عودة

تلوين الأرشيف: قراءة تاريخية وأخلاقية


بدر عواد البلوي

12/06/2025

مقدمة

منذ اختراع التصوير الفوتوغرافي في القرن التاسع عشر، سعى الإنسان إلى حفظ الواقع البصري كما هو، عبر عدسة الكاميرا، في إطار أبيض وأسود. لم يكن غياب اللون آنذاك ناتجًا عن رغبة فنية، بل عن حدود التقنية، ما جعل اللون منذ البداية رمزًا للغياب والافتراض. ومع تطور الوسائط البصرية، أصبح التلوين ممارسة متعددة الأبعاد: تقنية، جمالية، وتأويلية. فهو لا يكتفي بإضافة صبغة لونية على السطح، بل يعيد تشكيل الذاكرة البصرية، ويطرح أسئلة حول طبيعة الوثيقة، وحدود الأرشفة، وشرعية التفسير البصري. في هذا السياق، تبرز هذه المقالة التلوين كظاهرة تتجاوز مجرد التحسين البصري لتصبح محط تساؤل نقدي حول أبعادها التاريخية والتقنية والجمالية. لقد أثار تلوين الصور الثابتة والمتحركة، منذ بداياته، نقاشًا ممتدًا بين من يعتبره فعلاً توثيقيًا يعيد الحياة إلى الماضي، ومن يراه تحريفًا بصريًا قد يزور التاريخ. هذا النقاش لا يقتصر على المؤسسات الأكاديمية أو مراكز الأرشفة، بل يمتد إلى صالات العرض، ومنصات الإعلام، وفضاءات التواصل البصري المعاصر، حيث تتقاطع التقنية مع السياسة، والذاكرة مع السوق في حوار معقد حول شرعية التدخل في الصورة الأصلية. بناءً على هذا التباين في الرؤى، تسعى هذه المقالة إلى تحليل نقدي لمختلف المواقف من التلوين، متجاوزة السرد التاريخي لتفكيك الآثار الجمالية والأخلاقية لهذه الممارسة.

تهدف هذه المقالة إلى تتبع تلوين الصور في سياقه التاريخي والفني والتقني، انطلاقًا من الممارسات اليدوية الأولى في اليابان، مرورًا بتقنيات تلوين الأفلام قبل دخول الفيلم الملوّن، ووصولًا إلى التحديات الأخلاقية والضوابط الأرشيفية المعاصرة. كما ستقوم هذه المقالة بتحليل نقدي للمواقف المؤسسية من التلوين، مع عرض تطبيقات ناجحة في التلوين التوثيقي، ومناقشة التوصيات التي تُسهم في تطوير إطار منهجي وأخلاقي لهذه الممارسة التي لا تزال تُراوح بين الفن والتوثيق، وبين الذكرى والتأويل، مقدمة بذلك رؤية متكاملة لآثارها على الذاكرة البصرية والتاريخية.

البدايات التاريخية لتلوين الصور الثابتة والمتحركة: بين الصناعة اليدوية والخيال البصري

لم يكن تلوين الصور في بداياته مجرّد استجابة جمالية، بل كان نتاجًا لرغبة مبكرة في تخييل الواقع بصريًا، وتحويله من رماديات الأبيض والأسود إلى مساحة سردية تتّسع للضوء واللون. وقد وُلدت هذه الممارسة في أواخر القرن التاسع عشر مع انتشار التصوير الفوتوغرافي، لكنها تعود عمليًا إلى تقاليد أقدم في تلوين المطبوعات والمصنوعات الخشبية، قبل أن تجد طريقها إلى الصورة الثابتة ثم لاحقًا إلى السينما.

لعب استوديو «فيليس بياتو» (Studio of Felice Beato) في اليابان دورًا رياديًا في اعتماد التلوين اليدوي في التصوير منذ نهاية القرن التاسع عشر 28. وكان التلوين يتم غالبًا على يد فنانين مدرّبين، بعضهم ينتمي إلى تقاليد الرسم الكلاسيكي الياباني 11 ، حيث اعتمد هؤلاء على مراجع ملموسة مثل الملابس، ودرجات الجلد، وتفاصيل الزينة، ما جعل الصورة الملونة لا مجرد زخرفة، بل عملية توثيق لونية دقيقة. منح هذا الصور الناتجة طابعًا دقيقًا مرتبطًا بالواقع المحلي. كما طُبّقت تقنيات التلوين اليدوي على نطاق واسع في البطاقات البريدية والصور الشخصية في أوروبا، حيث كان المصور يُرسل الصورة إلى استوديو متخصص في التلوين، فتعود إلى الزبون بعد أيام وهي ملوّنة يدويًا بدرجات يُحدّدها بناءً على خلفيته الطبقية أو ذوقه العام. ينظر إلى هذا الأمر بأنه ساهم في «دمقرطة الرموز الاجتماعية، حيث أصبح بإمكان العائلات من الطبقات المتوسطة والعاملة امتلاك» بورتريهات مرسومة" لأنفسهم ولأحبائهم، مما كان سابقًا امتيازًا للنخبة الاقتصادية أو الاجتماعية 20 رغم أن هذه الصور لم تكن تُؤرشف رسميًا آنذاك، إلا أن بعضها وصلنا بوصفه وثيقة ثقافية، تعكس كيف أراد الأفراد أن يروا أنفسهم، أو كيف أراد المصوّر أن يُقدّمهم. وهنا تظهر أهمية التلوين بوصفه لا مجرّد تحسين بصري، بل مشاركة في إنتاج المعنى الثقافي والاجتماعي.

