محمد نصّار
يختلف التمرد باختلاف الظروف التي ينشأ فيها ويختلف التعبير عنه في الشعر تبعا لذلك. ويمكننا إجمالا أن نقول إن التمرد يختلف باختلاف قوة اليقين المعبرِ عنه والباعث عليه، فكلما ازدادت درجة اليقين علت نبرة التمرد وكلما تقلصت درجة اليقين انخفضت نبرة التمرد. ومثل هذه المبدأ يمثل أساسا لفهم الفارق بين تمرد أمل دنقل وتمرد سامي شتريت.
فوضوح الرؤية النضالية وارتفاع درجة اليقين عند أمل دنقل يجعل التمايز بين الحق والباطل عنده تمايزاً تاماً لا يمثل إشكالاً من حيث التعبير عنه ولا يتفاوض الكاتب مع نفسه كثيرا حول كيفية أدائه لغوياً، وهو تمايزٌ يستدعي ألفاظا وأساليب على نفس الدرجة من الوضوح وقطعية الدلالة "وعدم التهاون" في التعبير عنه. بينما يقف شتريت موقفا مختلفاً لأنه ينتسب لكيان يسبح فوق بحر من الحيرة وتتنازعه الانقسامات ولا يوحده سوى هم البقاء دولة قومية لليهود.
يتخذ شعر دنقل من وجود التعارضات ووضوح التناقضات أدوات للتعبير عن اليقين وإعلاء أحد المتناقضين على الآخر، فالحق يقف بإزاء الباطل ويعلو عليه، ومن ثَم العربُ بإزاء الصهاينة، والشعب بإزاء السلطة، والفقير بإزاء الغني. وقد يقلب موقعي النقيضين في الثقافة العربية فيعطي للشيطان قيمة إيجابية مقابل الإله، وللغوي قيمة إيجابية مقابل النبي. فالتعارض وإعلاء أحد طرفي التعارض على الآخر يمثلان مبدأً بنائيا في شعره ويكون همُ الشاعر تعميق تلك التعارضات والمنع من "التصالح" بينها:
لا تصالحْ!
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى.
...
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخ..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