صورة الأسود بين المنتمي وغير المنتمي (دراسة نقد- عرقية على نماذج مختارة)

فلوة الدرعان

المقدمة

تعددت الروايات التي تناولت قضايا المهمّشين والمضطهدين، وكانت إحدى أكثر الفئات التي هُمّشت على امتداد التاريخ ذوي العرق الأسود، ومما يلاحظ اختلاف الخطاب الذي تناول صورة الأسود وقضية العبودية بين خطاب المنتمي (الأسود) وغير المنتمي (غير الأسود)، وهذا ما سيُدرس في هذا البحث.

فرضية البحث

يفترض البحث وجود اختلاف في صورة الأسود ومعاناته بين خطاب الكاتب المنتمي عرقيًا وبين خطاب الكاتب غير المنتمي، رغم تشابه الثيمات الكبرى في الأعمال، وعلى الرغم ما تفترضه المدونة من تشابه في الخطاب.

أسئلة البحث
  • كيف اختلفت صورة الأسود في العملين منذ العتبة الأولى؟
  • كيف اختلفت الألفاظ التي استخدمها الكاتب لوصف السود لأنفسهم ووصف الآخر لهم؟
  • من هم المسترقون في العملين؟ وكيف تعاملوا مع حقيقة عبوديتهم؟
  • كيف اختلف التعامل الأسود المسترق مع الدين والمستعمر؟
المدونة المدروسة

سيدرس البحث روايتي "ثمن الملح" للكاتب البحريني (خالد البسام)، وهي رواية غير المنتمي. ورواية "شوق الدرويش" للكاتب السوداني (حمّور زيادة) وهي رواية المنتمي للعرق الأسود.

وكان سبب اختيار المدونة اعتراف الروائيين أنها محاولة لتسجيل معاناة العبودية وتاريخ استعباد السود في العالم العربي، واستنادهم لوثائق ووقائع حقيقية، إضافة إلى قرب الفترة الزمنية التي صدرت بها الروايتان (شوق الدرويش 2014)، (ثمن الملح 2016)، كذلك تناول الروايتين لفترة زمنية متقاربة وهي نهايات القرن الماضي.

الدراسات السابقة

إسماعيل، عزوز علي. (2015). التراث والمتخيل السردي عند حمّور زيادة في شوق الدرويش. مجلة كلية دار العلوم. ع81، 75-114.
سيفيد منها البحث في معالجتها لتمثلات المستعمر والدين في الرواية، وسيختلف عنها في مقارنته بين التمثلات ذاتها في رواية غير المنتمي، وفي تناوله لتمثلات أخرى في الرواية.

منهج البحث

يستند البحث إلى النظرية العرقية (Critical Race Theory) وهي النظرية التي "تنصب على دراسة الأعراق الإنسانية، ضمن منظورات إثنية وثقافية ونقدية خاصة. وتوحي النظرية العرقية في صميمها بمركزية الرجل الأبيض، وتميزه طبقيًا واجتماعيًا وثقافيًا، وتفوقه على باقي الأعراق الأخرى. ويقصد بالنظرية العرقية في الأدب والنقد التركيز على دراسة الأعراق الوراثية والجينية. بمعنى أن هذه النظرية تدافع عن الأقليات المهمشة عرقيًا ولونيًا في عالمنا هذا، كالحركة الزنجية التي تنافح عن الإنسان الأسود ضد هيمنة الرجل الأبيض وغطرسته. ومن ثم، فالنظرية العرقية هي التي تقوم على أساس عرقي في إطار وراثي وثقافي وإثني. وبتعبير آخر، فالنظرية العرقية هي ضد التغريب، والإقصاء، والنبذ، والكراهية، والعدوان، والتمييز اللوني والعرقي. ومن هنا، تهتم النظرية العرقية في الأدب والنقد بالظواهر العرقية والإثنية. وتعنى كذلك بالتمايزات اللونية التي تحبل بها النصوص والخطابات الإبداعية والثقافية على حد سواء، بغية مدارستها وتحليلها ومناقشتها في ضوء المقاربات المتعددة الاختصاصات التي تمزج بين مجموعة من المناهج المعرفية المعروفة لفهم البنية والدلالة والوظيفة. وقد ارتبطت النظرية العرقية تاريخيا بخطاب "ما بعد الاستعمار"؛ لأنه يكشف التفاوت اللوني والعرقي والحضاري والإثني والثقافي بين عالم الغرب والعالم الثالث. ومن هنا، فنظرية العرقية هي التي تنكب على النصوص والخطابات ذات التوجه العرقي والتمايز اللوني والإثني بمشرح التفكيك والتقويض والتشتيت، بغية فضح الأيديولوجيا الليبرالية الغربية القائمة على الميثولوجيا البيضاء الواهمة". (حمداوي، جميل. (2016).

نظريات النقد الأدبي والبلاغة في مرحلة ما بعد الحداثة. طنطا: دار النابغة للنشر والتوزيع. ص 264-265).

أولًا: العتبات

تظهر على غلاف رواية "ثمن الملح" صورة لسوق العبيد في مكة سنة 1962 ويعرف بسوق "دكّة الرقيق"، في مشهد يصفه الروائي (خالد البسام) داخل الرواية بقوله: "كان من المستحيل تقدير عدد العبيد الذين كانوا على متنها. فقد وُجدوا وكأنهم عش من النمل وكانوا في منتهى البؤس. وكانت تنبعث رائحة داخل السفينة كريهة لا تطاق بسبب المياه القذرة والقمامة التي تغطيه. وفي أسفل السفينة كانت توجد أعداد من الأطفال والمخلوقات التعسة في أسوأ مراحل الجدري وداء الخنازير. ولا يمكن أن تقع عينا المرء على مشهد أكثر بشاعة وهدرًا للإنسانية من هذا. ويكفي أن قذارة المركب بلغت الحدّ الذي لا يستطيع أن يتحمله البحّارة". (البسام، خالد. (2017). ثمن الملح. (ط2). بيروت: جداول للنشر والترجمة. 16-17). نلحظ في هذا المشهد أن الكاتب يصف هؤلاء البشر كما لو كان وصفًا لزريبة حيوانات لا لبشر، وهو يعترف بذلك إذ يصفه بأنه هدر للإنسانية. في المقابل نجد في رواية "شوق الدرويش" على غلاف الرواية صورة للقساوسة أعضاء البعثة التبشيرية المقيمة آنذاك في جبال النوبة، وهم الذين أسرهم المهدي قبل سقوط الأبيض، وهؤلاء هم من تبقوا على قيد الحياة وحضروا مع جيش المهدي إلى الخرطوم. وهم الأب (جوزيف أهوالدر) (Joseph Ohrwalder)، والأختين الراهبتين (فينتورني وشينكارني) (Sisters Venturini and Chincarini) ومعهما خادمتهما (عديلة). الصورة من كتاب (Ten Years captivity in the Mahdo's Camp 882-1892)، ورغم أن الصورة المستخدمة للنصارى البيض الذين يعدّون أقليّة في بلد الأسود، إلا أنهم يقفون شامخين، يحمل الأب جوزيف سلاحًا، وتظهر على ملامحهم أمارات الثقة.