في أوروبا أيضًا، وبخاصة في فرنسا، ارتبط التلوين اليدوي بالتصوير التجاري، والسينما، خاصة الصامتة. رغم أن الفيلم الملون قد ظهر في الثلاثينيات، لكن محاولات تلوين الأفلام الأبيض والأسود كانت حاضرة قبل ذلك بسنوات، بل إنها استمرت حتى بعد انتشار الفيلم الملوّن، سواء لأغراض فنية، أو ترويجية، أو تجديدية. لقد شكّل التلوين مرحلة انتقالية في فهم العلاقة بين الصورة المتحركة واللون، خصوصًا حين عُومل التلوين بوصفه وسيلة لجذب الجمهور أو إعادة إنتاج المعنى السينمائي بلغة مرئية معاصرة. يظهر هذا في أعمال استوديوهات Pathé حيث كانت تُنفذ عملية التلوين اليدوية من قبل فرق عمل كبيرة، غالبًا ما تضمّ نساء متخصصات في ملء المناطق بالألوان باستخدام فرَش دقيقة تحت الضوء المباشر. 27

وفي مطلع القرن العشرين، ظهرت تقنيات ميكانيكية لتلوين الصور، مثل تقنية Kinemacolor التي استخدمت نظام تصوير بنظام لوني ثنائي (أحمر/برتقالي وأخضر/أزرق) وتم اعتمادها لفترة قصيرة في السينما. لكنها كانت محدودة تقنيًا، إذ لم تُنتج طيفًا لونيًا كاملًا، وكانت تتسبب في اهتزاز الصورة وعدم توازن الألوان. 14 ورغم هذا القصور، تُعدّ هذه المحاولات بذورًا أولى لفهم التلوين بوصفه وسيلة تقنية لتحسين إدراك الواقع، وليس فقط لتجميله. ثم بدأت تقنيات الفيلم الملوّن تُصبح متاحة، مثل Technicolor، التي قدّمت نظامًا ثلاثي الألوان أكثر دقةً واستقرارًا. ومع ذلك، استمرت بعض الاستوديوهات في تلوين أفلام الأبيض والأسود التي أُنتجت سابقًا، خصوصًا لأغراض إعادة العرض أو التوزيع التلفزيوني بعد الحرب العالمية الثانية. على سبيل المثال، جرى تلوين أفلام كلاسيكية مثل It's a Wonderful Life وTopper في الثمانينات لتكون أكثر جاذبية للمشاهدين المعاصرين.2

وقد اعتُبر هذا الاتجاه مثيرًا للجدل، إذ رآه بعض النقاد والمخرجين محاولة تسويقية تفتقر إلى الاحترام الفني، فيما دافع عنه آخرون باعتباره وسيلة لتجديد العلاقة مع الكلاسيكيات البصرية، معتمدين على احصائيات تظهر أن الإنتاج الملون أكثر مشاهدة. 2 في عام 1990، عبّر الناقد السينمائي الأمريكي ستيوارت كلافانس عن موقفه النقدي من تلوين الأفلام الأبيض والأسود بأنه تشويه ثقافي وتاريخي يُعيد تشكيل الذاكرة الجماعية بطريقة انتقائية، مشيرًا إلى أن هذه الممارسة تُستخدم كأداة تجارية لإعادة فرض حقوق النشر على أعمال قد تكون في الملكية العامة، مما يُحوّل التراث السينمائي إلى سلعة تجارية. 21

هذا الاختلاف وصل حتى المؤسسات المعنية بالحفظ، والسينما، والأرشفة. فطالما شكّل التلوين مسألة خلافية داخل دوائر الحفظ والأرشفة، نظرًا لتعارضه في بعض الأحيان مع المفهوم التقليدي للوثيقة الأصلية بوصفها تمثيلًا غير متغيّر للحظة زمنية محددة. إذ أن وظيفة الأرشيف، كما تحددها المواثيق المهنية، ليست فقط في الحفظ المادي، بل في ضمان عدم تغيير «دلالة الأصل»، وهو ما يجعل من التلوين فعلًا إشكاليًا حين يُقدَّم بوصفه إعادة إنتاج كاملة، لا مجرد تأويل بصري. في نفس الوقت فإن أولوية الحفظ فعل متعدي إلى حفظ الإرث الإنساني بشكل شمولي بما في ذلك التغييرات الفنية والخيارات التأويلية الفنية بما في ذلك التلوين. وعليه نجد هذا التفاوت، فبينما نجد توجهًًا قويًا في الثمانينات، وبالتحديد عام 1986 من مؤسسة كمعهد الفيلم الأمريكي الذي اعترض بشدة على التلوين الرقمي للأفلام معتبرًا أن حماية «النزاهة الفنية» للأفلام الأبيض والأسود واجب أخلاقي على أصحاب الحقوق الفكرية لتلك الأفلام ، 9 فإن توجهات مؤسسات الأرشيف كانت أكثر مرونة في قبول العمل الفني وتأويلاته، ولكن مع الصرامة والدقة في التسجيل والحفظ.

