السينماتوغرافيا في فيلم "أنا وعيدروس"

تقى علعل

المقدمة

تُعدّ السينماتوغرافيا واحدة من أهم خطوات تشكيل الفيلم السينمائي الذي يمر بمراحل تشكيل عديدة حتى يخرج لنا بشكله النهائي من أهمها: السيناريو، والتصوير، والمونتاج، والإخراج.

وتدخل السينماتوغرافيا تحت مرحلة التصوير، ويشرف على هذه العملية بشكل أساسي المخرج، ويشترك معه عدد لا يستهان به من الأشخاص المساعدين الذين يقومون بخلق الفيلم السينمائي، وإعداده.

السينماتوغرافيا: "هي تغطي ما في الفيلم من أمور تتعلق بوسائل التعبير الخاصة الصورة المتحركة، كما تغطي من جهة أخرى ما يتأتى للجانب الاجتماعي أو التقني أو الصناعي"[1].

ويمكن وصفها بأنها عملية تجسيد المحسوس أو المجرد للمادة المصورة فيلمًا، وهي الصورة المتحركة المشتملة على مجموعةٍ من المكونات البصرية والسمعية للفيلم وتكون غالبًا في حالة مستمرة من الحركة مما يولّد تأثيرًا أكبر في المتلقي[2]

الراوي في الفيلم هو المخرج، لكنه يروي القصة بالكاميرا فهي الصوت الذي يتحدث من خلاله ويوصل قصته للجمهور، وهناك 6 متغيرات يستخدمها المخرج يمكن أن يتحكم بالكاميرا، وهي: زوايا التصوير، وحجم الصورة، وحركة الكاميرا، وعمق المجال، والبؤرة، والسرعة.

وكل هذه المتغيرات تصب في هدف واحد وهو الكشف الدرامي، أي أن كل لقطة في الفيلم من المفترض أن تكشف عن شيء ما يدفع بعجلة الأحداث[3].

وفي هذه الورقة سألقي الضوء على:

أولًا: زوايا التصوير

"هي وجهة نظر آلة التصوير، تستطيع آلة التصوير (الكاميرا) أن تكون مختلفة في الرؤية فهي عادة تكون إلى أعلى أو أسفل أو مستقيمة أمامية في مستوى العين[4].

الزاوية التي تؤخذ منها اللقطة لها دلالات، قد تعمق معاني النص وتكثف الفكرة، وبعض الزوايا لها معاني خاصة تتضح من خلال السياق، وللقطة ثلاث زوايا زاوية مستوى النظر، وعلوية، ومنخفضة.

1. الزاوية العلوية:

وفيها تكون الكاميرا فوق التكوين المراد تصويره وعدستها تتجه للأسفل[5]؛ مما يجعل المشاهد ينظر إلى الأسفل وقد تكون عمودية 90 درجة، وقد تختلف عن ذلك بدرجات متفاوتة.

2. الزاوية مستوى النظر:

أي تكون الكاميرا عدستها إلى الأمام مباشرة؛ فتظهر الصورة في مستوى العين البشرية[6]، وتُوصف الحدث أو المكان أو الشخصية التي تُظهرها.

3. الزاوية المنخفضة:

تكون الكاميرا في الأسفل وتتجه العدسة إلى الأعلى؛ مما يجعل المتلقي ينظر إلى الأعلى لمشاهدة الحدث أو الشخصيات.

ثانيًا: مسافة اللقطة

تتعدد الترجمات لهذا المصطلح منهم من يسميه مسافة اللقطة، أو أبعاد اللقطة، أو أحجام العدسة، لكن المحصلة واحدة.

1. لقطة قريبة:

تتسم اللقطة القريبة بأنها تعطي إحساسًا عاطفيًا داخل الحدث وتُمثل شُحنة مشاعرية مكثفة، وتدل على شدة القرب الشخصية من الشخصية الأخرى والتأمل في ملامحها؛ مما يعكس الحالة الشعورية بين الشخصيات والالتحام العاطفي[7].

2. اللقطة المتوسطة:

تعطي بعض المعلومات عن الحدث وتفاصيله، وتحمل معها قدرًا أكبر من العاطفة من اللقطة العامة التي تعطي معلومات فقط، ونجدها -اللقطة المتوسطة- تُستخدم في الحوارات وفي الوصف[8].