وفي العتبات النصية بدءًا من العنوان نجد الرواية الأولى معنونة في بـ"ثمن الملح" يفسّر الراوي اختيار العنوان في حوار العبدة (عبدة) مع سيدتها (موزة) حين أخذت من الإنكليز ورقة حريتها: "لا تتصوري أن الإنكليز سوف يجعلونك حرّة.. فأنتِ عبدتي وأنا اشتريتك بالمال.. أنتِ ما تزالين عندي عبدة عفنة وراقصة حقيرة.. إذا أردتِ الحرية فادفعي كل المبلغ الذي دفعته لك.. مفهوم يا "حرّة"... حرّة هاها.. حرّة. هذه السوداء الحقيرة صارت حرّة.. هذا آخر الزمان... أنتِ يا ثمن الملح.. هل تعرفين أنكِ لا تساوين حتّى ذرة ملح؟! يا ثمن الملح الرخيص" (البسام، خالد 206-207). وهو ما فيه استنقاص ودونية لـ(عبدة) التي تنتمي للعرق الأسود. أما في رواية "شوق الدرويش" يفسر الراوي هذا العنوان حين يقول: "يشتعل رغبةً. يتشظى حنقًا. يعض شوقه. يطلب النوم. فتصهل الأحلام الموجعة في روحه. يشتاقها كشوق درويش للجنة" (زيادة، حمّور. (2015). شوق الدرويش. (ط15). القاهرة: دار العين للنشر. 364)، وهو الشوق الذي تكنه الشخصية الرئيسة في العمل (بخيت منديل) للنصرانية التي يحبها (ثيودورا)، إذ تعبر الرواية على امتدادها عن محبة (بخيت) لـ(ثيودورا) وشوقه لها وسعيه للانتقام من قاتليها، وهو العبد الأسود، في حالةٍ لا تجرده من إنسانيته فرغم سواده وعبوديته كان يحبّ النصرانية البيضاء -المختلفة عنه عرقيًا ودينيًا- ويسعى إلى الزواج بها. وفي مقاربة بين عنوانيّ الروايتين نلحظ دونية التسمية في عمل الكاتب غير المنتمي "ثمن الملح" الذي يعبّر عن ازدراء وقلّة قيمة للأسود، أما في رواية المنتمي "شوق الدرويش" فالعنوان يعبّر عن أشواق إنسان عادي لمحبوبة لا يركّز على اختلاف لونيهما.

كذلك في العتبات النصية فإن رواية "شوق الدرويش" تحمل إهداءً: "إلى التي". ثم اقتباسًا من ابن عربي: "كل شوقٍ يسكن باللقاء لا يعوّل عليه". تعبر عن حالة إنسانية طبيعية من الاشتياق البالغ للمحبوبة، أما في رواية "ثمن الملح" يضع الكاتب اقتباسًا لنصار مبارك الخيري من جريدة المقتطف المصرية عام 1910، يقول فيه: "ما قولكم في بيع الرقيق أفضيلة هو أم رذيلة، فإن كان الأول فلماذا يصادره الغربيون، وإن كان الثاني فلماذا لا يقول بتحريمه رجال الدين في الشرق. ويقول الغربيون إن علة هذا الداء الإسلام والمسلمون، فهل هذا صحيح، وإن لم يكن كذلك فما سبب تأصله حتى صار يصعب قطع جرثومته من الشرق؟" وهي عتبة نلحظ معها اختزال الروائي (خالد البسام) للأسود في لونه حتى في النصوص التي يقتبسها، وعلى امتداد العمل كانت الشخصية الرئيسة (حنّا) التي غُيّر اسمها إلى (عبدة) تراعي في كل فعلٍ تقوم به فكرة عبوديتها، وأنها سوداء، كذلك بقية الشخوص في العمل، من السود وغيرهم، لم يستطيعوا الانفصال عن فكرة العبودية والرق والنظرة تجاه السود، وإن كانوا غير سود، وقضية العبودية سيطرت على الكاتب منذ غلاف الرواية حتى نهايتها، وهي فكرة موجودة في كل صفحة تقريبًا إلا في الصفحات القليلة التي عرضت لهروب (ابن نصري) إلى (شيراز) وشوق أمه له.

ثانيًا: تمثلات اللون

عبرت رواية "ثمن الملح" عن ازدراء واضح للون الأسود، من السود لأنفسهم ومن الآخرين لهم، في مقابل امتداح للون الأبيض، تقول (عبدة): "ها أنا ذا أعيش في عالم البيض... عالمهم أبيض ودنياهم ذات لون فاتح. أحيانًا أشعر أننا أي عبيد البيت، وكأننا نقاط سوداء على صفحة بيضاء، وهي نقاط لا معنى لها سوى تغيير الصفحة أو اللوحة. إنها مجرد نقاط وضعت لكي تخدم البياض الناصع وتجمله، ولكي تدعي الحرية وتعدد الألوان في الدنيا!" (البسام، خالد 51). (عبدة) لا تنتظر ازدراء الآخرين لها، هي تزدري ذاتها وترى أنها موجودة لخدمة الأبيض، بل تستصغر ذاتها وعرقها جميعهم وتقول إنهم مجرد (نقاط) وهي أصغر ما يمكن أن يكون في أي صفحة، ثم تكمل: "بالصدفة كان اللحم الأبيض أمامي بالأمس واضحًا... عندما بدأت تتعرى سيدتي أمامي شيئًا فشيئًا أحسست لأول مرة بدهشة الجسد. كان جسدها أبيض بشكل لا يصدق، لا توجد بها بقعة سمراء صغيرة واحدة من وجهها حتى أخمص قدميها. حين جلست سيدتي عارية تمامًا تنتظر أن أصب عليها الماء الدافئ الذي سخنته لتوي في المطبخ، داهمني تساؤل غريب وغامض وهو كيف أن الله أعطى لهذه السيدة كل هذا الجسد الأبيض الجميل وأنا أعطاني هذا الجسد المملوء بالعتمة والسواد؟... لم أخرج من الحمام إلا وأنا مذهولة من جسدها الرائع الذي أبقاني في كوابيس نوم طويلة. كان أبشع كابوس واجهني هو أنني أمسكت سكينًا كبيرة من المطبخ وأقفلت على نفسي باب حمام العبيد ورحت أحاول مسح سواد جلد جسدي بالسكين. فقد حضرني اعتقاد أن سواد الجسد عندنا ما هو إلا طبقة فوق الجلد بسبب القذارة والبقاء لفترة طويلة بدون استحمام، وأننا إذا قمنا بإزالة هذه الطبقة فسوف نصبح بيضًا مثل بقية البشر!" (انظر البسام، خالد 51-53)، نلحظ في هذا النص أن ازدراء اللون وصل بـ(عبدة) إلى حكّ جلدها بالسكين رغم نشأتها في بيت ومنطقة يعيش بها السود وحدهم، حيث كان حريًا بها ضمن هذه الظروف أن تتقبل لونها وتحبه فهو لون أهلها وذكرياتها، وانتمائها في المقام الأول، لكن الروائي بالغ في تصوير انبهار (عبدة) بجسد سيدتها ولونه، إلى حدٍ أدّى بها إلى تصرف غير منطقي ومتطرف بكشط جلدها بالسكين. وفي مقابل ازدراء لونها الأسود كانت تزدري -في الصفحات نفسها- كل ملامح يتميّز بها عرقها كشعرها الخشن، وأنفها الأفطس وتعقد مقارنة بين شكلها وشكل سيدتها، الروائي في خطابه يبالغ في ازدراء الأسود للونه شخصيًا والشخصية الرئيسة في العملة (عبدة) شخصية مأزومة بسبب لونها، ولم يكن هذا الازدراء على لسان (عبدة) بل حين يأتي السرد بلسان الراوي العليم نجد الازدراء ذاته، ففي صفحات سابقة من الرواية يقول: "كانت زناخة العبيد هي رائحة الميناء العنفة" (البسام، خالد 22)، ثم يكرر الوصف ذاته: "كان الميناء مع تلك الحشود والحركة التي لا تهدأ مملوءًا بالروائح النتنة، وروائح العرق الكريهة" (البسام، خالد 23). ومثلما جعل الروائي العفن مرادفًا للسواد، جعل السواد مرادفًا للعبودية فحين غيّر التاجر اسم (حنّا) قال: "ما رأيك في اسم "عبدة".. اسم على مسمى!" ثم يقول: "من "حنّا" إلى "عبدة" صار الاسم الجديد هو عنوان جسدها وتاريخها الصغير وعرقها، والأهم لونها. إنها عبدة الآن جسدًا وروحًا وعبودية وكل شيء أسود" (انظر البسام، خالد 34). وهي في اللحظة الوحيدة التي شعرت بها لأول مرة أنها جميلة قالت واصفةً جسدها: "شعرت أنه جسد جميل رغم سواده، ويشتهيه كل الرجال رغم عتمته، وأنني جميلة رغم عبوديتي" (البسام، خالد 181)، وكأن لونها أصبح عيبًا لا تستطيع أن ترى نفسها خارجه، ففي هذه العبارة الوحيدة التي تمتدح نفسها بها تذكر كلمة "رغم" ثلاث مرات. يعبّر الروائي في نهاية العمل عن مدى إلحاح فكرة اللون على السود في نهاية حديثها عن نفسها في آخر الرواية تقول: "أحيانًا أقول لنفسي أنت حرّة وسوداء.. كيف يستقيم هذا؟ كيف يمكن أن يفهمه أحد في هذا المجتمع الذي لا يحب إلا سوى لونه ولا يندمج إلا معه؟" (البسام، خالد 215). كأن الروائي بهذه النهاية يوحي بأن النظرة تجاه السود لن تتغير لا من أنفسهم ولا من المجتمع لهم.