مواقف مؤسسات الأرشفة من تلوين الصور: بين أولوية الحفظ وأحقية التأويل

يعتبر الاتحاد الدولي للأرشيفات السينمائية (FIAF) من أبرز الجهات التي وضعت إطارًا أخلاقيًا واضحًا للتعامل مع الصور والأفلام التاريخية. ينصّ ميثاق الاتحاد على أن أي تعديل بصري على المواد المؤرشفة، سواء بالتلوين أو التنقيح الرقمي، يجب أن يُقدَّم بوصفه تفسيرًا أو نسخة مغايرة (variation)، لا بديلًا عن النسخة الأصلية، مع التشديد على ضرورة إتاحة النسخة الأصلية دائمًا للمراجعة الأكاديمية. 5 كذلك يطالب الميثاق الأعضاء بتوثيق كل قرار تقني أو جمالي متعلق بإنتاج النسخ. يتضمن الأمر ذكر المنهجية في تحديد ما إذا كان القرار مستندًا إلى مرجع أو إلى اجتهاد تقديري. هذه الدقة في التسجيل نجدها أيضًا في عملية التسجيل لدى إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية الأمريكية (NARA)، حيث إن العمل الملون يجب أن يكون قد تم تصويره أو طباعته بالألوان ليقبل ضمن هذا التصنيف، جاعلًا الصور الملونة يدويًا ضمن الأعمال بالأبيض والأسود. 7 أما مكتبة الكونغرس فتعتمد سياسة أكثر مرونة من حيث قبول النسخة الملونة كعمل مشتق من الأصلي بدلًا من نسخة مغايرة، ولكن في نفس الوقت تركز المكتبة في شروطها لقبول تسجيل الأعمال على جوانب قانونية أكثر منها أخلاقية. ومن هذه الشروط، أن يكون التلوين واضحًا وبتدخل بشري فني يحتوي على اختيارات لونية واسعة، وأن يغطي قرار التلوين معظم مشاهد الفيلم وليس خيارات محدودة. هذا ما يضمن التسجيل، أما من باب حقوق الملكية فتقتصر على التلوين نفسه دون المساس بحقوق الفيلم الأصلية. يشترط أيضًا في الإيداع أن يكون هناك إيداع مزدوج للفيلم الأصلي بالإضافة إلى النسخة الملونة. 6

الاعتبارات الأخلاقية والتحديات التقنية

من جهة أخرى فتلوين الصور الفوتوغرافية والأفلام الأبيض والأسود لا يخلو من الإشكاليات الأخلاقية والتقنية، خصوصًا حين يُقدَّم بوصفه استعادة واقعية لما لم يكن ملوّنًا أصلًا. فإضافة اللون، رغم ما تحققه من تأثير بصري وعاطفي، قد تُحوّل الصورة إلى وسيلة لإعادة تشكيل المعنى، لا مجرد إعادة إنتاجه، مما يفتح بابًا واسعًا للتأويل والانزياح عن الواقع المؤرشف. أحد أبرز الأمثلة على الخروقات الأخلاقية المعاصرة في استخدام الذكاء الاصطناعي في معالجة الصور التاريخية هو مشروع الفنان مات لوغري (Matt Loughrey) الذي قام بتلوين صور ضحايا الإبادة الجماعية في كمبوديا خلال نظام الخمير الحمر. في هذا المشروع، لم يقتصر التعديل على تلوين الصور، بل تم التلاعب بتعابير وجوه الضحايا بإضافة "ابتسامات" خفيفة، مما أثار موجة من الانتقادات الواسعة. نُشرت هذه الصور في مقال على موقع «فايس آسيا» (VICE Asia) في أبريل 2021، وسرعان ما واجهت ردود فعل غاضبة من الجمهور والحكومة الكمبودية، التي اعتبرت التعديلات تشويهاً للذاكرة البصرية للضحايا وتجميلًا غير مبرر لمعاناتهم. طالبت وزارة الثقافة والفنون الجميلة الكمبودية بإزالة الصور، مؤكدة على ضرورة احترام المصادر التاريخية وعدم التلاعب بها. 13

هذه الواقعة تسلط الضوء على حاجة مشاريع التلوين إلى الالتزام بالشفافية المرجعية، كما تؤكّد ملونة الصور والباحثة Marina Amaral، التي شدّدت على ضرورة توثيق كل قرار لوني، والإشارة إلى ما هو مؤكد مقابل ما هو تقديري، معتبرةً أن الصدق البصري لا يُبنى على الدقة فقط، بل على إدراك حدود المعرفة. معرفة هذه الحدود هو ما قد يقودك إلى بعض القرارات التقديرية، إلا أنه وكما يشيران الكاتبان أمارال وجونز إلى دور الباحث والقائم بعملية التلوين في أن «يحفر، ويحفر، ويحفر» في المصادر للوصول إلى الخيار الأفضل. 17

ولهذا تشدد مبادرات مهنية مثل «ميثاق ملوني الصور» (Colorizers Code of Conduct) على أهمية التمييز بين المعالجة الوثائقية والتجميل البصري، وعلى ضرورة الامتناع عن التعديل دون مصادر دقيقة تخدم هذا التعديل، لا افتراضات ذوقية أو برمجية. 8 ومع ذلك، فإن سهولة الوصول إلى أدوات تلوين تلقائي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلّم العميق، دفعت الكثير من الممارسين الجدد إلى تبني هذه التقنيات دون امتلاك المعرفة التاريخية أو الأرشيفية، مما ولّد موجة من «الوثائق المزخرفة» التي تتكئ على الاحتمال الخوارزمي أكثر من المرجع التاريخي. يشير إلى هذا الباحث أحمد عطية إسماعيل، طارحًا منهجية تجمع بين أدوات الذكاء الاصطناعي والتدخل البشري للوصول إلى نتائج أكثر جودة من الناحية التاريخية والفنية 16 ولا تقتصر المخاطر التقنية على استخدام أدوات غير دقيقة، بل تشمل أيضًا تحديات كامنة في عملية التلوين ذاتها. من بين هذه التحديات، ما يُعرف «بـالتسرب اللوني» أو تداخل اللون في مناطق غير مقصودة، وهو أمر شائع عند التعامل مع صور ذات تفاصيل دقيقة أو ظلال غير واضحة، حيث ينساب اللون المطبّق على جزء من الصورة إلى مناطق مجاورة، مما يُشوّه العمق البصري للصورة الأصلية. 4 يضاف إلى هذا التحديات المتعلقة بجودة الملف الأصلي وحالته التي قد تنتج عن عوامل بيئية، كانحسار اللون، أو بهوته وتغيره، أو اختفاء بعض الأجزاء من الصورة. 16 تزداد هذه التحديات حدة في الأفلام الوثائقية أو اللقطات المتحركة، حيث يُعد الحفاظ على تناسق اللون بين الإطارات (frames) أمرًا بالغ الصعوبة وبكلفة عالية. 12