3. اللقطة العامة:

تعطي معلومات عامة في الفيلم، تحدد مكان الحدث وزمنه، وتبرز الشخصيات، وأكثر ما تكون تأسيسية في بداية الفيلم[9]

هذه تقسيمات عامة لأحجام عدسات الكاميرا، ويتفرع منها تفريعات مختلفة فنجد القريبة جدًا، والعامة المتوسطة، والبعيدة جدًا ...إلخ.

ثالثًا: حركة الكاميرا

حركة الكاميرا وهي على حامل ثابت تكون: حركة بانورامية عمودية أو أفقية.

البانورامية: هي التي تتحرك فيها الكاميرا حول محورها نفسه عموديًا أو أفقيًا، الكاميرا ثابتة لكن يتحرك وجه الكاميرا عدسة الكاميرا لليسار واليمين أو الأعلى والأسفل. أو تكون الكاميرا على جسم متحرك سواء محمولة على كتف المصور مباشرةً أو على حامل متحرك على جسد المصور أو منفصل بأشكال مختلفة[10].

تبرز أهمية الموضوع من خلال دراسة أساليب تشكيل الصورة بما تحتويه من آليات سينماتوغرافيا مختلفة، وإظهار أثر اختيار هذه الآليات في خلق أو تأكيد معنى الفيلم، ومحاولةً في الدخول إلى عمق آليات التصوير واستنطاقها بما تحمله من دلالات مختلفة تعزز معنى الفيلم.

أنا وعيدروس" فيلم قصير للكاتبة والمخرجة سارة بالغنيم، حائز على العديد من الجوائز[11].

هذا الفيلم المعنون بـ "أنا وعيدروس" يسلط الضوء على العلاقة بين البطلة -التي لم يُفصح عن اسمها- وبين السائق عيدروس، وتطور العلاقة بينهما، وتحولها من علاقة عمل بين رئيس ومرؤوس إلى علاقة فيها أبوية وحماية، ودفاع عنها، وسلطة عليها بالمنع والسماح، وتحكم تحت ذريعة الحماية فنجده يقفل باب السيارة ويمنعها من النزول ويراقبها ممتعضًا؛ لأنه يخاف عليها من الشاب الذي تريد مقابلته ويريد حمايتها منه والبطلة في النهاية تكون ممتنة لهذه الحماية وراضيةً بها.

يعرض الفيلم أيضًا الشاب المتردد غير الجاد في العلاقة، الخائف من أمه وهو غير قادر على اتخاذ قرار، جاء معتذرًا للبطلة يريد إنهاء العلاقة معها؛ مما أغضب البطلة وأثار حفيظتها لتتشكل عقدة الصراع بينهما.

وقع الاختيار على هذا الفيلم؛ نظرًا إلى ما يحتويه من آليات مختلفة للسينماتوغرافيا من جهة، وجودة اختيار هذه الآليات المختلفة والمتنوعة، ومساهمتها في خلق المعنى المراد من اللقطة، أو تعميق وتفصيل المعنى من جهة أخرى.

تحليل الفيلم

اللقطة الأولى: image بدأت المخرجة الفيلم بشاشة سوداء ذكرت بها (الرياض، بداية الألفينات)، ثم انتقلت مباشرة لهذه اللقطة في البداية، وهي لقطة واسعة عامة، بعيدة تناسب اللقطة الأولى من الفيلم التي يتوقع منها أن تعطي معلومات تأسيسية عن موضوع الفيلم، يظهر فيه الزمان مساءً والمكان بيت من بيوت الرياض لإحدى العائلات المتوسطة، ويظهر من خلف باب المنزل خيال شخصية ما. لكن نعرف شيئًا عن هذه الشخصية عند هذه النقطة من الفيلم؛ من هي، وجنسها، وعمرها، واسمها؟ وهنا قامت العدسة البعيدة الواسعة بدورها وهو التأسيس والتشويق لما سيحدث وتقديم معلومات عامة.

ونلحظ أن زاوية الكاميرا زاوية مستوية، زاوية النظر، كأن المشاهد يقف أمام المنزل بحيادية ليرى ماذا سيحصل هنا؛ مما يتيح له الإلمام بالحدث ومعرفة ما سيحصل، والكاميرا ثابتة لم تتحرك.

كل هذه سمات للسينماتوغرافيا في اللقطة لتوصلنا لمعنى واحد وهو التأسيس لقصة الفيلم والتشويق لبقية الأحداث. image في هذه اللقطة نجد البطلة تجلس في السيارة، وزاوية الكاميرا منخفضة قليلًا، فالعدسة متوجهة لأعلى؛ مما يسمح للمتلقي مشاهدة الجزء العلوي من الشخصية، فيحصل على معلومات أكثر عن الجزء المكشوف من الشخصية وهو الذي يهم المشاهد البطلة، حيث تتزين وتتأكد من مظهرها كأنها تستعد للقاء أحد.