وفي مقابل هذا الازدراء للأسود نجد في رواية "شوق الدرويش" الضد تمامًا، نظرة عكسية يعبر فيها الأسود عن ازدرائه للون الأبيض: "ضمته إلى صدرها. فاخترقته. جسدها فاجر البياض. رائحتها صدئة. يكره لون البيض ورائحتهم" (زيادة، حمّور 204). يعبر الروائي صراحة عن كره (بخيت) للون البيض، ثم يصف (بخيت) رجلًا أوروبيًا بأن لونه أحمر كأنه مسلوق، وأنه مبلل بالعرق (انظر زيادة، حمّور 227)؛ لإضفاء مزيد من النفور على القارئ، وهو ليس (بخيت) وحده، جميع السود يزدرون البياض: "عارية أمام كل النظرات. يمر بحجرتها ذكور الخدم وإناثهم. ينظرون إلى جسدها في فضول واشمئزاز. ينزل الذباب عليها" (زيادة، حمّور 282). يصف الروائي منظر (ثيودورا) ونظرة السود المشمئزة لها في مشهد ختانها بطريقة منفّرة، ولا تقترب أبدًا من نظرة الانبهار باللون التي عبرت عنها (عبدة) في رواية "ثمن الملح". وهذا الاشمئزاز من اللون أدى إلى ازدراء جنس البيض كاملًا: تقول (مريسيلة): "كل البيض مجانين" (زيادة، حمّور 261)، بل صار الوصف بالأبيض سُبّة، تقول (مريسيلة) مرة أخرى حين جاء (بخيت) بحديث لا ترتضيه: "أنت وحديث البيض المعاتيه!" (زيادة، حمّور 391).

ولعل الروائي يحاول أن يصل لمرحلة من السلام في جعل (بخيت) الأسود يحب (ثيودورا) البيضاء، وتتغير نظرته تجاه اللون في حواره مع صديقه (جوهر)، يقول: "- وبياضهم القبيح. حرمهم الله جمال اللون ومنحهم طيبة القلب.

بخيت منديل ما عاد يذم البياض قبل أن تغزوه كان يتعجب كيف شوه الله هؤلاء الناس أجسادهم مسلوخة تكسوها حُمرة. أعينهم كقطط خبيثة. ورائحتهم نحاس صدئ. يوم داهمته بثينة كاد يقيء عليها. رائحة التركية، ابنة سيده الغليظ، ثقيلة عطنة. عيناها طالما طاردتاه بنظرات لم يعرف لها تفسيرًا. حين يقف في فناء البيت لا يستره إلا سروال قصير كانت تمسح صدره بابتسامتها. ينتابه القلق. يوم قررت الصبية ذات الأربعة عشر عامًا أن تهجم كان ينقل أثاث الغرفة الشرقية في سرايا سيده إلى غرفة أخرى. دخلت عليه وأغلقت خلفها الباب تحفز متوترًا، قاربته وتحسست صدره العاري. قالت وهي تلهث:
- يا للجمال... أنت قبيح لدرجة أنك جميل يا الله!!" (زيادة، حمّور 203).

نلحظ هنا حيرة (بثينة) وتعجبها وتخبط وصفها لـ(بخيت) بين الجمال والقبح، فهي -البيضاء- تنبهر بجماله، وتستلم في الوقت نفسه للثقافة السائدة التي صورت الأسود بالقبح. يكمل الروائي الحوار بين (بخيت) و(جوهر)، لكن جوهر لا يقتنع بأي جمال لدى البيض، يقول (بخيت):
"- ليس كل البياض قبيحًا.

ينظر إليه جوهر متعجبًا. يقول:
- يا للنصرانية التي أفسدت دماغك، كيف تجد في لونهم ما يعجب؟" (زيادة، حمّور 204).

لكن (بخيت) نفسه رغم تصالحه مع لون الآخر -الأبيض- إلا أنه يظل معتدًا بلونه ومحبَّا له، يقول لـ(ثيودورا): "أريد أن يكون لي أطفال في لوني وجمال عينيك" (زيادة، حمّور 260). ولعلها محاولة من الروائي في إنشاء نسقٍ مضاد يعيد كرامة الأسود، ويقوِّض خطاب الأبيض المزدري للأسود. نجد أنفسنا في هذه النماذج أمام نسقين مضاديّن للنسق الأول في رواية غير المنتمي "ثمن الملح" الذي يزدري الأسود، إذ في رواية المنتمي "شوق الدرويش" يكون النسق المضاد الأول بازدراء البشرة البيضاء. والثاني بالإعجاب بالبشرة السوداء من السود أنفسهم وغيرهم.

تظهر محاولة الروائي في خلق الأنساق المضادّة بصورة أكبر في نظرة الأبيض للأسود داخل العمل، تحديدًا في نظرة (ثيودورا) تجاه السود، ففي صفحات مبكرة من العمل "تمجد الرب أن خلقها بيضاء. تشفق على من شوههم بالسواد" (زيادة، حمّور 130-131). ثم تحاور الأب بولس وتسأله وهم في طريقهم إلى الخرطوم:
"- هل رائحة السود قبيحة كلون بشرتهم؟

يذكرها الأب بولس خبر أبناء نوح:
حام دعاه أبوه عبدًا لإخوته، وأبناءه عبيدًا لأبنائهم. لكن نحن نحمل كلمة الرب لهم. فكلما أحببناهم أحبنا الرب.

