أ. محمد الأحمدي
السرد فن أدبي يتطلب فهمًا عميقًا للنفس البشرية؛ لتمحور جوهره حول قدرة الكاتب على نقل الأحداث والمشاعر بشكل يثير تفاعل القارئ، ويترك أثرًا عميقًا في نفسه.
وعكس ما قد يخطر في بال البعض، لا تُروى القصص عن طريق كاتبها، بل نحن نقرؤها من وجهة نظر الراوي. وهو من يروي لنا القصة. وقد يكون شخصية موجودة في عالم القصة أو شخصية تحكي من الظلال ولا تتفاعل مع بقية الشخصيات.
يعد الراوي من عناصر السرد الأساسية، فهو يلعب دورًا حاسمًا في توجيه وتشكيل فهم القارئ ومنظوره للأحداث والشخصيات. وإحدى مهام الكاتب هي اختيار الراوي المناسب، وبناؤه ليمتلك صوته الخاص، ثم تحديد بعده أو قربه من الأحداث، ومقدار تأثره بها وتعاطفه معها. وأخيرًا تحديد الضمير الذي يتحدث به الراوي.
في رواية (جاتسبي العظيم) استخدم الكاتب الأمريكي (ف. سكوت فيتزجيرالد) تقنية سردية معروفة بـ (الراوي غير الموثوق) لنقل أحداث روايته عن طريق شخصيته الرئيسة (نِك كاراوي). وهذا الراوي لا يخبرنا بالحقيقة كاملة، بل يختار ما يتناسب مع قصته المحرّفة، فتجده يبالغ أحيانًا في وصف أحداث ويقلل من شأن أخرى.
وغيّر تحيّز (نِك)، طباعه وتصريحاته الغامضة المعقدة تزيد الشكوك في مصداقية نقله لأحداث الرواية.