واستُخدمت هنا العدسة المتوسطة؛ مما سمح لنا برؤية الشخصية وجزء من الشارع، ومكان التصوير -داخل السيارة-، فبدأ المشاهد يقترب أكثر من قصة الفيلم ويتحد معه، واستخدام العدسة المتوسطة التي تعطي معلومات عن الشخصية وعن الفضاء المحيط بها، مع محاولة خلق تعاطف مع الشخصية والدخول في مساحتها وأفكارها. وتستمر العدسة المتوسطة في هذا المشهد حيث يبدأ الحوار بين البطلة وبين عيدروس السائق، والكاميرا تتنقل بينهما بالتناوب. image في هذه اللقطة استخدمت المخرجة العدسة القريبة، وكشفت لنا مزيدًا من التفاصيل ليس فقط عن الشخصية بل حاولت الربط بين تفاصيل الشخصية -لبسها وطريقة تصفيف شعرها، وطريقة تزينها، وإكسسواراتها- وبين زمن الفيلم الذي أشارت له بالبداية وهو بداية الألفية الثانية -الألفينات كما صرحت المخرجة بداية الفيلم-.


  • [1] بتصرف: من معجم المصطلحات السينمائية، ماري تيزيز جورنو، تر: ميشيل ماري، ص19.
  • [2]  ينظر: عصر الصورة السلبيات والإيجابيات، ص273،274، د. شاكر عبد الحميد، عالم المعرفة، الكويت، 2005م.
  • [3] ينظر: أساسيات الإخراج السينمائي، نيكولاس تي بيرفيريس، تر: أحمد يوسف، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2011م، ص85،86
  • [4] سيناريو الفيلم السينمائي تقنية الكتابة للسينما، أدريان برونل، ترجمة: مصطفى محرم، وزارة الثقافة المؤسسة للسينما، سوريا، 2007م. ص56.
  • [5] ينظر الخطاب السينمائي لغة الصور، فران فينتورا، ترجمة: علاء شنانة، مجلة الفن السابع، منشورات وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينما، سوريا، 2012م، ص127.
  • [6] فكرة الإخراج السينمائي كيف تكون مخرجًا عظيمًا، كين دانسايجر، ترجمة: أحمد يوسف، مصر، المركز القومي للترجمة، ط1، 2009م، ص 131.
  • [7] السابق، ص126.
  • [8] السابق، ص126.
  • [9] السابق، ص125.
  • [10] ينظر: من مناهج السيناريو والإخراج والمونتاج، د. منى الصبان، عمان، دار المجدلاوي، 2010، ط1، ص204.
  • [11] حاز الفيلم على جائزتين في مهرجان أفلام السعودية عام 2024م، جائزة النخلة الذهبية من لجنة التحكيم، وجائزة النخلة الذهبية لأفضل ممثلة فيلم قصير، وحاز على جائزة wasserman من جامعة .New yourk University

image في هذه اللقطة نلحظ أن الكاميرا تتمركز في الخلف على مستوى النظر، واختيار حجم العدسة المتوسطة، والكاميرا ثابتة، يظهر من خلال هذه اللقطة سيارة العائلة دليلًا على سلطة العائلة على الفتاة، فالسيارة محملة بالمواد التموينية للمنزل وفيها ستجري الأحداث، كيس البصل على اليمين وكراتين الخضار في المنتصف جنبًا إلى جنب تظهر على يسار البطلة. هذه التفاصيل تؤكد على قيمة العائلة واحتوائها للفتاة، وصغر سنها وطيشها، تعيش حياة مراهقة تطلب من السائق أن يكذب على أمها حتى لا يعودان للمنزل. image حتى فكرة تصوير الفيلم كاملًا داخل سيارة يعطي دلالة المكان المغلق الحميمي العائلي، الذي فيه قيد وتأطير لها من وجهة نظر البطلة، أو ربما الاحتواء وحماية من وجهة نظر عيدروس.