دروتا أخبرتها ليلًا في القمرة: رائحتهم قبيحة عطنة. رائحة ثقيلة كفاكهة عفنة. أما عرقهم فسام.

ثم تضيف حالمة: ليس فيهم سحر المصريين ولطفهم. دروتا رأت بعضهم عسكرًا في القاهرة. أمها، لاسكارينا الحسناء، قالت لها وهي تقرأ خطابات الأقارب والمعارف من الخرطوم لتعلمها منها ما ستقدم عليه: طبعهم الغدر. متوحشون، لكنهم كحيوانات المزرعة. فكوني أنت الراعي لخراف الرب السوداء" (زيادة، حمّور 132)، نلحظ في هذا النموذج ازدراءً مضاعفًا من كل من: ثيودورا، الأب بولس، دورتا، لاسكارينا. فهم يصفون لونهم بالقبح، ورائحتهم بالعفن، وأخيرًا يصفونهم بأنهم حيوانات، وأصل هذا الازدراء كله: اللون. ورغم هذا الازدراء المضاعف فإن الأسود يقف موقف القوّة هنا، إذ يذكر (د. أحمد زايد) أن "تعصب الأقلية ضد الأغلبية هو أشد أنواع التعصب شراسة، إذ إن الأقلية تدرك أنها من الوجهة العددية -على الأقل- في مركز الضعف، ومن ثم فهي تعوّض ضعفها باتّخاذ جميع التدابير الكفيلة بإبقاء الأغلبية المضطهدة في حالة لا تسمح لها بالانقضاض عليها" (زايد، أحمد. (2006) سيكولوجية العلاقات بين الجماعات– قضايا في الهوية الاجتماعية وتصنيف الذات. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. ص89). وكأن الروائي ينتزع اعتراف الأقلية البيضاء بقوة الأكثرية السوداء، كما تحوّل ذلك الازدراء في صفحات تالية من العمل إذ تعترف (ثيودورا) في مذكراتها بجمال النساء الحبشيات: "أغلب الأتراك والمصريين والأوروبيين يحبون الحبشيات. أعترف أنهن حسناوات. لونهن كالقهوة الرائقة. وطبائعهن كذلك" (زيادة، حمّور 256) لكن لا يكون هذا التحول كبيرًا، إذ يكتشف (بخيت) في صفحات تالية من مذكراتها -التي قدمتها بنفسها له- نفورًا بالغًا وفوقيّة تمارسها تجاه السود، يقول السارد: "قلبها، ذلك الأحمق الذي يعاندها، مال في يأسها إلى عبدٍ خيالي. تكره حبّه لها، حنوه عليها... هي رسولة الرب في بلاد الغنم. هل تعشق القديسة الغنم؟" (زيادة، حمّور 416)، كما يتّضح من استخدام السارد للعبارة فإن (ثيودورا) ما تزال متأثرة بالخلفية الثقافية التي جاءت منها، إذ تستخدم وصف (لاسكارينا) للسود بأنهم غنم، وبأنها ذاهبة في مهمة مقدّسة. ولم تستطع أن تنخلع عنها رغم حبّها لـ(بخيت) يقول السارد: "لا تريد أطفالًا سودًا يؤمنون بدرويش ميّت يحلمون بغزو العالم.. ربما لو تزوجت لن يكون زوجها عبدًا أسود" (زيادة، حمّور 418). على الرغم أن (ثيودورا) كانت مسترقة هي الأخرى وقتها، إلا أنها كانت ترى في (بخيت) عبدًا أسودَ تكره أنها تحبه، ولا تجد فيه أهلًا للزواج بها.

ثم تضيف حالمة: ليس فيهم سحر المصريين ولطفهم. دروتا رأت بعضهم عسكرًا في القاهرة. أمها، لاسكارينا الحسناء، قالت لها وهي تقرأ خطابات الأقارب والمعارف من الخرطوم لتعلمها منها ما ستقدم عليه: طبعهم الغدر. متوحشون، لكنهم كحيوانات المزرعة. فكوني أنت الراعي لخراف الرب السوداء" (زيادة، حمّور 132)، نلحظ في هذا النموذج ازدراءً مضاعفًا من كل من: ثيودورا، الأب بولس، دورتا، لاسكارينا. فهم يصفون لونهم بالقبح، ورائحتهم بالعفن، وأخيرًا يصفونهم بأنهم حيوانات، وأصل هذا الازدراء كله: اللون. ورغم هذا الازدراء المضاعف فإن الأسود يقف موقف القوّة هنا، إذ يذكر (د. أحمد زايد) أن "تعصب الأقلية ضد الأغلبية هو أشد أنواع التعصب شراسة، إذ إن الأقلية تدرك أنها من الوجهة العددية -على الأقل- في مركز الضعف، ومن ثم فهي تعوّض ضعفها باتّخاذ جميع التدابير الكفيلة بإبقاء الأغلبية المضطهدة في حالة لا تسمح لها بالانقضاض عليها" (زايد، أحمد. (2006) سيكولوجية العلاقات بين الجماعات– قضايا في الهوية الاجتماعية وتصنيف الذات. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. ص89). وكأن الروائي ينتزع اعتراف الأقلية البيضاء بقوة الأكثرية السوداء، كما تحوّل ذلك الازدراء في صفحات تالية من العمل إذ تعترف (ثيودورا) في مذكراتها بجمال النساء الحبشيات: "أغلب الأتراك والمصريين والأوروبيين يحبون الحبشيات. أعترف أنهن حسناوات. لونهن كالقهوة الرائقة. وطبائعهن كذلك" (زيادة، حمّور 256) لكن لا يكون هذا التحول كبيرًا، إذ يكتشف (بخيت) في صفحات تالية من مذكراتها -التي قدمتها بنفسها له- نفورًا بالغًا وفوقيّة تمارسها تجاه السود، يقول السارد: "قلبها، ذلك الأحمق الذي يعاندها، مال في يأسها إلى عبدٍ خيالي. تكره حبّه لها، حنوه عليها... هي رسولة الرب في بلاد الغنم. هل تعشق القديسة الغنم؟" (زيادة، حمّور 416)، كما يتّضح من استخدام السارد للعبارة فإن (ثيودورا) ما تزال متأثرة بالخلفية الثقافية التي جاءت منها، إذ تستخدم وصف (لاسكارينا) للسود بأنهم غنم، وبأنها ذاهبة في مهمة مقدّسة. ولم تستطع أن تنخلع عنها رغم حبّها لـ(بخيت) يقول السارد: "لا تريد أطفالًا سودًا يؤمنون بدرويش ميّت يحلمون بغزو العالم.. ربما لو تزوجت لن يكون زوجها عبدًا أسود" (زيادة، حمّور 418). على الرغم أن (ثيودورا) كانت مسترقة هي الأخرى وقتها، إلا أنها كانت ترى في (بخيت) عبدًا أسودَ تكره أنها تحبه، ولا تجد فيه أهلًا للزواج بها.

