أحمد السماري
يتجاوز الروائيّ السعوديّ فهد العتيق في روايته "قاطع طريق مفقود" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- 2024)، الأنماط السردية التقليدية من خلال تبنّي تقنية تفكيك البنية الزمنية للأحداث، حيث يعتمد على تقنية الاسترجاع (الفلاش باك) ليعيد تشكيل حياة السارد وشخصيات الرواية الأخرى، فيمتزج الماضي بالحاضر بآلية تجعل القارئ يتنقّل بين الذكريات والواقع بصورة متواصلة.
هذه التقنية قد تخلق بعض التحدّيات أمام القارئ، إلا أنها تعكس بوضوح نيّة الكاتب في طرح الفكرة الأساسية للرواية، المتمثّلة في استكشاف الأسئلة الفلسفية حول الحياة والموت، والزمن والذاكرة، والعلاقات الإنسانيّة. ويُبقي فهد العتيق هذه الأسئلة مفتوحة للنقاش والتأمّل، مما يضفي على الرواية طابعاً فكرياً عميقاً يدعو القارئ إلى مراجعة حياته ومعانيها.
يقسّم الكاتب روايته إلى خمسة أجزاء رئيسة، وهي: الصندوق الأسود للذاكرة، صديقي الدائريّ المستعمل، شروق بيت العثمان الكبير، أسفار ومحطّات وأغنيات عالقة، البحث عن مشاهد مسرحية مفقودة.
يمثّل عنوان الرواية "قاطع الطريق المفقود"، من ضمن ما يمثّله ويرمز إليه، تصوّراً للحياة المتقلّبة التي عاشها السارد، أو تلك التي كان يتمنّى أن يعيشها. يبدو أن السارد يسعى إلى الاختباء وراء استرجاع الذكريات والبحث عن وصلات مفقودة لحكايات لم تعرف نهاياتها. ومع ذلك، يصل السارد إلى إدراك أن ما عاشه هو الحياة الحقيقية بكلّ تعقيداتها ونواقصها، مؤكّداً على أنّ الحياة ستبقى دائماً مليئة بالحقائق الناقصة والحكايات المفتوحة، مهما حاول الإنسان فهمها وتحليلها.
تحوّلات السرد
تتخلّى الرواية عن الحبكة التقليدية والتسلسل الزمنيّ المعتاد، لتّتخذ نهجاً يقوم على المواقف الطبيعية التي تُفرض بصورة تلقائية على شخصياتها. يتجنّب الكاتب افتعال التخيّل والاختلاق، معتمداً بشكل كامل على الذاكرة كمصدر للسرد.
تصبح الذاكرة أداة سردية أساسية تُعيد تشكيل الحكايات والتجارب الفردية بطريقة تثير تأمّلات فلسفية حول الهوية والزمن. الذاكرة هنا ليست مجرّد استعادة للحظات ماضية، بل هي عملية خلق وإعادة تشكيل للذات، حيث يتداخل فيها الحاضر والماضي بطريقة تجعل من الصعب التفريق بينهما.
ويستخدم العتيق الذاكرة كوسيلة لاستكشاف فكرة "الحقيقة الناقصة"، حيث يتجلّى الحنين إلى الماضي كنوع من المقاومة للزوال والنسيان. هذا التوظيف للذاكرة يضفي على النصّ بعداً فلسفياً، حيث يدعو القارئ للتفكير في كيفية تأثير الذاكرة على تشكيل الحاضر وفهم الذات.