وإلى جانب التحديات التقنية والأخلاقية، تبرز مسألة التمثيل الثقافي و«الاستعمار البصري»، حين يُعاد تلوين صور لشعوب خضعت للاستعمار أو التهميش. بعض المشاريع صوّرت جنودًا من أفريقيا أو جنوب آسيا ببشرة أفتح، أو زِيّ عسكري موحّد لا يعكس خلفيتهم الثقافية. هذا التحيز وصل إلى التطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، فنجد على سبيل المثال ما قام به الباحث سامويل قوريي باختبار تطبيق DeOldify حاصلاً على نتيجة تم بها تفتيح بشرة العاملات السود تلقائيًأ. 23 كذلك، أُعيد تلوين صور السكان الأصليين ضمن تصورات زخرفية أو مبالغة تميل إلى النظرة السائدة باتجاه «البدائي النبيل»، ما يحوّل الصورة من وثيقة إثنوغرافية إلى مشهد رمزي يعكس رؤية المركز الأوروبي للآخر. 24 ينطبق هذا أيَضًا على الصور المأخوذة في المنطقة العربية، حيث استخدم التلوين اليدوي بطريقة غير محايدة ساعد في ترسيخ الصور النمطية الاستشراقية. 31 هذه الممارسات لا تضر بالدقة فقط، بل تعزز من التحيز البصري داخل أرشيف يُفترض به أن يحفظ التعدد والاختلاف. ولهذا السبب، تؤكد مؤسسات مثل FIAF، ومبادرات أخلاقية معاصرة، على ضرورة تقديم النسخ الملوّنة دائمًا بوصفها تأويلًا، لا بديلاً، مع إرفاقها بتعليقات مرجعية واضحة، وإتاحة النسخة الأصلية للمقارنة.

منهج التلوين والبحث كتجاوبٍ أخلاقي

في خضم كل هذا النقاش حول شرعية تلوين الصور والأفلام، برزت مشاريع بحثية وتقنية حاولت تقديم بدائل أخلاقية ومهنية تعتمد على المنهج التوثيقي لا الجمالي فقط. يقوم هذا المنهج على جمع معلومات تاريخية دقيقة حول العناصر البصرية التي تظهر في الصورة—من الملابس، إلى المباني، إلى درجات لون البشرة—ثم مطابقة هذه العناصر مع مصادر أرشيفية موثوقة لتوليد طبقة لونية أقرب ما تكون إلى الواقع التاريخي المفترض.

من أبرز هذه المشاريع، عمل Marina Amaral بالتعاون مع المؤرخ Dan Jones في كتاب The Colour of Time، حيث تم تلوين عشرات الصور التاريخية التي تغطي الفترة من عام 1850 إلى 1960، استنادًا إلى وثائق مكتوبة، وشهادات تاريخية، ومصادر أرشيفية متعددة. تؤكد Amaral في مقدمة الكتاب أنها لا تبتكر الألوان من خيالها، بل تستخرجها من السياق التاريخي بدقة شديدة. 17 ويعكس هذا التصريح التزامًا صارمًا بالبحث، وتحولًا في النظرة إلى التلوين بوصفه ممارسة أرشيفية لا مجرد تعديل بصري. مشروع آخر هو Old Ireland in Colour ، 15 الذي قاده الباحثان John Breslin وSarah-Anne Buckley، اعتمد على على خوارزميات ذكاء اصطناعي مدرَّبة، بتدخل بشري لتصحيح الألوان وفق معلومات تاريخية محلية، مثل أنماط الملابس الريفية في القرن التاسع عشر، أو طبيعة الإضاءة في الصور الزجاجية القديمة. هذا المزج بين الذكاء الاصطناعي والخبرة البشرية يمثّل اتجاهًا جديدًا ورصينًا في ممارسات التلوين المعاصر. يظهر هذا المشروع أيضًأ كيف يُمكن للتلوين أن يُسهم في بناء علاقة جديدة مع الذاكرة الجمعية حيث اعتمد على صور من الأرشيف الوطني الأيرلندي، وقام بتلوينها بناءً على مراجع واقعية ومقابلات محلية، ما جعل المشروع لا مجرد إعادة بناء بصري، بل استعادة للهوية الثقافية من خلال اللون

كذلك هناك مشروع Faces of Auschwitz، الذي نتج عنه تلوين صور سجناء المحرقة النازية بطريقة تُحافظ على كرامة الضحايا وواقعيتهم. لم يكتفِ المشروع بتلوين الصور، بل رافق كل صورة بقصة شخصية موثّقة، وسِجلّ أرشيفي من معسكر أوشفيتز، ما حوّل التلوين من مجرّد تقنية إلى أداة تأريخ مصغّر (micro-history tool). وبالرغم من تشديد القائمين على المشروع على أهمية التشاور مع مؤرخين وخبراء في الزيّ العسكري الأوروبي لتفادي الإسقاطات الجمالية، إلا أن دراسة ليز ووتكنز ودومونيك ويليام 31 ترى أن القرار الجمالي والتأثير العاطفي قد لعبا دورًا في التلوين، مشيرة إلى أهمية التفريق بين احترام الضحايا والتجربة الجمالية للعمل الناتج، مبدية تخوفًا من توظيف الذكاء الاصطناعي مما يؤثر على موثوقية النتائج. كل هذا يضع عامل التأويل في خانة واضحة في العمل، حتى وإن كان معتمدًا على مصادر موثوقة.

