع فتيات البلاد الجميلات؛ ليختار الأمير من بينهن عروسًا له، ودعيت أختا سندريلا، ولم تدع سندريلا لظنهم أنها خادمة، ففي مساء الحفلة الراقصة الأولى ساعدت سندريلا أختيها على ارتداء ثوبيهما الجديدين، وتمنت سندريلا أن يكون لها ثوب للرقص، فانصبت دموعها على وجنتيها، وسألتها أختاها على ماذا تبكين؟ فأجابتهما أنها تحب أن تلبس ثوبًا جميلًا تذهب به إلى الحفلة الراقصة، فسخرتا منها، وبعد ذهابهما جلست تبكي بكاءً شديدًا، وفجأة سمعت صوتًا، فرأت عرابتها الجنية وأخبرتها بما تتمنى، فقالت لها العرابة إنها سوف تحصل على كل ما ترغب به شرط أن تفعل بدقة كل ما تقوله لها، فطلبت منها أن تجلب أكبر قرعة، وحولتها إلى عربة فخمة، ثم طلبت مصيدة الفئران وحولتها إلى جياد لجر العربة، ثم طلبت مصيدة الجرذان وحولته إلى سائق عربة ماهر، وطلبت العظاءتين فتحولتا إلى خادمين، ومن ثم حولت ثوبها الرمادي إلى ثوب جميل، وحذاءها الخشبي إلى حذاء ذهبي، وطلبت منها أن تعود قبل الساعة الثانية عشرة ليلًا لأن كل شيء سيعود كما كان، وعندما وصلت سندريلا إلى القصر، لم تعرفها أختاها، ورقص معها الأمير، ثم غادرت سندريلا قبل الوقت بربع ساعة، وعند عودة أختيها بدأت الأختان تتحدثان عن الأميرة الجميلة، وكانت سندريلا تصغي دون أن تقول شيئًا، وفي مساء اليوم الثاني وبعد خروج الأختين ظهرت العرابة الجنية، وفعلت كما فعلت سابقًا، وعندما وصلت القصر أخذ الأمير يرقص معها، ويقول هذه رفيقتي، وقبل الوقت بخمس دقائق خرجت سندريلا مسرعة إلى بيتها، ولكنها لم تتجاوز نصف الطريق إذ اختفى كل شيء ووجدت نفسها في طريق مظلم، وكان عليها أن تكمل باقي الطريق على قدميها، بعد أن تحول ثوبها وحذاؤها كما في السابق، وما أن جلست حتى وصلت الأختان، وبدأ الحديث عن الأميرة الجميلة. وفي مساء اليوم الثالث ظهرت العرابة بعد ذهاب الأختين، وقالت لها لا تنسي الوقت، وعند وصولها لم يرقص الأمير ذلك المساء مع فتاة غيرها، وفجأة بدأت الساعة تدق الثانية عشرة، فخافت سندريلا وخرجت بسرعة فائقة جعلها تضيع فردة حذائها الذهبي، فركض الأمير خلفها، ورأى فردة الحذاء، والتقطها وفي أثناء ذلك اختفت العربة، وأصبحت سندريلا ترتدي ثيابها القديمة، وصار عليها أن تركض كل الطريق إلى بيتها، فبحث الأمير عنها ولكنه لم يجدها، فأخذ فردة الحذاء إلى والده الملك، وقال لن أتزوج إلا الفتاة التي تلائم قدمها فردة الحذاء هذه. أرسل منادي الملك إلى شوارع المدينة وتبعه الأمير متمنيًا أن يجد الفتاة التي رقص معها، حاولت جميع الفتيات تجربة الحذاء الذي لم يلائم قدم أي واحدة منهن، وعندما وصل منادي الملك إلى بيت سندريلا يتبعه الأمير لتجربة الحذاء الذي لم يلائم قدمي أختي سندريلا، التفت الأمير إلى والد سندريلا وسأله عن ابنته الثالثة، وأصر على حضورها، وعندما جربت الحذاء الذي كان يلائم قدمها، نظر الأمير إلى وجهها وعرف أنها هي الفتاة الجميلة التي رقصت معه في ذلك المساء، فصاح قائلًا هذه هي العروس الحقيقية، وعندها ظهرت العرابة الجنية وحولتها إلى أميرة رائعة الجمال، فحملها الأمير على ظهر جواده وارتحلا، وكان الملك سعيدًا بالترحيب بعروس ابنه في قصره، وأقام حفلة فخمة لزفافهما، وهكذا عاشت سندريلا مع زوجها الأمير في سعادة تغمرهما حتى آخر حياتهما"[9].