اللقطة هنا من زاوية مستوى النظر، وحجم العدسة متوسطة، يظهر عيدروس والبطلة في لقطة تجمعهما وهو يراقبها بانزعاج من طيشها، وهي منهمكة في زينتها وتعديل شعرها وتفاصيلها، واللقطة المتوسطة تضع الشخصيتين داخل إطار الصورة وتبين الاختلاف في توجهات كل منهما، فالفتاة ما تزال في مقتبل العمر تتحدى العادات، وتتحدى الأهل لمقابلة شاب، وعيدروس السائق الذي يرفض ما تقوم به ويفضل أن يكون مرافقًا لها، ومانعًا إياها من مقابلته في سيارته، بل يحاول أن يجعل كل ما تقوم به تحت مراقبته بعين تحاول أن تكون أبوية، فهو في النهاية لا يستطيع أن يمنعها منعًا مطلقًا، لكن لديه قدرة على احتواء الموقف بأقل الأضرار حسب وجهة نظره. image هنا تأتي زاوية التصوير في مستوى النظر، والكاميرا متوسطة، والصورة من خلف الشخصيات مع إظهار لعمق المجال في الصورة، والكاميرا الخلفية في هذه اللقطة تدل على العلاقة المخفية المتوارية عن أنظار الأهل والمجتمع بين الشاب والفتاة، وعلى الرغم من إخفاء العلاقة عن الأهل إلا أن سلطتهم لا تزال موجودة بما تظهره السينماتوغرافيا أيضًا من فضاء مكاني يجمع الشاب والفتاة وهو سيارة العائلة، وما تحمله هذه السيارة من أغراض غذائية للمنزل، ويظهر أيضًا سائق العائلة عيدروس ومحاولته لحماية الفتاة، هذه التفاصيل تعطي دلالة على محاولة حماية الفتاة من هذا الشاب وقرب الأهل منها. image نجد أن المخرجة تكرر استخدام اللقطة المتوسطة والقريبة في الفيلم مع زاوية مستوى النظر، أما عن دلالة العدسة القريبة في اللقطات السابقة نجدها تخلق معنى عميقًا من الحميمية والتعاطف عند المشاهد، ويبدأ يشعر بقربه من الشخصية؛ ليعرف كيف تنفعل، كيف تتصرف، وكيف تفكر الشخصية، وتنبئ بما ستقوم به من فعل أو ردة فعل.

وكذلك لقطة نهاية الفيلم كانت عدسة قريبة من البطلة أظهرت لنا انفعالاتها وغضبها ثم هدوءها وابتسامتها في نهاية الفيلم رغم رفضها حماية عيدروس لفظًا لكن تقبلها وحاجتها له في داخلها التي أظهرتها ابتساماتها في نهاية الفيلم عند النظر إليه. image في هاتين اللقطتين استخدمت المخرجة مع صورة البطلة الزاوية المنخفضة؛ لينظر إليها المشاهد من أسفل إلى أعلى وهذه اللقطة توحي بالقوة والسيطرة وبالفعل ظهرت البطلة بصورة المنفعل المهاجم في هذه العلاقة فهي ترفض فكرة التخلي عنها، وتقابلها بغضب وعصبية وهجوم على الشاب، بينما استخدمت المخرجة مع لقطة الشاب الزاوية المرتفعة؛ لتظهره في زاوية أسفل الصورة، وبالتالي المشاهد ينظر إليه من أعلى والشاب يظهر وهو خائف، ومتردد، ويحاول الاعتذار، ويتفادى ردة فعل -ضربات- البطلة التي تنتقم منه؛ لأنه يريد التخلي عنها.

ظهرت حركة الكاميرا وهي بيد المصور في الفيلم بالتنقل التناوبي بين البطلة والشاب بسرعة بعد أن كانت ثابتة أغلب الفيلم ليدل ذلك على التسارع في القصة، ووصولنا لذروتها أولًا، وتأجيج الصراع بين الشخصيات وإظهار التوتر فينا، بينها طرف يريد التخلص من العلاقة والطرف الآخر يريد الحفاظ عليها ومن هنا ينشأ الصراع بينهما ثم تتحرك الكاميرا وتغير موضعها لتصور الشخصيات من زوايا علوية ومنخفضة؛ ليتشكل لدى المشاهد صورة الشخصية الغاضبة المهاجمة وصورة المدافع الخائف الذي سيعاقب في نهاية الفيلم ويترك في الشارع وحيدًا. اختيار الآليات المتنوعة في تشكيل السينماتوغرافيا في هذا المشهد كان موفقا جدًا، وأرى أن جانبًا كبيرًا من نجاح الفيلم يعول عليه، وقد ظهرت موهبة ومعرفة المخرجة الحقيقة هنا من خلال ما خلقته الكاميرا من معانٍ وما أكدته من معانٍ أخرى في هذا المشهد بالتحديد، ونجد في هذا المشهد بالتحديد حضورًا فنيًا لحركة الكاميرا أثرى المعنى.

image

اللقطة البعيدة الواسعة استخدمتها المخرجة في اللقطة الأولى للفصل بين لقطتين استخدمت بهما العدسة القريبة، والدخول السلس لشخصية الشاب، وللانتقال بالزمن دون أن تظهر تلك التفاصيل الدقيقة.