نجد أيضًا ثنائية التأويل والتواصل مع الجمهور في مشروع مجلة تايم (TIME) 29 حيث تم تلوين صور من الحرب الأهلية الأميركية بمناسبة الذكرى المئة والخمسين لنهايتها، بالتعاون مع الفنانة السويدية سانا دولاوي. شمل المشروع إعادة تلوين صور أرشيفية أيقونية نُشرت بصيغة جذابة للمتلقي غير المتخصص، بهدف تقريب التاريخ من الجمهور. رغم أن المشروع لم يتضمّن توثيقًا تفصيليًا لكل قرار لوني، فقد التزمت دولاوي بتقديم ألوان مدروسة ضمن منطق بصري يوازن بين التأثير العاطفي والبساطة التقنية. ما يُميّز هذا المشروع هو تقاطعه غير المباشر مع مشروع موازٍ وأكثر توثيقًا للفنانة مارينا أمارال، التي قامت أيضًا بتلوين عدد من صور الحرب الأهلية من أرشيف مكتبة الكونغرس. 17. اعتمدت أمارال على بحث متعمق شمل زي الجنود، ظروف الإضاءة، وتاريخ الصورة، ما يجعل مشروعها أقرب إلى التلوين التأويلي البحثي. الفرق بين العملين لا يكمن في القيمة، بل في الغاية: دولاوي لجمهور عريض عبر الوسائط الصحفية، وأمارال لأرشفة دقيقة ذات بعد تعليمي وتوثيقي. وبذلك، يصبح المشروعان وجهين لتلوين الماضي: أحدهما يُبسّط التاريخ، والآخر يُعمّقه، وكلاهما يُظهر إمكانيات الصورة حين تعود إلى الحياة بلون معاصر.

إلى جانب هذه المشاريع، انتشرت مبادرات فردية ومؤسسية تهدف إلى تلوين صور المدن القديمة، سواء في بدايات التصوير أو فترات التحول العمراني. حين يتم هذا التلوين وفق مرجعيات بصرية موثقة (كاللوحات والخرائط والصور الملوّنة لاحقًا)، يصبح المشروع بمثابة أرشفة مرئية معاصرة، تُحوّل المدينة إلى «وثيقة حية» تتجاوز حدود الأبيض والأسود. إلا أن هذا النوع من التلوين يتطلب وعيًا بأن اللون لا يُعيد فقط ما كان، بل يخلق علاقة جديدة مع المكان. ولهذا، فإن أفضل المشاريع تدمج بين اللون والتعليق السياقي، وتُقدّم التلوين كتأويل، لا كاستعادة حرفية، ما يمنح الصورة عمقًا جديدًا دون أن يُخفي تاريخها.

تلوين الفيديو والصورة المتحركة: بين الوثيقة والمعالجة الفنية

بينما ركّزت مشاريع التلوين المبكرة على الصور الثابتة بوصفها أرشيفًا بصريًا قابلاً للاستعادة، فإن التلوين في سياق الفيديو والصورة المتحركة ينطوي على مستويات إضافية من التعقيد الزمني، والتقني، والأخلاقي، فكل ثانية من الفيديو تحتوي على عشرات أو مئات الإطارات، وكل إطار يجب أن يُلوَّن بطريقة منسجمة مع الإطارات التي تسبقه وتليه، دون أن يخلّ ذلك بمرونة الحركة أو بطبيعة الصورة الأصلية.

أحد أبرز المشاريع الحديثة التي استثمرت التلوين في الفيلم الوثائقي هو فيلم They Shall Not Grow Old (2018) للمخرج بيتر جاكسون. استخدم الفيلم مقاطع أرشيفية من الحرب العالمية الأولى، تمت معالجتها بصريًا وتلوينها وإضافة مؤثرات صوتية لتُعرض للمشاهد كما لو أنها صُوّرت حديثًا. رغم إشادة كثير من النقاد بالجانب التقني المبهر، إلا أن المشروع أثار أسئلة حول طبيعة الصورة الملوّنة: هل تُعيد تمثيل الحدث التاريخي، أم تُعيد إنتاجه بصيغة معاصرة قد تُغيّب فظاعته الأصلية؟ 19 3 يظهر هذا النوع من التلوين تأويلًا بصريًا مكثفًا، لا يُضاف به اللون فحسب، بل تُعالج الحركة، ويُعاد ضبط الإطار، وتُضاف طبقات صوتية ومؤثرات رقمية لتكون النتيجة عبارة عن عمل سينمائي جديد تمامًا، ينبثق من الأرشيف، لكنه لا يُطابقه. ولهذا السبب، ترى الباحثة ووتكنز أن تلوين الفيديو الوثائقي لا يجب أن يُصنّف ضمن «الترميم»، بل ضمن إعادة تأويل سينمائي للمواد الأرشيفية. 30

وقد يكون الترميم أو الاستعادة للفيلم الأصل توجهًا توثيقيًا وفنيًا. مثال هذا استخدام لقطات ملوّنة ومعالجة بصريًا في فيلم Apollo 11 (2019)، حيث استعان المخرج بأرشيف وكالة ناسا لتقديم اللحظة بواقعية مُبهرة. المختلف في المشروع، أنه لم يقم بتلوين اللقطات الأرشيفية، بل اعتمد على الأفلام الأصلية التي كانت ملونة بالأساس، رغم أن بعض اللقطات نشرت في حينه بالأبيض والأسود. الجهد في المواد الأرشيفية هنا التي تم توظيفها في الفيلم يعكس دور الأرشيف في استعادة الأصل، والحفاظ على الألوان الحقيقية، وتوثيق عملية الرقمنة ضمن معايير واضحة ومعتمدة. 22

وقد ساهم تطور أدوات الذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآلة في توسيع نطاق تلوين الفيديو. ظهرت تطبيقات مثل DeOldify التي تُستخدم في تلوين الصور الثابتة والمتحركة القديمة تلقائيًا باستخدام شبكات GANs) Generative Adversarial Networks). ورغم ما تمنحه هذه الأدوات من سهولة وسرعة، فإنها لا تزال تنتج أخطاء شائعة، مثل تداخل الألوان، أو افتراض لون بشرة أو ملابس غير دقيق تاريخيًا، أو التكرار الآلي غير المفسّر.