عبّر كلا العملين عن ازدراء اللون الأسود، إلا أن تعبير الروائي غير المنتمي (خالد البسام) كان أشد وطأة من تعبير المنتمي، فقد حاول المنتمي (حمّور زيادة) أن يُنشأ خطابًا مضادًا يزدري فيه الأسود لون الأبيض، ويعيد لذاته مكانةً أفقدهُ إياها الأبيض حيث ينتزع -داخل الرواية- من ذوي البشرة البيضاء اعترافهم بجمال البشرة السوداء وإن كانت اعترافات مضطربة تتراوح بين الإعجاب والنفور، لكنه نجح في خلق النسق المضاد الذي ازدرى البشرة البيضاء وربطها بقبح الرائحة والزنخ، مثلما عبّر الأبيض في كلا العملين عن ازدراء البشرة السوداء وربط أصحابها بالرائحة العفنة.

ثالثًا: النظرة للعبودية

اختلف كذلك التعامل مع قضية العبودية في العملين المدروسين، ففي رواية "ثمن الملح" صوّر الروائي العبودية وكأنها اختيار السود لمصائرهم، إذ اختارَ والد (حنّا) بيعها مقابل مالٍ صرفه على مقارعة الخمور والمقامرة، رغم أنها نسله الوحيد، فقد اشتراه أمير بعد فترة قصيرة من حمل زوجته بها، ثم أخصاه وعلّق خصيتيه على باب بيته (انظر البسام، خالد 20-21). ورغم معاناته في العبودية وضرب سيده المتوالي له يختار أن يبيع ابنته، وتصفه زوجته بالمسكين لأن العبودية لم ترضَ به (انظر البسام، خالد 20). كأن نظرة الأسود تجاه العبودية نظرة صلح وقبول وأحيانًا تطلّع. فرغم استياء (حنّا) من الاسم الذي سميّت به (عبدة) وسعيها الحثيث في بداية العمل لتغييره، وتحملها لضرب (ابن نصري) وحبسه لها في محاولات منها لتغيير هذا الاسم، إلا أنها في اللحظة التي سنحت لها الفرصة بتغييره، أجابت موظف الحاكمية البريطانية حين سألها:
"- ألا تريدين أن تغيري اسمك الأول لأنه كما تعرفين يرمز إلى...

قاطعته قائلة:
- هذا هو اسمي ولن أغيّره" (البسام، خالد 197).

وكأن في انهزامية (عبدة) وقبولها للاسم، قبول كل السود بمصير العبودية، تقول حين أنكرت عليها (عائشة) عدم تغييرها للاسم: "صدقيني شعرت لحظتها بأن اسمي هذا مرتبط بروحي وجسدي وكل شيء فيّ.. أحسست أن الحرية لن يضايقها الاسم مهما كان يرمز إلى العبودية.. عبدة هي أنا وأنا عبدة" (البسام، خالد 209). وحتى حين حصلت أخيرًا على حريتها من الحاكمية البريطانية، أحسّت زيف تلك الورقة، وأنها مختومة بالعبودية إلى الأبد في هذا المجتمع، تقول: "هؤلاء الكلاب لا يعترفون بالاتفاقيات ولا بالمواثيق ولا بكل الأوراق مهما كانت أهميتها، لا يثقون بأي شيء، يريدون من السود أن يكونوا خدمًا لهم فقط، وعبيدًا تحت أقدامهم يضربونهم كالحيوانات وينتهكون أجسادهم بلا رحمة. ما فائدة ورقة العتق إذن؟ لا أستطيع الحصول على بيت والحبيب يقول لي أنت سوداء وأهلي يرفضونك! كل ذنبي أنني سوداء في مجتمع أسياده بيض وفقراؤه عبيد. ماذا أفعل بالورقة التي تصورتها السحر الذي سوف يمنحني كل شيء، والذي سوف يحقق كل أمنياتي وأحلامي؟ بركات أشعرني أنني عدت عبدة لكن من قال إنني غادرت العبودية يومًا؟ لم تكن ورقة العتق إلا نشوة عبدة صارت فرحا لثوان ثم سقطت في حضن دلال عبيد!" (البّسام، خالد 214)، في هذه العبارات الكثيرة التي يوردها الروائي يحاول أن يسلط الضوء على قضية العبودية وأن ينتصر لهم، لكنه من حيث لم يعلم رسّخ للعبودية من حيث عمّقها، إذ يذكر (د. إبراهيم الحيدري) أن "ما يميّز العنف العرقي هو تعميقه لحالات الصراع والانقسامات بين المكونات الاجتماعية المتعددة، وعلاقات بعضها مع بعضها الآخر" (الحيدري، إبراهيم. (2015). سوسويولوجيا العنف والإرهاب. بيروت: دار الساقي. ص101) وهو ما وقع فيه الروائي غير المنتمي، ففي نهاية كفاح (عبدة) لهذه الحرية وجدت أنها حرية زائفة: "من لي الآن؟ لا حبيب ولا زوج ولا حتى سيد أو سيدة؟ حتى تبقى عندي من نقود تكاد أن تنفد. في الليل أنام وأنا حرّة ممسكة بورقة العتق وأتذكر طيران العصافير الرائع وحريتها المطلقة، لكنني عندما أستيقظ تنزاح أحلام الحرية وتبدأ مع بدايات النهار مشقة العبودية التي لم تسقطها الورقة. هل استعجلت الحرية؟ بل هل حصلت عليها مبكرًا؟ لكن هل للحرية أوقات، أو قد تأتي أو لا تأتي؟ تعبت من البكاء، ولكن الدموع لم تتعب من أن تنهمر من عيني. تذكرت المرحومة أم الخير عندما كانت تقول لي دائمًا: ارضي بالعبودية خاصة إذا كان أسيادك طيبون ويحبونك، ولا ترضي بالحرية مهما كانت مغرية. اليوم لا أجد في الحرية أي إغراء بل حتى أي امتياز سوى ورقة صغيرة مكتوب عليها أننا أصبحنا أحرارًا، لكن في مجتمع وأناس لا يعترفون إلا بالعبودية مهما طال الزمن عليهم أو قصر... أكثر الأسئلة التي تحاصرني كل يوم هي من النوع الذي لا إجابة له. لكنني أعود أحيانًا وأسأل: طيب.. متى سنكون أحرارًا فعلًا؟ وأضحك من نفسي وأقول: يا للسؤال!" (البسام، خالد 215). نلحظ في نهاية النص أن "عبدة" تلجأ للسخرية من الواقع الذي تخيلته على غير ما هو عليه، وتكمل بهذه الانهزامية نهاية الرواية فتعذر (بركات) حبيبها الذي لم يستطع الزواج بها لأنها سوداء، ثم ينتهي العمل بقولها: "لا زلت عبدة.. لا زلت عبدة، لم تنفع الورقة ولا الحاكمية البريطانية في تغييري إلى حرة، وإذا تغير في حالي شيء فهو أنني عبدة تحمل ورقة عتق تبدو تافهة وبلا قيمة حتى عند أعز الناس عندنا! لست سوى عبدة.. ويبدو أنني سوف أبقى على هذا الحال طويلًا!" (البسام، خالد 216). وبهذه العبارة ينهي (خالد البسام) روايته، بقبول (عبدة) لعبوديتها واسمها رغم ورقة حريتها -الزائفة بحدّ تعبيره- ويقع الروائي في شَرَك تعميقه لحالة الصراع العرقي وترسيخه لها.