وفي اللقطة الثانية كانت من نهاية الفيلم، حيث استُخدمت الزاوية البعيدة مع العدسة الواسعة، تظهر بالصورة الشاب وحيدًا في مكان خاوٍ والسيارة تمشي مخلّفته ورائها وهو يقف في الشارع وحيدًا بعد أن طردته البطلة من السيارة، لا حيلة له منحني الأكتاف يتجه بنظره إليهم متفاجئًا بردة الفعل العنيفة.

زوايا التصوير واختيار حجم العدسة أوحت بمعنى التخلي والوحدة في مكان كبير وخالٍ من المارة في منطقة مقطوعة؛ ليلقى هذا الشاب عقابه إزاء قراره بإنهاء العلاقة بينه وبين البطلة.

الخاتمة

بعد تحليل أبرز اللقطات في الفيلم يتضح لنا أهمية السينماتوغرافيا في خلق المعنى وتكثيفه، والتأكيد عليه، وإعطائه أبعاد أخرى يمكن للمشاهد أن يصل لها عن طريق استخدام زوايا تصوير مختلفة وأحجام عدسات متنوعة، والاستخدام الفني لحركة الكاميرا، لنستنتج في النهاية أن كل حركة صغيرة في بناء الفيلم لا تكون عشوائية بل تختار بعناية، ومن هنا تظهر أهمية المخرج ومقدرته على إنجاز رسالة العمل.

ومن اللافت للانتباه في هذا الفيلم اعتماد المخرجة -في الغالب- على العدسة المتوسطة لتُظهر معلومات عن المشهد مع خلق تعاطف واقتراب من الشخصية، وتستخدم العدسة القريبة لنقترب أكثر من الشخصيات. مع قلة استخدام العدسة الواسعة البعيدة؛ وذلك له مبرر وهو أنه فيلم قصير لا يحتمل المعلومات العامة ثم التفصيل، ثانيًا فضاء التصوير مغلق داخل سيارة، وهي تريد إظهار علاقة البطلة بالشاب علاقة مغلقة متوارية عن عيون المجتمع والناس تمرر خفيّة أثناء مشاغل اليوم.

ونستنتج أيضًا قلة استخدام حركة الكاميرا فهي بالمجمل ثابتة لا تتحرك إلا عندما بلغت القصة في الفيلم ذروتها واستخدمتها المخرجة بصورة فنية احترافية وصلت من خلال تحريكها للكاميرا رسالة للمتلقي، وضحت الصراع القائم بين الشاب والفتاة وحماية عيدروس لها.

وزاوية التصوير الغالب في الفيلم هي زاوية وجهة النظر (الحيادية)، ولا تستخدم الكاميرا بزوايا مختلفة إلا لخلق معنى محدد، مثل: إحساس الشخصية بالخوف، استخدمت العلوية؛ لتظهر فعلًا للمشاهد أنها خائفة، والمشاهد يراها من أعلى وكذلك العكس عندما استخدمت الكاميرا من زاوية منخفضة.


    المراجع
  • 1. برونل، أدريان، ترجمة محرم، أحمد، سيناريو الفيلم السينمائي تقنية الكتابة للسينما، سوريا، منشورات وزارة الثقافة، ط1، 2007م.
  • 2. تي بيرفيريس، نيكولاس، ترجمة يوسف، أحمد، أسياسيات الإخراج السينمائي، مصر، المركز القومي للترجمة،2011.
  • 3. جورنو، ماري، ترجمة ماري، ميشيل، معجم المصطلحات السينمائية.
  • 4. دانسايجر، كين، ترجمة يوسف، أحمد، فكرة الإخراج السينمائي كيف تكون مخرجًا عظيمًا، مصر، المركز القومي للترجمة، 2009م.
  • 5. الصبان، منى، من مناهج السيناريو والإخراج والمونتاج، الأردن، دار المجدلاوي، ط1، 2010م.
  • 6. عبد الحميد، شاكر، عصر الصورة السلبيات والإيجابيات، الكويت، عالم المعرفة، 2005م.
  • 7. فينتورا، فران، ترجمة، شنانة، علاء، الخطاب السينمائي لغة الصور، سوريا، منشورات وزارة الثقافة، 2012م.