بالإضافة إلى التحديات التقنية المشابهة لتلوين الصور الثابتة، يواجه تلوين الفيديو والصور المتحركة تحديات تقنية معقدة أبرزها الحفاظ على الاتساق الزمني بين الإطارات، إذ يؤدي التلوين الإطاري المستقل غالبًا إلى وميض بصري (flickering) واختلاف غير واقعي في الألوان. كما يُعد تثبيت اللون لنفس العنصر عبر مشاهد متتابعة تحديًا أساسيًا، لا سيما في المشاهد التي تتضمن حركة كثيفة أو تفاصيل دقيقة. وتعتمد بعض النماذج على إطارات مرجعية لتوجيه التلوين، ما يستلزم مرجعًا دقيقًا ومتسقًا. كذلك تتطلب النماذج الحديثة بُنى معقدة، ما يزيد من عبء المعالجة. 18 وحين لا يُمارس تلوين الفيديو بمنهجية حذرة وواضحة، يمكن أن يُحوّل الوثيقة إلى مشهد جمالي منزوع من مرجعيته، تمامًا كما قد تُحوّل الموسيقى التصويرية الحزينة فيلمًا واقعيًا إلى دراما. ولهذا، فإن المؤسسات الأرشيفية، كما ذكر سابقًا، لا تزال حذرة جدًا في قبول هذه النسخ كمرجع أصلي.

تلوين الصور الثابتة والمتحركة كممارسة معرفية

عبر استعراض تاريخ تلوين الصور الثابتة والمتحركة، ومناقشة النماذج الفردية والمؤسساتية، يمكننا أن نلاحظ أن التلوين ليس فقط تقنية رقمية لإضافة اللون، بل هو ممارسة معرفية وتأويلية تعيد صياغة العلاقة بين الصورة والتاريخ، بين الذاكرة والمؤرشِف، وبين الماضي وتمثيله في الحاضر. نسعى هنا إلى تحليل التلوين كفعل يتقاطع مع مفاهيم السلطة البصرية، التأريخ، والتحكم في المعنى، وذلك من خلال فحص التوتر القائم بين النية التفسيرية للتلوين من جهة، ومعيارية الأرشفة وحفظ الأصل من جهة أخرى.

لطالما استُقبلت الصور الملوّنة – سواء يدويًا أو رقمياً – على أنها محاولات «لتحسين» الصورة بالأبيض والأسود، لكنها في الواقع لا تُحسِّن الأصل، بل تُفسّره. إذ أن أي قرار لوني يُتخذ في غياب المرجع الأصلي هو بالضرورة تأويلي، يُعبّر عن إدراك المُلوِّن أو تخيله أو توجهاته الجمالية. في هذا السياق، يُصبح اللون وسيطًا للمعنى، لا مجرد عنصر بصري. وقد لاحظت ووتكنز أن التلوين في كثير من المشاريع الحديثة يُمارس لاستثارة المشاعر والتعاطف، ما يُعيد تشكيل التجربة الشعورية للصورة أكثر من أن يستعيد واقعيتها.

كما أن هذه الممارسة تمثّل، في وجه من وجوهها، نوعًا من الهيمنة الرمزية، إذ تُلبِس الماضي لباس الحاضر، وتُعيد توجيه نظرة المتلقي بما يوافق الإطار الزمني والذهني الذي يشتغل فيه مشروع التلوين. فالصورة التي كانت تُقرأ بوصفها وثيقة زمنية صامتة، تُصبح بعد التلوين حمّالة لرموز وتوقعات جديدة. منذ أن أشار رولان بارت 1 إلى أن الصورة الفوتوغرافية تُمارس سلطتها عبر «أن تكون هناك» (having-been-there)، بدا واضحًا أن أي تدخل لاحق، بما في ذلك اللون، يُعيد تشكيل العلاقة بين الصورة والمتلقي. فالصورة ليست ثابتة في تمثيلها، بل تُعاد كتابتها كل مرة تُعرض فيها. ولذلك نجد أن كلا من بارت وسوزان سونتاج 26 قد تناولا مستوى الصورة عند الالتقاط، ومستواها عند المشاهد كتجربتين منفصلتين أو متكاملتين. ويمكننا أن نضيف هنا مستوً جديدًا للصورة، وهي حين تُلوَّن.

إن أحد أكثر أماكن هذا التوتر حدةً يظهر داخل المؤسسات الأرشيفية ذاتها. فمؤسسات مثل مكتبة الكونغرس (LoC) والاتحاد الدولي للأرشيفات السينمائية (FIAF) وضعت ضوابط دقيقة لتصنيف النسخ الملوّنة، لا بوصفها بديلًا عن الأصل، بل امتدادًا تأويليًا له. هنا يتضح أن اللون لا يدخل إلى الأرشيف بريئًا، بل يُفكك بنيته المرجعية ويعيد موضعة المادة داخل إطار سردي جديد. فالأرشيف الذي يُفترض أن يكون حارسًا لذاكرة الماضي، يتحوّل مع التلوين إلى وسيط لتأويل الحاضر للماضي، مما يفتح الباب على أسئلة مؤسسية: هل يجب على الأرشيف أن يُجمِّد الصورة في زمنها؟ أم أن يُتيح للّون إعادة قراءتها؟ وهل يمكن التوفيق بين وظيفتي الحفظ والتفسير في سياق واحد؟

هذه الأسئلة تؤكد ما أشار إليه جاك دريدا في حديثه عن الأرشيف بوصفه سلطة على الذاكرة ، 10 لا فقط مخزنًا لها، إذ أن كل أرشفة تنطوي ضمنًا على فعل انتقاء، إقصاء، وإعادة بناء معرفي.