وفي مقابل هذه الرغبة في العبودية وهذا الاستسلام والانهزام لها نجد في رواية "شوق الدرويش" نموذجًا غريبًا يعبّر فيه (حمّور زيادة) عن اضطرار الأسود للعبودية، وأن مقارعة الخمور والقمار ليسا السبب الذي يؤدي بالأسود إلى بيع نفسه وعياله، وهو في نموذج أم (مريسيلة) واسمها (عطا منه) فحين بلغ الجوع بالناس أكل الجيف والأكل من المزابل، كانت "عطا منه" قد أنجبت صبيًا للتو من أحد الجهاديين، أرادت من أي أحد ادّعاء أبوة الطفل ليكفلهما و(مريسيلة) لكنهم رفضوا، المتعففون أغلقوا على أنفسهم أبواب بيوتهم وماتوا جوعًا خلفها، والجائعون كسروا أبواب البيوت فدخلوا عليهم وأكلوا الجيف، أدى الفقر بـ(عطا منه) أن تعرض (مريسيلة) للبيع، مقابل طاستي من الذرة. وحين أخذها أحد المارّة وتنبّأت أنه يريد أخذها ليطعمها عياله، سحبتها منه، وفي وقتٍ لاحقٍ من الليل، في الغرفة اليتيمة وجدت أمها على الأرض، تبكي ملوثة بالدم. وبقايا طفلها الوليد في قدر نحاسية (انظر زيادة، حمّور 239). في هذا المشهد المروّع يصف (حمّور) ثقل الجوع الذي مرّ بهم وأدى بـ(عطا منه) عرض ابنتها للبيع، وفي النهاية اختارت أكل وليدها على أن تسلم ابنتها للمجهول.

نجد في الرواية ذاتها أن الرق لم يكن حكرًا على السود وحدهم، فها هي اليونانية البيضاء النصرانية (ثيودورا) تكون رقيقة عند الشيخ الأسود (إبراهيم الشواك) يعذّبها، ويغتصبها، ويختنها، ويغيّر اسمها لـ(حوّاء) ويغيّر ديانتها للإسلام، وكأن الروائي في نموذج استرقاق "ثيودورا" يحاول قلب الموازين، وإنشاء نسق مضاد النسق السائد الذي يحكر الرّق والعبودية للسود وحدهم. (انظر على سبيل المثال زيادة، حمّور 282). وفي حادثة استرقاق "ثيودورا" تتجلى المقاومة المثالية التي ينشئها الروائي، إذ تذكر (حنّة أرندت) أن العنصرية "ليست حقيقة من حقائق الحياة، بل هي أيديولوجية. والأفعال التي تؤدي إليها ليست أعمالًا فكرية، بل أفعالًا مقصودة تقوم على أساس نظريات تزعم لنفسها صفة العلمية. والعنف في الصراع العرقي هو عنف قاتل على الدوام، غير أنه ليس بأي حال من الأحوال "لا عقلانيًا؛ بل هو النتيجة العقلانية والمنطقية للعنصرية نفسها" (أرندت، حنّة. (1992). في العنف. (ترجمة إبراهيم العريس). بيروت: دار الساقي. ص68)، نلحظ من ذلك أن الروائي المنتمي هو من كان ضمن الصراع الذي أحدث ردة الفعل المقاومة، وبهذا اختلف خطابه عن غير المنتمي الذي مارس العنف العرقي من حيث إنه عمّق للعبودية.

رابعًا: الإهانة الجسدية

عرضت رواية "ثمن الملح" للإهانة الجسدية التي يتعرض لها الأسود منذ بداية العمل حين وصف الروائي سوق بيع العبيد يقول: "على كل تلة في السوق كان العبد يقف عاريًا كما خلقته أمه يطالع مهانته على العلن وفي الهواء الطلق ويحاول إخفاء عضوه خلف كفيه الصغيرين كان يرى بنفسه كيف تُنتهك إنسانيته أمام الجميع وليس في داخل سجن أو بيت. فهنا الكل يزيد في احتقاره وإذلاله ولا فرق بينه وبين الحيوان إلا أنه أغلى سعرًا في البيع والشراء بقليل! وهنا لا ينفع بكاء أو استدرار عطف، فلا يفكر العبد هنا إلا في القسوة والعذاب الشديد الذي يفوح من المكان كله. ولا شيء يفيد هنا سوى انتظار صفقة البيع وانتظار حياة عبودية مجهولة. في المزاد الأول وقف عبد عاريًا، وكان ضخمًا وذا عضلات قوية، صعد إلى التلة الصغيرة وهو يلهث بعد أن ركض أمامهم لمسافة كي يظهر قوته ونشاطه، وكان جسده النحاسي المصقول يلمع في ضوء الشمس. وهنا لم يكن الدلال بحاجة إلى التدليل على ميزاته، فقد انطلقت المزايدات على عجل. أما العبدات فكن مثل العبيد الرجال يقفن فوق التلال ذات الارتفاع المنخفض عاريات تمامًا في وضع مزرٍ يصرخن هلعًا وخوفًا طوال الوقت ويبكين بحرقة كالأطفال... وفي وسط صراخ العبدات الصغيرات ظهرت عبدة أخرى، وكان عمرها في حدود الرابعة عشرة، وينحدر شعرها الأسود حتى أسفل ظهرها. وكان الحارسان يجرانها بقسوة صوب التلة. وكان واحد منهما يقبض على معصميها، بينما كان الآخر يلسع أليتيها بالسوط، حتى غدا ظهرها معلمًا بشقوق حمراء مريعة إلى حد خشي الدلال أن يتمزق ذلك الجلد الطري المشدود. فقام في الحال وصرخ بالحارسين أن يتوقفا، ولكنهما لم يسمعاه، مما اضطره لأن يقفز من التلة فيضر بهما بعصاه، ليفك وثاقها. كأن لا أحد يسمع ولا أحد يرى، بل يشعر الجميع أن ذلك العذاب وتلك القسوة جزء طبيعي من حياة البشر التي تختلط أحيانًا مع الحيوانات التي لا يعرف عذابها إلا عند الضرب والقتل" (انظر البسام، خالد 27-28). وهذه الإهانة العلنية للجسد وانتهاك حرمته ليست لأجل إشغال الأسود بالأعمال الشاقة وحدها، بل لاستغلاله جنسيًا، فحين وقع الخيار على (حنّا) العارية التي كانت تحاول إخفاء عورتها بلا جدوى، قال الدلّال بأعلى صوته: "إنها عبدة متكاملة.. جسدها جميل لا مرض فيه ولا عيوب.. وأضاف: ومع ذلك فها أنتم ترونها تبكي بحرقة.. إن هذا هو بكاء العبيد، بكاء فرحهم وتوقهم للاستقرار مع الأسياد! والحصول على تاجر أو شيخ من أمثالكم يرعاها ويطعمها ويلبسها ويغدق عليها من حنانه!

وابتسم بخبث وقال:
- ويضربها مستلذًّا متى رغب!" (البسام، خالد 30-31).

وحين وقع الاختيار عليها أخضعتها سيدة حبشية لاختبارات أخرى: "راحت تفحص مهبلها بعناية شديدة، لتؤكد لهم أمام الرجال أن أغشية بكارتها لم تمس، ثم قامت تتلمس ثدييها الصغيرين، ثم عضلاتها وفخذيها.. ولم تكتفِ الحبشية بذلك، بل كشفت عن أسنانها وتأكدت من قوة شعرها أيضًا. ولم تكتفِ بذلك بل قامت ووضعت إصبعها الكبير في دبر "حنا" مما جعلها تصرخ بقوّة" (البسام، خالد 32-33). لتضمن لسيدها متعته متى أرادها.