2 – قصة "الجميلة والوحش":
تدور أحداثها حول تاجر كان يعيش مع بناته الثلاث، ثم انتقل إلى كوخ في الريف بعد أن صار فقيرًا، وفي أحد الأيام كان عليه أن يسافر لعمل من الأعمال، وسأل بناته عن الهدية التي تريدها كل واحدة منهن، فطلبت جميلة باقة من الورد. وبعد أن أنهى التاجر عمله عائدًا إلى الكوخ ضل طريقه ووجد قصرًا لم يكن به أحد، ووجد فيه عشاء لشخص واحد، فأكله ونام، وعند الصباح وجد بدلةً جديدةً وفطورًا، فارتدى البدلة وتناول الإفطار، وفي طريق عودته وجد ممرًّا بحديقة القصر فيه ورود، فراح يجمع الورد، وحينها سمع صوتًا مخيفًا، فرأى وحشًا كبيرًا، فاتهم الوحش التاجر بنكران المعروف وسرقة الورد، وهم يقتله. توسل إليه التاجر ألا يقتله، فوافق الوحش شريطة أن يعود إليه بعد شهر جالبًا معه أول شخص يلتقيه وهو عائد إلى بيته، فوافق التاجر، وعند عودته إلى الكوخ قابلته جميلة. أخبر التاجر بناته بمغامرته ووعده للوحش، فأصرت جميلة على والدها أن يفي بوعده، وبعد شهر عاد التاجر مع ابنته جميلة إلى قصر الوحش، وفي المساء تعرف إليها الوحش وسمع من والدها ما قالت، فقال الوحش للتاجر إن عليه المغادرة في الصباح، وإن يبقي جميلة عنده. رأت جميلة مرآة عجيبة معلقة، كُتِبَ عليها ما معناه أنه إذا حدقت إلى هذه المرآة فسيتحقق لك كل ما تطلب. كان الوحش يجلس مع جميلة كل مساء، ويتحدث إليها، ففي إحدى الليالي طلب الزواج منها ورفضت. وبعد ذلك بمدة تمنت أن ترى والدها، فذهبت إلى المرآة، فأبصرت صورة محزنة، إذ كان والدها مريضًا، وعند عودة الوحش في المساء شاهدها حزينة وسألها عن سبب حزنها فأخبرته ورجته أن يسمح لها بالذهاب لوالدها، فوافق على مضض، ولكنه أعطاها خاتمًا سحريًا، وطلب أن تضعه أمامها على الطاولة متى شاءت العودة إليه. تحققت رغبتها في العودة لوالدها، واعتنت به. وفي إحدى الليالي رأت في منامها أن الوحش مرتمي على العشب في حديقة قصره، ففزعت من نومها، ووضعت الخاتم السحري أمامها، ونامت وفي الصباح وجدت نفسها في القصر، وعند حلول المساء راحت تبحث عن الوحش حتى وجدته مرتميًا على العشب، فوضعت يدها على رأسه، وفتح عينيه وقال: إنه لا يستطيع العيش بدونها، وإنه ما دام قد رآها فإنه سيموت راضيًا، وهنا قررت جميلة الزواج منه، وخبأت وجهها بكفيها، وراحت تبكي، وعندما رفعت كفيها كان الوحش قد اختفى، وظهر إلى جانبها أمير جميل راح يشكرها على تحريرها إياه، وشرح لها قصته بعد أن سحرته الجنية الشريرة، وأن السحر لا يبطله إلا فتاة جميلة ترضى به زوجًا، وبعدها ظهرت جنية صالحة ومعها والد جميلة، وتم زواج الأمير بجميلة التي عاشت معه بسعادة تامة"[10].
- [1] معجم السرديات، مجموعة مؤلفين، إشراف: محمد القاضي، ص159.
- [2] مضامين الحوار في رواية "يوم غابت الشمس" لغانم خليل، مولود مرعي الويس وفراس فتحي عبد الله، مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية، مجلد 25، عدد 6، 2018م، ص175.
- [3] فاعلية الحوار في قصص جمال نوري، ندى حسن محمد، مجلة مركز دراسات الكوفة، عدد 51، 2018م، ص 162.
- [4] البناء الفني في قصص كاظم الأحمدي، إياد جوهر عبد الله، دار المعتز للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2017م، ص 169.
- [5] الحوار في القصة القرآنية: قصة نوح عليه السلام أنموذجًا، خالد سليمان الخلفات، مجلة الأندلس، جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، مجلد7، عدد 27، 2021م، ص11.
- [6] معجم السرديات، مجموعة مؤلفين، إشراف: محمد القاضي، ص 432.
- [7] مستويات الحوار اللغوية في مسرحية "الصعود إلى السقيفة" لأحمد بودشيشة، عبدالعزيز بوشلالق، مجلة تاريخ العلوم، جامعة زيان عاشور، عدد 5، 2016م، ص 10.
- [8] معجم المصطلحات الأدبية في اللغة والأدب، مجدي وهبة وكامل المهندس، مكتبة لبنان، بيروت، ط 2، 1984م، ص 154.
- [9] سندريلا، أعاد حكايتها: محمد العدناني، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط 1، 2000م.
- [10] الجميلة والوحش، أعاد حكايتها: محمد العدناني، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط 1، 2000م.