لا يقتصر التلوين على الأثر الجمالي أو التأويلي، بل يتورّط أيضًا في إنتاج تحيّزات بصرية تتعلق بالعرق، النوع، أو الطبقة الاجتماعية، خاصة حين تُترك الخوارزميات لتقرر الألوان بناءً على بيانات تدريب غير متوازنة. في سياق الذكاء الاصطناعي، مثلًا، نجد أن التلوين التلقائي غالبًا ما يُعيد إنتاج ألوان نمطية – كإعطاء البشرة الداكنة درجات غير واقعية، أو تلوين الملابس بطريقة تعكس الصور الجماهيرية لا الحقائق التاريخية. هذا يجعل من تلوين الصورة فعلاً محكومًا ببنية سلطوية: من يملك الخوارزمية؟ ما هي بياناتها؟ من يقرر «اللون المناسب»؟ وحين تُطبَّق هذه الآليات على أرشيف مكاني، أو لقطات من الحقبة الاستعمارية، فإن التلوين يُصبح أداة استشراق بصري، كما نلاحظ في دراسات «أرشيفات الكوكب» لألبرت خان.

نقد الموضوع لا يدعو بالضرورة إلى رفض التلوين، بل إلى إخضاعه لمبدأ الشفافية النقدية. فكما يُقدَّم النص الأدبي أحيانًا بنسخة مشروحة، أو الفيلم بنسختين (الأصلية والمُرممة)، يمكن أن يُعرض التلوين داخل الأرشيف والمؤسسة التعليمية باعتباره طبقة تفسيرية إضافية، لا بديلًا عن الصورة الأصلية. حين يتوفر السياق، والمصدر، والتوثيق، يصبح التلوين أداة فعالة لتعزيز الإدراك البصري والفهم التاريخي. أما حين يُمارَس خارج أي مرجعية، فإنه يُهدّد بتحويل الصورة إلى «ماضٍ مُعاد بناؤه تجاريًا»، لا أثرًا تاريخيًا محميًا.

مما سبق نقاشه، فإننا نخلص إلى أن التمييز بين التلوين التوثيقي والتلوين الجمالي أحد المحاور المركزية في التعامل مع الصور المؤرشفة، حيث ينبغي أن يُقدَّم التلوين بوصفه تأويلًا بصريًا وليس بديلًا عن الأصل. يستدعي هذا التمييز شفافية منهجية واضحة تتبع مصدر الألوان وأسس اختيارها. استنادًا إلى هذا المبدأ، يقترح إدراج بند خاص بالتلوين في سياسات الأرشفة الرقمية، في منهجيات مراكز الأرشيف التي لا تحتوي عليه، يحدّد الشروط التقنية والأخلاقية لممارسته داخل البيئات البحثية والتعليمية، مع التأكيد على الحاجة إلى توثيق كل خطوة في عملية التلوين.

وفي ظل تنامي استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، تبرز ضرورة وضع معايير أخلاقية لتدريب هذه الأدوات، بحيث تشمل تنويع بيانات التدريب، وتوفير إشراف بشري من مختصين في التاريخ، والأنثروبولوجيا، والأزياء. كما يُوصى بتعزيز الوعي العام بحدود التلوين من خلال المعارض والمنصات الرقمية، مع توفير نسخ مزدوجة (أصلية وملونة) بشكل مقارن. ويسهم تشجيع الدراسات المقارنة بين تجارب التلوين في الثقافات المختلفة في فهم تنوّع الذوق والذاكرة والسياسة البصرية. وفي هذا السياق، يُقترح أخيرًا مفهوم «التقبل البصري» بوصفه موقفًا نقديًا يعترف بأن أي تلوين هو دومًا تأويلي، ظرفي، ومشروط بسياقه، مما يدفع نحو ممارسة أكثر حذرًا، دفاعًا عن أصالة الوثيقة لا رفضًا للتلوين ذاته.