ويستفيد الروائي (خالد البسام) من بعض النصوص التي يذكر في نهاية الرواية أنه استقاها من التقارير الإنكليزية التي عثر عليها في مكتب الهند بالمكتبة البريطانية في لندن حول العبيد وأوضاعهم في الخليج وغيرها (انظر البسام، خالد 217). إذ يوظّفها في تلك الشكاوى التي تصل للحاكمية البريطانية لبعض السود، تقول (بخيتة بنت صالح) التي عاشت في (الكويت): "قام سيدي هناك باغتصابي عدة مرات، وعندما تظلمت إلى سيدتي لم تفعل شيئًا، وهذا الرجل مهووس بالجنس وعمل الفحشاء مع العبدات اللواتي يمتلكهن. وفي أحد الأيام شعرت بعوارض الحمل لكنني سكت خوفًا من أن يقتلني، وبعد شهور انتفخ بطني بصورة واضحة. وطبعًا طالبته بحمايتي وبكتابة أية ورقة تثبت أن الذي في بطني هو ولده أو ابنته. لكنه ضربني عدة مرات وهددني بالقتل إذا أخبرت عنه. وحاولت الاتصال بالحاكمية البريطانية هناك ولكن بدون فائدة. وبعد ولادتي مباشرة قامت العائلة بالاستيلاء على بنتي الرضيعة وأخفوها عنّي..." (البسام، خالد 172).

والاستغلال الجنسي لم يكن حكرًا على النساء وحدهن، فعبد ما في المنامة يكتب إلى الحاكمية: "إنني يا سيدي الكولونيل أعيش مع رجل معدوم الضمير. أعطاه الله الكثير من المال وحتى النساء، ولكنه مستمر منذ شهور في تعذيبي وإهانتي والأهم في إجباري على ممارسة الجنس وكأنني جارية عنده. وبالرغم من وجود الكثير من الجواري والزوجات وحتى العبدات عنده إلا أنه يقول لي إنه لا يستمتع بالجنس إلا معي. بل زاد في ذلك وراح يتعامل معي وكأنني زوجته فينام معي بلا حياء ولا خجل. صبرت على هذا الرجل كثيرًا ورجوته مرارًا الكف عن ذلك، وفي أحد الأيام استعنت بعبد شاذ وطلبت من سيدي أن يمارس معه الجنس كما يشاء، جلس هذا الشاذ يومين ثم طرده واستدعاني مرة أخرى. إنه يا سعادة الكولونيل شخص مريض وشاذ. لقد قلت له مرارًا وبإلحاح أن يكف عن ذلك لأن هذا يغضب الله أولًا ثم يشعرني بالقرف والدونية داخل روحي.." (البسام، خالد 173-174).

والإهانة الجسدية لم تكن بالاستغلال الجنسي والاغتصاب، بل في الضرب أيضًا، وهو ما نجده في رسالة (جوهر بن سبت): "أنا العبد الحقير أستغيث بكم بعد الله. كنت أعيش مع سيدي الطيب في مسقط وقانعًا بحياتي وبعبوديتي. لكن الحال انقلب تمامًا منذ أن خطفني أشرار يعملون عند أحد دلالي العبيد ورحلوني من مسقط إلى لنجة، وهناك باعوني في سوق العبيد الشهير. كان المشتري هذه المرة رجل دين مطوع وتوقعت أن يعاملني برحمة لكنه مع الأسف كان يمارس عليّ شتى أنواع التعذيب اليومي بلا شفقة ولا خوف من الله. كان هذا الشيخ يعاملني على أنني حيوان بالضبط. فكان كلما رآني ركض وضربني مثل الكلاب الضالة. كان يقول لي أحيانًا: إنني اشتريتك كي أضربك. وكان يقول لي إن هناك شاعرًا عربيًا مشهورًا اسمه المتنبي يقول:

"لا تشتر العبد إلا والعصا معه *** إن العبيد لأنجاس مناكيد"

أنا بصراحة لا أعرف هذا الشاعر، ولكنني واجهت التعذيب بصبر في البداية، ولكن مع مضي شهور شعرت بأن جسدي كله متورم ولحمي صار أحمر من السياط. هنا قررت الهرب، والحمد لله أنني نجحت ووصلت البحرين. أطالبكم يا سعادة الكولونيل أن تنظروا في أمري وتجعلوني أتعالج في المستشفى الأمريكي في المنامة..." (البسام، خالد 173).

يصور الروائي السود كما لو أن الأبيض جرّدهم من أدنى سمات الإنسانية فهم في عين الأبيض ليسوا سوى حيوانات وربّما أدنى يفرّغ فيها نزواته، ويتفنن في إهانته إذ يعبّر الأخير عن سببه لشراء (جوهر) وهي رغبته في ضربه! ولا تتجاوز رغبة (جوهر) أكثر من أن يتعالج في المستشفى.

أما في رواية "شوق الدرويش" فقد اختلف شكل الإهانة الجسدية، فحين كان (بخيت) في سوق العبيد اشتراه أولًا رجل أوروبي شاذ "فتح فمه وتفقد لسانه. أنزل سرواله. تفقد عضوه. أراحه على كتفه وسأل التاجر:
- هل هو مصاب بالزهري؟
- و سليم كنقّارة جديدة يا خواجة." (زيادة، حمّور 227).

لكن هذا الرجل حين اشترى (بخيت) لم يكن يريد أن يغتصبه، كان يضرب (بخيت) ويجوّعه ليفعلها هو: "لا يصبر عليه. يدعكه عجلًا. يساعده أن يدخله. يصرخ. يتكلم كثيرًا بلغة لا يعرفها بخيت. حين يفرغ منه يرتمي الأوروبي لاهثًا.. يقول له منتشيًا: يا لك من قردٍ فحل. أنت رب القرود الفحول" (زيادة، حمّور 229). وفي صفحات تالية يقول السارد: "سيده الأوروبي كان يحب زنوجته وقبحه. كان حين يخلو به يمدحه بغلظة ملامحه. وإذ يعتليه بخيت يصرخ: أنت حبيبي الزنجي. أنت عبد قبيح" (زيادة، حمّور 359). وحين انتقل بخيت بعد أعوام إلى سيّده التركي كانت ابنته (بثينة) ذات الأربعة عشر عامًا تشتهيه وتراقب جسده، وتتحسس صدره العاري وتقول: "يا للجمال"، ثم "حشرت أصابعها بين سرواله وجسده. قالت: أنت لست إنسانًا. أنت وحش. خذني" (انظر زيادة، حمّور 204).

نلحظ في مقاربة بين العملين أن الأسود في رواية غير المنتمي ظهر بصورة المهان والدوني، وعلى الرغم من إقساره على الجنس في العمل الثاني -المنتمي- إلا أنه ظهر بصورة القوي الفحل المرغوب من الرجال والنساء على حدٍ سواء. أما المغتَصَب والمهان في رواية المنتمي فقد كان الأبيض في محاولة الشيخ (إبراهيم) اغتصاب (ثيودورا) يقول السارد: "اشتراها لفراشه" وحين قاومته وركلته قال لها: "يا بنت الكلب"، "سأربيكِ يا كلبة النصارى" (انظر زيادة، حمّور 269-271). وعقابًا لها على رفضها له، أحضر (أم الشول) الخاتنة السوداء الضخمة كحائطٍ حجري، لتختنها على مرأى من كل الخدم والعبيد في البيت: "جسدها مثقل بالخدم المتشبثات به، وجعها يهزها. تتشنّج. تمشي الموس على لحمها وتحس دمها يسيل تحتها. باردًا انساب بولها. رفعت أم الشول رأسها وموسها تناولت خرقة قماش دفعتها إلى جرحها. لوّن دمها الخرقة. رائحة البول والدم والعرق والخوف في كل مكان. رائحة مختلطة كعفن السمك. تميل أم الشول ثانية وتغوص الموس. تقطع لحمها على مهل. كلما أزعجها الدم جففته بخرقة وهي تسب النصرانية الغلفاء" (زيادة، حمّور 281). كما نلحظ في النص وصف الأبيض ورائحته بالعفن وهو الوصف الذي تكرر لوصف السود في "ثمن الملح".