المراجع

1. Barthes, Roland. Camera Lucida: Reflections on Photography. New York, The Noonday Press, 1988.
2. Bennetts, Leslie. COLORIZING’ FILM CLASSICS: A BOON or a BANE. The New York Times, 5 Aug. 1986, www.nytimes.com/1986/08/05/movies/colorizing-film-classics-a-boon-or-a-bane.html. Accessed 15 Mar. 2025.
3. Brody, Richard. ““They Shall Not Grow Old,” Reviewed: The Indelible Voices in Peter Jackson’s First World War Documentary.” The New Yorker, 19 Feb. 2019, www.newyorker.com/culture/the-front-row/they-shall-not-grow-old-reviewed-the-indelible-voices-in-peter-jacksons-first-world-war-documentary?utm_source=chatgpt.com. Accessed 25 Mar. 2025.
4. Chen, Shu-Yu, et al. “A Review of Image and Video Colorization: From Analogies to Deep Learning.” Visual Informatics, vol. 6, no. 3, June 2022, https://doi.org/10.1016/j.visinf.2022.05.003.
5. Code of Ethics. Fédération Internationale des Archives du Film (FIAF), 2008.
6. Copyright Office. Copyright Registration for Colorized Versions of Black and White Motion Pictures. Library of Congress, Aug. 1987. https://cdn.loc.gov/copyright/history/mls/ML-366.pdf.
7. “Color.” National Archives, NARA, 23 Jan. 2024, www.archives.gov/research/catalog/lcdrg/elements/color. Accessed 21 May 2025.
8. “Colorizer’s Code of Conduct.” Ccoc.online, 22 Apr. 2021, www.ccoc.online. Accessed 18 Apr. 2025.
9. “Dawn’s Early Light.” Rmc.library.cornell.edu, Cornell University, 12 July 2012, rmc.library.cornell.edu/DawnsEarlyLight/exhibition/handcolored/index.html. Accessed 27 Mar. 2025.
10. Derrida, Jacques. Archive Fever: A Freudian Impression. University of Chicago Press, 1995, p. 4.
11. Duits, Kjeld. “Empire of Color (1).” OLD PHOTOS of JAPAN, 20 Apr. 2023, www.oldphotosjapan.com/photos/908/japanese-art-of-hand-coloring-vintage-photographs-part-1. Accessed 20 Mar. 2025. Series of 4 parts.
12. Ferguson, Douglas A. The Importance of Colorization of Motion Pictures and Syndicated Television Programs to Broadcasting: 1985–1990. 1991, pp. 1–22.
13. Heller, Steven. “Victims of the Image: Ignobility for the Noble Savage - DesignObserver.” DesignObserver, 31 Dec. 2009, designobserver.com/victims-of-the-image-ignobility-for-the-noble-savage/?utm_source=chatgpt.com. Accessed 20 May 2025.
14. Higgins, Scott. Harnessing the Technicolor Rainbow. Austin, Tx, University Of Texas Press, 2008, pp. 15–17.
15. Holland, Oscar. “AI Photo Restoration Shines a Light on Life in Old Ireland.” CNN, 29 Mar. 2021, edition.cnn.com/style/article/old-ireland-color-photos-breslin. Accessed 25 Mar. 2025.
16. Ismail, Ahmed Mohamed Attia. “A Proposed Methodology for Colorizing Historical Grayscale Images: Using Image Editing and Artificial Intelligence Applications.” مجلة التراث والتصميم, vol. 4, no. 1, Nov. 2024, pp. 510–524.
17. Jones, Dan, and Marina Amaral. The Colour of Time: A New History of the World, 1850-1960. Head of Zeus Ltd, 9 Aug. 2018, p. 47.
18. Kang, Xiaoyang, et al. NTIRE 2023 Video Colorization Challenge. 1 June 2023, https://doi.org/10.1109/cvprw59228.2023.00159. Accessed 27 Mar. 2025.
19. Keown, Bridget. “Colorizing and Fictionalizing the Past: A Review of Peter Jackson’s They Shall Not Grow Old.” Nursing Clio, 12 Feb. 2019, nursingclio.org/2019/02/12/colorizing-and-fictionalizing-the-past-a-review-of-peter-jacksons-they-shall-not-grow-old/?utm_source=chatgpt.com. Accessed 25 Mar. 2025.
20. Mathews, Jack. “A SNEAK PREVIEW of the COLORIZATION WARS.” Los Angeles Times, 2 Oct. 1986, www.latimes.com/archives/la-xpm-1986-10-02-ca-3533-story.html. Accessed 20 May 2025.
21. Miller, Mark Crispin, and Stuart Klawans. Seeing through Movies. New York, Pantheon Books, 1990, pp. 150–185.
22. “National Archives Film Footage Fuels Apollo 11 Film.” National Archives, 7 Mar. 2019, www.archives.gov/news/articles/apollo-11-footage-debuts-in-new-documentary?utm_source=chatgpt.com. Accessed 25 Mar. 2025.
23. Roshaya Rodness. “The Controversial History of Colorizing Black-And-White Photographs.” Fast Company, 20 May 2021, www.fastcompany.com/90638388/the-controversial-history-of-colorizing-black-and-white-photographs?utm_source=chatgpt.com. Accessed 21 May 2025.
24. Schneider, Jaron. “Colorization Artist Slammed for Adding Smiles to Genocide Victims.” PetaPixel, 12 Apr. 2021, petapixel.com/2021/04/12/colorization-artist-photoshops-smiles-onto-cambodian-genocide-victims/?utm_source=chatgpt.com. Accessed 15 Apr. 2025.
25. Smits, Thomas, and Melvin Wevers. “Coloring in the World of Others: Color Use in Visual Orientalism, 1890–1920.” Humanities and Social Sciences Communications, vol. 11, no. 1, 15 Oct. 2024, www.nature.com/articles/s41599-024-03895-5, https://doi.org/10.1057/s41599-024-03895-5. Accessed 31 Oct. 2024.
26. Sontag, Susan. On Photography. New York Picador, 1977.
27. Street, Sarah, and British Film Institute. Colour Films in Britain : The Negotiation of Innovation 1900-1955. London, Bfi/Palgrave Macmillan, 2012, p. 277.
28. “Studio of Felice Beato Archives.” Holden Luntz Gallery, Holden Luntz Gallery, 28 Sept. 2020, www.holdenluntz.com/artists/studio-of-felice-beato. Accessed 25 Mar. 2025.
29. Time Photo. “See the American Civil War in Color Photographs.” Time, 9 Apr. 2015, time.com/3814470/see-the-american-civil-war-in-color-photographs/.
30. Watkins, Liz. “The Politics of Nostalgia: Colorization, Spectatorship and the Archive.” Comparative Cinema, vol. 9, no. 17, 19 Dec. 2021, pp. 123–145, https://doi.org/10.31009/cc.2021.v9.i17.07. Accessed 1 Mar. 2022.
31. Watkins, Liz, and Dominic Williams. “The Faces of Auschwitz: Digital Colourisation, Ethics and the Archive.” Visual Studies, vol. 40, no. 1, 2 Jan. 2025, pp. 85–100, https://doi.org/10.1080/1472586x.2024.2438883. Accessed 15 Mar. 2025.