خامسًا: النظرة للمستعمر والدين

اختلفت النظرة للمستعمر والدين في كلا العملين، إذ كان المستعمر البريطاني في رواية "ثمن الملح" حبل نجاة العبيد وتحررهم، إلى حدٍ نحا ببعض السود إلى تغيير ديانتهم للحصول على الحرية، فقد كانت (عبدة) تنظر لـ(صموئيل) الذي انتمى للكنيسة وغيّر ديانته ليتحرر نظرة غبطة (انظر البسام، خالد 86). أما الرسائل التي كانت تصل إلى الحاكمية البريطانية فكانت تمجّد المستعمر، منها رسالة (فرحان مبارك): "أنا عتيق الدولة البريطانية البهية وهي التي حررتني جزاها الله خيرًا. وقد كانت عندي ورقة العتق، لكن الورقة المذكورة احترقت في أحد الأيام، وبقيت الآن بدون هذه الورقة المهمة وأطلب من سعادتكم إعطائي ورقة أخرى. وأنا الحقير خادم الدولة البريطانية ولا إله إلا الله ثم أنتم" (البسام، خالد 170). نلحظ هنا أن تمجيد المستعمر وصل بالأسود لإقرانه مع الإله، ولتسمية نفسه بالحقير. وقد امتلأت الرسائل التي تصل إلى الحاكمية بالتمجيد والسعادة بهذا المستعمر.

أما في رواية "شوق الدرويش" فقد كانت النظرة مختلفة تمامًا لكلٍ من الدين والمستعمر، فقد كان نشر الإسلام والمهدية هو السمة السائدة والقضية الأولى في العمل، وقد وظّف الروائي العديد من النصوص القرآنية التي تدعو إلى الجهاد والنصوص المهدية، بل إن الكاتب يضع على غلاف الرواية الخلفي حديث (الحسن) لزوجته (فاطمة) التي عرضت الرواية -في كلّ ذكرٍ له- عن مدى حبّه لها، وكأن الله أحياه بحبها بعد أن أماته، إلا أنه سعيًا لنصرة الثورة المهدية طلّقها،

"ناداني الله يا فاطمة.
أما ترين ما أصاب الدين من بلاء؟ تغير الزمان ملئت الأرض جورًا. الترك، الكفار، بدلوا
دین الله. أذلوا العباد.
ألا أستجيب لداعي الله ورسوله إذا دعاني لما يحييني؟
سنجاهد في سبيل الله. في شأن الله.
نغزو الخرطوم. نفتح مكة. نحكم مصر.
ننشر نور الله في الأرض بعد إظلامها.
وعد الله سيدنا المهدي عليه السلام. وما كان الله مخلفًا
وعده مهديه يا فاطمة.
واجبة علينا الهجرة واجب علينا نصرة الله. عجلت إليك ربي لترضى. عجلت إليك ربي لترضى.
عجلت إليك.. وتركت فاطمة ورائي."

يضع الروائي هذا النص في العتبة الخلفية للرواية؛ تأكيدًا على السعي لنصرة الإسلام والجهاد، وعلى كون الثورة المهدية مسألة ملحّة في العمل الروائي، رغم ما في تلك الفترة من صعوبة وسوء على السودان (انظر إسماعيل، عزوز علي. "التراث والمتخيل السردي عند حمور زيادة في شوق الدرويش". مجلة كلية دار العلوم. ع 81. 114-75. ص 78). وتبعًا لهذا فقد كانت النظرة للمستعمر نظرة سلبية، وكان المستعمر مهانًا، بل إن وصف شخصٍ بالنصراني يُعدّ سُبّة له.

الخاتمة

بناءً على ما سبق نلحظ وجود بون شاسع واختلاف في خطاب المنتمي وغير المنتمي حين عبّر كل منهما عن قضية العبودية والرق، رغم تشابه الثيمات الكبرى في الأعمال، ورغم ما تفترضه المدونة من تشابه في الخطاب، إلا أن الكاتب غير المنتمي اختزل الأسود في لونه وجسده وكانت فكرة العبودية ملحّة عليه طوال العمل ولم يستطع الانفصال عنها وعمّق لها مما فيه ممارسة عنيفة تجاه الأسود، أما الكاتب المنتمي فقد عبّر عن القضية بصورةٍ طبيعية، حاول فيها نصرة الأسود وإنشاء نسقٍ مضاد وتفاعل طبيعي يعيد إليه فيه كرامته، ويعلي مكانته على الأبيض المستعمر، دون أن ينسى العرض لما عاناه الأسود من إهانة وتهميش على امتداد التاريخ.

يمكننا القول إن الكاتب غير المنتمي مارس إهانة مضاعفة على الأسود من حيث حاول نصرته، فقد عرض له بصورة دونية تمامًا جرّده فيها من أدنى ملامح الإنسانية، ولم يعطه فيها أي كرامة وأي حقٍ في ممارسة حياته بشكلٍ طبيعي، بدءًا من العتبات والحبكة وحتى اختيار أسماء الشخوص في العمل (عبدة) و (عبيد) وحتى وصف الشخوص من السود الذي يأتي مقترنًا بوصف أجسادهم: العبد الطويل فلان، العبد الرشيق فلان، العبدة القصيرة. وغيرها من الأوصاف التي اختزلت الأسود في جسده ولونه على امتداد العمل. وقد رسّخ الروائي غير المنتمي لعبودية العرق الأسود ولم يتناول بالذكر استعباد/ استرقاق ذوي البشرة البيضاء على خلافٍ من الروائي المنتمي.


    المصادر
  • - البسام، خالد. (2017). ثمن الملح. (ط2). بيروت: جداول للنشر والترجمة.
  • - زيادة، حمّور. (2015). شوق الدرويش. (ط15). القاهرة: دار العين للنشر.
  • المراجع
  • - حمداوي، جميل. (2016). نظريات النقد الأدبي والبلاغة في مرحلة ما بعد الحداثة. طنطا: دار النابغة للنشر والتوزيع.
  • - الحيدري، إبراهيم. (2015). سوسويولوجيا العنف والإرهاب. بيروت: دار الساقي.
  • - زايد، أحمد. (2006). سيكولوجية العلاقات بين الجماعات – قضايا في الهوية الاجتماعية وتصنيف الذات. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
  • المراجع المترجمة
  • - أرندت، حنّة. (1992). في العنف. (ترجمة إبراهيم العريس). بيروت: دار الساقي.
  • الأوراق العلمية
  • - إسماعيل، عزوز علي. "التراث والمتخيل السردي عند حمور زيادة في شوق الدرويش". مجلة كلية دار العلوم. ع 81. 114-75.